8 ـ الرجوع إلى الله

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء الخامس)
النتیجة7 ـ لقاء الله

وأخیراً، ورد تعبیرٌ آخر بصورة واسعة (عشرات المرات) فی الآیات القرآنیة لوصف القیامة، وهو عبارة «الرجوع إلى الله» أو عبارة «العود إلى الله» ومشتقاتها ومن ضمنها الآیة الأخیرة من آیات بحثنا، قال تعالى: (کُلُّ نَفْس ذَائِقَةُ الْمَوتِ ثُمَّ إِلَیْنَا تُرْجَعُونَ).

التعبیر بالرجوع والعود ـ کما قلنا ـ تکرر ذکره فی الآیات فقد ورد أحیاناً: (إِلَى اللهِ مَرْجِعُکُمْ جَمِیعاً). (المائدة / 48)

وأحیاناً خاطب به النفس المطمئنة والروح المتکاملة حیث قال تعالى: (اِرْجِعى إِلَى رَبِّکِ). (الفجر / 28)

وأحیاناً لبیان قـدرة الله یقول: ( اِنَّهُ عَلَى رَجْعِـهِ لَقَادِرٌ). (الطارق / 8)

وأحیاناً یقول نقلا عن لسان المـؤمنین: ( إِنَّا للهِِ وإِنَّا إِلَیْه رَاجِعُون). (البقرة/ 156)

ویقول أحیاناً: (إِنَّ اِلَى رَبِّکَ الرُّجْعَى). (العلق / 8)

هذه التعبیرات التی لها نظائر کثیرة فی القرآن المجید تُشیر إلى أنّ القیامة والحشر فی نظر القرآن هی نوع من الرجوع، ویتّضح من مفهوم تلک الکلمة أنّ الشیء الذی یأتی من نقطة ما، یعود إلى تلک النقطة.

وهناک سؤال یطرح نفسه وهو کیف ینطبق هذا المعنى على یوم القیامة؟ وبأیّ نحو أتینا من عند الله وکیف نرجع إلیه؟!

للجواب عن هذا السؤال قدّر بعض المفسرین کلمة فی الآیة وقالوا: إنّ التقدیر هو «إلى حُکمه ترجعون» کما یقال أحیاناً: «رَجَع امرُ القوم إلى الأمیر».

ولکن هل من الصحیح أن نعتبر حذف مثل هذه الکلمة فی جمیع الآیات؟ وما هو الداعی أساساً للتقدیر والقول بالحذف؟، بل إنّ هناک سبب خاص لهذا التعبیر القرآنی حتماً والذی یجب علینا البحث عنه من خلال سعینا المتواصل، ومن أجل الحصول على جواب لهذا السؤال علینا أن نعود إلى بدایة خلق الإنسان.

خاطب تعالى الملائکة فی القرآن بقوله: (فَإِذَا سَوَّیْتُهُ وَنَفَخْتُ فِیهِ مِن رُّوحِى فَقَعُوا لَهُ سَاجِدیِنَ). (الحجر / 29)

ممّا لا شک فیه أنّه لا یُقصَد من الروح فی الآیة الروح التی انفصلت عن ذاته تعالى; وذلک لأنّه واجب الوجود وأنّه بسیط وفاقد للأجزاء الترکیبیة فی جمیع الأبعاد، بل المقصود هو نفخ روح منفصلة عن روح عظیمة، والتی هی من أشرف مخلوقات الله، (وباصطلاح الحکماء إنّ هذه الإضافة هی «إضافة تشریفیة»).

وعلى هذا فإنّ روح الإنسان الرفیعة سیقت من العالم العِلوی إلى العالم الترابی واتحدت بهذا التراب المظلم، کی ترقى إلى درجات الکمال ثم تنفصل عن التراب وتعود إلى العالم العِلوی ثانیة.

ومن الصحیح أنّ الجسم والروح کلاهما یعادان فی یوم القیامة طبقاً لمبنى المعاد الجسمانی، ولکن ینبغی الالتفات إلى أنّ الروح هناک لا تعود إلى الجسم بل الجسم هو الذی یعود إلیها فیرتقی ویتکامل! ولذلک فإنّ الجسم الاُخروی یخلو من النواقص والعاهات الجسمیة التی حلت به فی الدنیا، فتلف وفساد الأبدان والکهولة وقابلیة الفناء والألم والمرض والتعب کلها تزول فی ذلک الیوم (فتأمل).

ولتصویر مسألة حلول الروح فی البدن ومن ثم العودة إلى العالم العِلوی فقد شبه بعض العلماء روح الإنسان بالغوّاص الذی یربط فی رجله جسم ثقیل للغوص فی أعماق البحر لاستخراج الجواهر الثمینة، فإنّه عندما یصل إلى قعر البحر ویجمع الجواهر یُلقی بذلک الجسم الثقیل من أجل العود إلى سطح البحر، وهذا هو معنى «الرجوع» (فتأمل).

 

النتیجة7 ـ لقاء الله
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma