هذا التعبیر الذی ورد ذکره فی القرآن المجید مرّة واحدة تصویر أو تجسید آخر للوقائع المروّعة لذلک الیوم العظیم، فقد خاطب الکفار والمشرکین فقال تعالى: (فَکَیَفَ تَتَّقُونَ إِنْ کَفْرْتُمْ یَوْماً یَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِیباً)(1)(2). (المزّمل/17)
إنّ هذا التعبیر من أبلغ التعابیر التی تمیط اللثام عن الوقائع المرعبة لذلک الیوم کما تؤثِّر تلک الوقائع على عالم الطبیعة وعلى الجبال والصحراء وتجعلها هباء وتؤثر کذلک فی هذا الإنسان الترابی بحیث الاضطراب والخوف والانقباض إلى درجة تشیبُ الولدانُ من هولها.
وحمل بعض المفسرین هذا التعبیر على معناه الحقیقی أی أنّ آثار المشیب تظهر على الأطفال حقیقة وإن کانت الفاصلة الزمنیة بین الطفولة والمشیب کبیرة، وجاءوا لإثبات ذلک بأدلة أیضاً، فإننا فی هذه الدنیا نشاهد أفراداً یبیضُّ شعر رؤوسهم خلال عدّة أیّام أو حتى لعدّة ساعات من شدّة المصاب الذی یحلّ بهم، فإن کان بوسع أحداث هذه الدنیا أن تؤثر مثل هذا التأثیر على الإنسان فإنّ وقائع المحشر التی هی أشدّ وأصعب کثیراً ستؤثر مثل هذا التأثیر لا محالة.
ولکنَّ جمعاً من المفسرین حملوه على المعنى المجازی لأنّ مثل هذه الکنایة من الاُمور الشائعة على ألسنة العرب وغیرهم، فإنّهم من أجل بیان عظمة احدى الشدائد یقولون: «شیبنی هذا الأمر»!
وکلا التفسیرین وجیه بالنسبة لهذه الآیة، أمّا ما قیل بأنّ مشیب الأطفال یحصل من طول ذلک الیوم فهذا بعید، لأنّ هذه الآیة مثل کثیر من الآیات الاُخرى المختصة بالقیامة ناظرة إلى الوقائع المروعة لذلک الیوم، والآیات السابقة لهذه الآیة والتی تتحدث عن دَکِّ الجبال تصلح دلیلا مؤیداً لهذا القول.