التأکید على المعاد

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء الخامس)
إنکار المعاد هو عین الضَلالتمهید

لقد ذُکر المعاد والحیاة بعد الموت بشکل مؤکّد وبصور مختلفة فی الآیات الآنفة الذکر، کل ذلک من أجل بیان الأهمیّة البالغة التی یولیها القرآن لهذا الأمر.

الخطاب فی الآیة الاُولى یؤکِّد على جمع البشر فی ذلک الیوم الذی لا ریب فیه.

قال تعالى:( اللهُ لاَ إِلهَ الاَّ هُوَ لَیَجْمَعَنَّکُمْ إِلَى یَوْمِ الْقِیَامَةِ لاَرَیْبَ فِیهِ)، ثم یبالغ بالتأکید فیقول: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِیثاً).

إنّ بدایة الآیة ونهایتها وجمیع إجزائها تؤکِّد على هذه المسألة، وتشکِّل مقیاساً للأهمیّة التی یکنّها القرآن لذلک الموضوع(1)، ومن الجدیر بالذکر أنّ «الریب» یعنی أساساً کما ورد فی مقاییس اللّغة هو الشّک، أو الشّک، المشوب بالخوف والقلق، أمّا إطلاق کلمة ریب على «الحاجة» فذلک لأنّ المحتاج إلى شیء عادةً یشک فی الحصول على ذلک الشیء فیکون شکّه مشوباً بالخوف من الحرمان!

وفی «فوارق اللغة» ذُکِرت عدّة فروق بین «الشک» و«الریب»، منها أنّ «الارتیاب» شکٌ مشوب بالتهمة.

فمن المحتمل أن یکون السبب فی استعمال القرآن الکریم لهذا الاصطلاح بشأن المعاد هو أنّ المعارضین لأمر المعاد کانوا بالإضافة إلى تظاهرهم بالشک فی عقیدة المعاد یتّهمون النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) باختلاق تلک الاُمور.

ولکن یبقى هنالک سؤال یحتاج إلى الإجابة وهو: لِمَ اکتفى القرآن فی هذه المواضع وفی مواضع مُشابهه بالمدّعى من دون ذکر دلیل علیه؟

وأسباب ذلک کثیرة; وأوّلها: إنّ أدلّة إثبات المعاد وردت فی مواضع کثیرة من القرآن المجید وبُحثت باستمرار، فلم یکن من الضرورة تکرارها فی هذه الآیة، وثانیاً: کأنّ القرآن یرید أن یوضّح هذه الحقیقة وهو أنّ الشواهد على إثبات المعاد بلغت من الوضوح حداً بحیث لم تُبقِ مجالا للشّک أو التردد(2).

وفی الآیة الثانیة اُمِرَ النبی(صلى الله علیه وآله) بأن یُقسِم مؤکِّداً على أنّ هنالک قیامةً وحشراً ونشراً حیث قال تعالى: (زَعَمَ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنْ لَّنْ یُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّى لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّئُونَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وذلِکَ عَلَى اللهِ یَسیرٌ).

نحن نعلم بأنّ القسم عادةً من الأعمال غیر المحبذة، على الأخص عندما یکون القسم بالله تعالى، من أجل هذا نهى القرآن الناس عنه فی الآیة الکریمة: (وَلاَ تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً ل یْمَانِکُمْ). (البقرة / 224)

ولکن أحیاناً وعندما یکون الأمر مهماً جدّاً فإنّ القسم لدعم ذلک الأمر لا یکون غیر مستحسن فحسب بل یکون لازماً.

وفی هذه الآیة، علاوة على ذکر التأکید فی «لتبعثن» و«لتنبئُن» فإنّ الآیة فی آخرها تُصرِّح على أنّ هذا الأمر یسیر على الله، ولذلک فلا یجب أن ترتابوا أو تترددوا فیه(3).

وفی الآیة الثالثة طُرحت هذه المسألة على شکل استفسار ومحاورة تجری بین النبی(صلى الله علیه وآله) والمشرکین: (وَیَسْتَنْبِؤُنَکَ أَحَقٌ هُوَ)؟!

ویجب الالتفاف إلى أنّ «یستنبؤنک» من «النبأ» وهو «الخبر المهم».

قال «الراغب» فی «المفردات» النبأ هو الإخبار النافع المصاحب للهول والعظمة لدى الإنسان الذی لدیه علمٌ أو ظنٌ غالباً بذلک الإخبار، ومادام الخبر لایتصف بهذه الاُمور الثلاثة (الفائدة والعظمة والعلم) فإنّه لا یسمى «نبأ»، (بناءً على هذا فالخبر المشکوک أو قلیل الأهمیّة أو عدیم الفائدة لایسمى «نبأ» وأما ما نراه فی سورة النبأ من وصف النبأ ب «العظیم» فإنّه لشدّةِ التأکید) وعندما یطلق على النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)ذلک فبسبب اتصاف ما أخبر به بهذه الصفات الثلاث أیضاً.

ثم یأمر الله تعالى نبیّه(صلى الله علیه وآله): (قُلْ اِىْ وَرَبِّى إِنَّهُ لَحَقٌ)، والملفت للنظر هنا هواستعمال کلمة «الرب» فی الآیة الکریمة للاشارة إلى أن القیامة هی دوام ربوبیة الخالق واستمرارها، وإنّ القیامة هی من مظاهر الربوبیة، وسیأتی توضیح هذا الکلام عند البحث فی أدلّة المعاد بإذن الله.

وإزداد التأکید شدّةً فی آخر الآیة فی جملة: (وَمَا اَنْتُمْ بِمُعْجِزِینَ).

ویعتقد عدد من المفسرین بأنّ هذه الآیة تشیر إلى صدق القرآن أو نبوّة الرسول الأعظم(صلى الله علیه وآله)، بینما تصِّرح الآیة السابقة والآیة اللاحقة لهذه الآیة بوضوح أنّ المراد من النبا هو مسألة المعاد ومجازاة المذنبین فی یوم القیامة التی طُرحت بعنوان أمر واقع لا شک فیه من خلال اضفاء أنواع التأکیدات علیها.

إنّ کلاًّ من کلمة «إیْ»، والقسم «ربّی» و«إنَّ» و«اللام» فی «لحقٌ»، ونفس کلمة «حق» وکون الجملة اسمیة، وجملة «وما أنتم بمعجزین» هی تأکیدات لبیان أهمیّة هذه المسألة.

وفی الآیة الرابعة طرحت هذه المسألة بشکل جدید فهی تنقل قول الکافرین أولا (وَقَالَ الَّذِینَ کَفَرُوا لاَ تَأْتِینَا السَّاعَةُ).

ثم یأمر النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله): (قُلْ بَلَى وَرَبِّى لَتَأتِیَنَّکُمْ عَالِمِ الْغَیْبِ).

من الممکن أن یکون ذکر «عالم الغیب» هو للالتفات إلى السبب الذی أدّى إلى إنکار المعاد من قِبَل الکافرین وذلک لأنّهم کانوا یقولون: مَن یقدِر على جمع الرفات المتناثرة فی أکناف الأرض على شکل ذرات؟ ومن یقدر على إحصاء أعمال الإنسان التی بادت وانمحت ولم یبق منها أی أثر لیثاب ویعاقب علیها؟ یجیب القرآن هنا بجملة وجیزة، ویقول: الله الذی یعلم الغیب ویعرف خفایا الإنسان یتکفّل بذلک.

ولکن لماذا اُطلق اسم «الساعة» على القیامة فی أحد اسمائها؟ لأنّ «الساعة» بتصریح أصحاب اللغة وضعت فی الأصل للجزء الصغیر من أجزاء الزمن أو بتعبیر آخر هی اللحظة السریعة الانقضاء، وبما أنّ حساب العباد فی یوم القیامة أو أصل قیام القیامة یتمّ بسرعة اُطلق هذا الاسم على یوم القیامة(4).

ومن الجدیر بالذکر أیضاً هو أنّ کلمة «ساعة» کما جاء فی لسان العرب تطلق على لحظة انتهاء العالم المفاجئة وعلى قیام یوم القیامة معاً; لأنّ قیام یوم القیامة یکون مفاجئاً أیضاً.

وقسّم البعض «الساعة» إلى ثلاثة أنواع: «الساعة الکبرى» و«الساعة الوسطى» و«الساعة الصغرى».

فالساعة الکبرى هی یوم الحشر، والساعة الوسطى هی الموت المفاجىء لقوم فی أحد الأزمنة (مثل قوم نوح الذین غرقوا فی وقت الفیضان) والساعة الصغرى هی ساعة الموت لکل إنسان(5).

وفی الآیة الخامسة جاء هذا المعنى على لسان «الراسخین فی العلم» فهؤلاء أیضاً خلال مناجاتهم مع الله أکّدوا على أمر المعاد والحشر واعتبروه من أوضح الاُمور المسلّمة حین قالوا: (رَبَّنَا اِنَّکَ جَامِعُ النَّاسِ لِیَوْم لاَرَیْبَ فِیهِ).

ولشدّة التأکید أضافت الآیة إلى ذلک: (اِنَّ اللهَ لاَیُخْلِفُ المِـیْعَادَ).

وفی هذه الآیة أیضاً جاء عدد من التأکیدات مثل کلمة «إنّ» و«الجملة الاسمیة» وجملة «لاریب فیه» وجملة «إِنّ الله لا یخلف المیعاد».


1. وهنالک آیات کثیرة اُخرى فی القرآن أیضاً تؤکّد جمیعها على هذا الموضوع وهو أنّه لا شک فی الرجعة، مثل آیة 7 من سورة الحج; والآیة 9، 25 من سورة آل عمران; والآیة 12 من الانعام; والآیة 21 من الکهف; والآیة 59 من غافر; والآیة 7 من الشورى; والآیة 26و33 من سورة الجاثیة.
2. یجب الانتباه إلى « اللام » فی « لَیجمعنکم » للقسم، ثم صاحبتها نون التوکید الثقیلة، وبعد ذلک اُکِّدَت بجملة «لاریب فیه» وأخیراً اشتدّ التأکید بجملة: «ومن أصدق من الله حدیثاً». ( ولکن لماذا تعدت « لیجمعنَّ » هنا ب «إلى»، مع أنّ القاعدة تقتضی التعدی بـ « فی »؟ فإنّ المفسرین اجابوا: إنّ السبب هو أنّ کلمة « لیجمعن » أتت بمعنـى « لیحشرنَّ » التـی تتعـدى بـ « إلى »، أو أن تکون « إلى » هنـا بمعنـى «فی».
3. «زعْم» على وزن «طعم» فی الأصل بمعنى الخطاب المحتمل کذبه أو المتیقّن من کذبه، وأحیاناً تأتی بمعنى الظن الکاذب أیضاً من دون أن یکون هنالک أی خطاب، روى بعض المفسرین مثل الشیخ الطوسی فی «التبیان» والقرطبی مؤلف کتاب «روح البیان» بأنّ «زعم» کنایة عن الکذب.
4. فعل «ساعَ» أتى بمعنى زوال، والزوال یحمل فی طیاته مفهوم سرعة الانقضاء، قال فی المنار: ساعة فی الأصل بمعنى الزمان القصیر الذی یُعَّین بواسطته مقدار عمل معیّن حدث فی خلال ذلک الوقت. (تفسیر المنار، ج 7، ص 359).
5. تاج العروس فی شرح القاموس ومفردات الراغب.

 

إنکار المعاد هو عین الضَلالتمهید
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma