إنکار المعاد هو عین الضَلال

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء الخامس)
نتیجة البحثالتأکید على المعاد

إلى هنا کان الکلام فی التأکیدات على مسألة المعاد، ولکن الآیات الخمس المتبقیة من آیات بحثنا تشتمل على تهدیدات مختلفة وجِّهت إلى جاحدی الحشر والمعاد وکل آیة لها تعبیر خاص، ففی الآیة السادسة مثلا قال تعالى: (اَلا إِنَّ الَّذِینَ یُمَارُونَ فِی السَّاعَةِ لَفى ضَلاَل بَعْید).

«یمارون»: من «المراء» أو «المریة»، قال فی «مقاییس اللغة» إنّها على معنیین:

الأول: شَدّ الید على ثَدْی الحیوان لحلب اللبن، والمعنى.

الثانی: الصلابة والرصانة، لکن الراغب لم یذکر فی المفردات إلاّ المعنى الأول.

ثم إنّ هذه الکلمة جاءت بمعنى الشک والتردید، وإن قال الراغب إنّ لها مفهوماً أضیق دائرةً من الشک (من المحتمل أنْ یکون السبب فی ذلک هو أنّ «المریة» یُفهَمُ منها معنى الشک المقرون بالبحث والتحقیق، کما هو الحال فی حالِب اللبن فإنّه یبذل جهداً لاستخراج اللبن من الثدی).

أمّا «المماراة» فهـی بمعنى المجادلة فـی البحث والتعصب فی الجدل أو أنّ کلاًّ من الطرفین یرید أن یقرأ أفکار الطرف الآخر، أو کما قال صاحب المقاییس إنّ کِلا المعنیین یشتملان على الصلابة والتزمُّت فی البحث، کما اُشیرَ أعلاه بأنّ الصلابة هی أحد معانی المریة.

ومن الجدیر بالذکر أنّ استعمال «ضلال بعید» جاء فی عشر آیات فی القرآن المجید، وکانت أغلبها خطاباً للکفّار والمشرکین وجاحدی المعاد، وهـذا التعبیر یبیَّن بوضوح بأنّ الضلال البعید یختص بهذه المجموعة، وذلک لأنّ الإیمان بالله ویوم الحساب إنّ وجِدْ یجعل وجود الضلال سطحیاً ویزید من احتمال العودة إلى طریق الحق، بینما یقود جحد التوحید والمعاد الإنسانَ ویجرُّه إلى آخر درجة من الضلال ویبعده عن صراط الهدایة القویم إلى أدنى حد، أو بتعبیر آخر إنّ الأدلّة على معرفة الله وإثبات المعاد على حد من الوضوح یجعلها تشابه الاُمور الحسیّة الملموسة، والذی یصاب بالضلال فی هذین الأمرین فضلاله عظیم.

وفی الآیة السابعة اُشیر إلى مسألة «حبط الأعمال» أی أعمال الجاحدین للمعاد فی قوله تعالى: (وَالَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیَاتِنَا ولِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ اَعْمَالُهُمْ هَلْ یُجزَونَ إِلاّ مَا کَانُوا یَعْمَلُونَ).

«الحبط»: فی الأصل بمعنى البطلان أو التمّرض(1)، وفی تعبیر الآیات والروایات جاء بمعنى محو ثواب الأعمال بسبب إرتکاب عدد من الذنوب.

وجاء فی «لسان العرب» إنّ «الحبط» هو أن ینجز الإنسان عملا ما ثم یُبطله.

ولعلماء علم الکلام نقاشٌ فی مسألةِ هل یکون «الحبط» حاکماً دائماً فی تأثیر المعاصی والطاعات على بعضها الآخر أم لا؟ وسوف نتعرض بالبحث مفصلا فی هذه المسألة فی محلها إن شاء الله، ولکن لا یوجد على نحو القضیة الجزئیة شکٌ فی صحة هذه المسألة، فإنّ بعض الاُمور مثل «الکفر» تکون سبباً فی حبط ثواب جمیع الأعمال الصالحة، فلو مات أحدٌ على الکفر فإنّ جمیع أعماله الصالحة سوف تتلاشى کنثر الرماد فی ریح عاصف، إنّ الآیات الآنفة الذکر تنسب هذا الاحباط لجاحدی الآیات الدالّة على إثبات الله والمعاد، وهذا دلیلٌ واضح على أهمیّة المعاد فی رأی القرآن المجید.

وفی الآیة الثامنة هدّد القرآن بشکل صریح بتعذیب الذین لا یؤمنون بالآخرة عذاباً ألیماً، قال تعالى: (وَأَنَّ الَّذِینَ لاَیُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ اَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً اَلِیماً).

فهو من جانب یقول: إنّ الجزاء مُعدٌ وجاهز کی لایظنّ أحد أنّ الجزاء وعد مؤجلٌ، ومن جانب آخر یصف العذاب الإلهی بـ«الألیم» وهذا الوصف من أجل المبالغة فی بیان أهمیّة الإیمان بالمعاد.

وکلمة «عذابٌ ألیم» تکرر ذکرها فی القرآن المجید عشرات المرّات وفی آیات مختلفة، وخوطِبَ بها الکفّار والمنافقون غالباً، ووردت أحیاناً فی تهدید من یقترف الذنوب الکبیرة مثل ترک الجهاد (سورة التوبة / 39) والاجحاف عند القصاص (البقرة / 178) أو اشاعة الفحشاء (النور / 19) أو الظلم والعدوان (الزخرف / 65) وما شابه ذلک من الکبائر.

وفی الآیة التاسعة ذُکِرت ثلاث عقوبات ألیمة للذین لا یبالون بیوم القیامة، قال تعالى: (وَ قِیلَ الْیَوْمَ نَنْسَاکُمْ کَمَا نَسِیتُمْ لِقَاءَ یَوْمِکُمْ هَذَا).

(وَمَأْوَاکُمُ النَّارُ).

(وَمَالَکُمْ مِنْ نَّاصِرِینَ).

إنّ الغفلة عن یوم القیامة أو نسیانه هو مصدر جمیع أنواع الضلال فی الواقع، کما جاء فی القرآن! (....إِنَّ الَّذِینَ یَضِلُّونَ عَنْ سَبِیلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِیدٌ بِمَا نَسُوا یَوْمَ الْحِسَابِ)(2).(ص / 26)

من الطبیعی أنّ الله موجودٌ فی کل مکان، وأنّ جمیع الأشیاء حاضرة بین یدیه، ولا معنى لنسبة النسیان إلیه، فالمراد من النسیان هنا هو أنّ الله تعالى یحرم هؤلاء من رحمتة إلى أبعد الحدود بحیث یُتَصوَّر أنّه نسیهم!

وأخیراً ففی الآیة العاشرة والأخیرة وعَدَ الله عزّ وجلّ جاحدی المعاد بالخلود فی النار وهَدَّدهم بالعذاب الدائم.

قال تعالى بعد أن وجّه الخطاب إلى النبی(صلى الله علیه وآله): (واِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ ءَإِذَا کُنَّا تُرَاباً ءَإنَّا لَفِى حَلْق جَدِید).

ثم یضیف إلى ذلک: (أُولئِکَ الَّذِینَ کَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِکَ الاَْغْلاَلُ فِی أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ).

الحدیث فی بدایة الآیة عن تعجّب الکفّار، ثم یَعِدُّ هذا التعجب من غرائب الاُمور، أی هل هناک عجبٌ من هذا الأمر الواضح المُعزز بِکل هذه الأدلة؟ ویصورهم فی نهایة الآیة بصورة السجناء المکبَّلین بالأغلال والسلاسل فی أعناقهم، وأی أغلال وأی سلاسل أکثر تقییداً من التعصب والجهل والهوى الذی یسلبهم کل أنواع حریة التفکّر إلى حد تصبح فیه المسألة الواضحة کل الوضوح مدعاة لَعَجبِهم، وذلک لأنّها لا توافق هواهم وتقلیدهم الأعمى.

فیجب الالتفات إلى أنّ ظاهر الآیة هو التقیید بالأغلال والسلاسل فی الوقت الحاضر لا بعد ذلک فی یوم القیامة، کما جاء فی الشعر العربی: لَهُمْ عن الرُّشدِ أغلالٌ وأقیادُ، ولکن بعض المفسرین یرى أنّ الآیة تشیر إلى حالهم یوم القیامة ویعتقد بأنّ الأغلال والسلاسل ستوضع على أعناقهم فی ذلک الیوم(3)، وذکر البعض الآخر کلا الاحتمالین(4) ولکنَّ عدداً من المفسرین یعتقد بأنّ الآیة تشیر إلى حالهم فی الدنیا، کما صرح بذلک المرحوم العلاّمة الطباطبائی فی تفسیر المیزان فإنّه قال: (وَأُولَئِکَ الاَْغلاَلُ فِی أَعْنَاقِهِمْ)إشارة إلى اللازم الثانی وهو الاخلاد إلى الأرض والرکون إلى الهوى والتقید بقیود الجهل وأغلال الجحد والإنکار(5).

ومن الواضح أنّ قیوداً وأغلالا من هذا القبیل والتی یضعُها الإنسان فی یدیه ورجلیه وعنقه سوف تظهر له یوم القیامة على صورة أغلال وسلاسل من نار، وسوف تَصُدّه عن الارتقاء إلى درجة القرب الإلهی.


1. مقاییس اللغة مادة (حبط).
2. تفسیر المیزان، ج 13، ص 50.
3. تفسیر مجمع البیان ذیل الآیة 5 من سورة الرعد; وتفسیر القرطبی، ج 5، ص 3513.
4. تفسیر الکبیر، ج 19، ص 9.
5. تفسیر المیزان، ج 11، ص 300.

 

نتیجة البحثالتأکید على المعاد
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma