2 ـ هل الروح مستقلة عن البدن؟

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء الخامس)
3 ـ أدلة المادیین على عدم استقلالیة الروح1 ـ خلود الروح

یشهد تاریخ العلم والحضارة البشریة على أنّ الروح وهیئتها وخواصّها الغریبة کانت موضع اهتمام العلماء دائماً.

وقد ساهم واحد منهم بجهوده لیکشف بُعداً من أبعاد دائرة الروح التی تعتبر لغز الالغاز وسر الخفایا ولهذا السبب کانت آراء العلماء فی مجال الروح متنوعة وکثیرة جدّاً.

ورغم أنّ أرواحنا أقرب الینا من کل شیء فی هذا العالم، إلاّ أنّه قد لا تتمکن جمیع علومنا المعاصرة ـ بل حتى علوم اللاحقین لعصرنا ـ أن تکتشف جیمع أسرار الروح، ولیس هذا من الاُمور الغریبة لأنّ جوهر الروح یختلف کثیراً عمّا أنسناه من عالم المادّة، ولاعجب فی إخفاقنا فی الاطلاع على أسرار وکنه هذا المخلوق العجیب الذی لا یخضع لقوانین المادّة.

ولکن هذا ـ على أیّة حال ـ لایمنعنا من مشاهدة ظل الروح بواسطة منظار العقل الثاقب ولا یمنعنا من التعرف على مجمل القوانین المهیمنة علیها.

وأهم ما ینبغی لنا معرفته هنا مسألة أصالة واستقلال الروح، وعلینا أن نثبت ذلک فی مقابل رأی المادیین الذین یرون أنّ الروح أمرٌ مادیّ وأنّها من افرازات خلایا المخ والخلایا العصبیة ولا شیء وراء ذلک!

ونحن نتعرض بدورنا لهذا البحث هنا ونمعن النظر فیه، لأنّ بحث «خلود الروح» و«مسألة التجرد الکامل أو التجرد البرزخی» تعتمد على هذا الأمر.

إلاّ أنّه قبل الولوج فی هذا البحث نرى من الضروری ذکر هذه الملاحظة وهی أن تعلق الروح ببدن الإنسان لیس من قبیل حلول الهواء فی المنطاد مثلا ـ کما یعتقد البعض ـ بل هو نوع من الارتباط القائم على اساس هیمنة الروح على البدن فی التصرف والتدبیر، وقد شبّه بعضهم هذه الرابطة بالعلاقة الموجودة بین «اللفظ» و«المعنى» وسوف تتضح هذه المسألة بجلاء خلال بحث مسألة استقلال الروح فلنعُد إلى صلب البحث.

ممّا لا شک فیه أنّ الإنسان یختلف عن الجمادات کالحجر والخشب، لأنّنا نشعر فی قرارة أنفسنا بأنّنا نختلف عن سائر الموجودات غیر الحیة، بل حتى عن النباتات، فنحن بإمکاننا أن نفهم شیئاً أو نتصور شیئاً أو نرید شیئاً ونمتلک إرادة ونحب ونبغض و...، أمّا بالنسبة للجمادات والنباتات فهی لا تمتلک شیئاً من هذه الأحاسیس، إذن هناک شیء أساسی نتمیز به عن هذه الموجودات، ذلک الشیء هو ما نسمّیه الروح.

لا أحد ینکر أصل وجود «الروح» و«النفس» أبداً، لا المادیون ولا غیرهم ولهذا فالجمیع یعتقد بأنّ علم النفس (السیکولوجی) وعلم التحلیل النفسی (البیسکانالیزی) من العلوم الثابتة، وهذان العلمان على الرغم من کونهما فی مرحلة النشوء وفی المراحل البدائیة إلاّ أنّهما من العلوم التی تُدرس فی الجامعات الکبیرة فی العالم ویتابع تطورهما الاساتذة والمحققون، وکما سنلاحظ فإنّ «الروح» و«النفس» هما حقیقتان غیر منفصلتین عن بعضهما بل تمثلان حقیقة واحدة لمراحل مختلفة.

وسوف نطلق اسم «النفس» فی المجالات التی تتعلق بارتباط الروح بالجسم والتـأثیرات المتبـادلة کـما نطلق اسم «الروح» عند الحدیث عن الروح المستقلة عن الجسم.

وقصارى الکلام هو عدم وجود من ینکر امتلاکنا روحاً ونفساً، فمن هنا علینا أن نحدد دائرة النزاع المحتدم بین «المادیین» و«المیتافیزیقیین».

ولتحدید دائرة النزاع نقول: إنّ العلماء الالهیین والفلاسفة المیتافیزیقیین یرون أنَّ الإنسان بالإضافة إلى امتلاکه لجسم مادی یمتلک جوهراً آخر غیر مادّی، والجسم یتلقى أوامره من ذلک الجوهر بصورة مباشرة.

وبعبارة اُخرى إنّ الروح من الحقائق المتعلقة بعالم ما وراء الطبیعة وتختلف عن عالم المادة من ناحیة وجودها ونشاطها معاً ورغم ارتباطها الدائم بعالم المادة إلاّ أنّها لیست مادة ولا تملک صفات المادة!

والرأی المقابل لهذا هو رأی المادیین حیث یقولون: إنّ کیاننا خال من وجود شیء مستقل عن المادّة یسمى بـ «الروح» أو ایّ اسم آخر وما کیاننا إلاّ هذا الجسم المادّی والآثار الفیزیائیة والکیمیائیة المختصة به فنحن لدینا جهاز نسمیه «المخ والأعصاب» وهو ینجز لنا قسماً کبیراً من أعمالنا الحیاتیة وهذا الجهاز مادّی کسائر أجهزة البدن الاُخرى ویخضع فی نشاطاته لقوانین المادة.

فالإنسان لدیه مثلا غدد تحت اللسان تسمى «الغدد اللعابیة» وهذه الغدد تمارس أفعالا فیزیائیة وکیمیائیة فی آن واحد، فعندما یدخل الطعام الفم تمارس هذه الغدد نشاطاتها بصورة ذاتیة لا إرادیة، وتضخ من الماء الکمیّة اللازمة لمضغ الطعام بصورة دقیقة، فالغذاء الجاف یحصل على ما یکفیه من الماء من هذه الغدد وکذلک الغذاء الرطب، فکل واحد منهما یحصل على ما یناسبه من کمیّة الماء لا أکثر ولا أقل!.

والأغذیة الحامضة بالخصوص تثیر هذه الغدد لفرز کمیّات أکبر من الماء إذا کان ترکیز الحموضة کبیراً فیها، وذلک من أجل خفض نسبة الحموضة کی لا تؤثر على جدار المعدة والجهاز الهضمی.

وبعد بلع الطعام تتعطل هذه الغدد عن العمل وإذا اختلّ نظام هذه الغدد لساعة من الزمان فإمّا أن یجف الفم فلا یتمکن الإنسان من بلع الطعام، أو یسیل اللعاب بصورة مستمرة من الفم!.

وهذه هی المهمّةُ «الفیزیائیة» لهذه الغدد، لکننا نعلم أنّ المهمّة الأکثر أهمیّة لهذه الغدد هی الافرازات الکیمیائیة، فاللعاب یحتوی على مواد مختلفة تتفاعل مع الغذاء لهضمه ولتسهیل عمل المعدة فی هضمه.

فالمادیون یقولون: إنّ الجهاز الهضمی والمخ یشبهان فی عملهما النشاطات الفیزیائیة والکیمیائیة للغدد اللعابیة، (التی تسمّى النشاطات (الفیزیاکیمیائیة) التی نسمیها «مظاهر الروح» أو «الروح».

فهولاء یقولون: عندما یمارس الإنسان عملیة التفکیر تشع من المخ مجموعة خاصة من الأمواج الالکترونیة، وهذه الأمواج فی عصرنا الحاضر تُسجل على شریط من الورق بواسطة أجهزة معیَّنة متوفرة فی المستشفیات وبالأخص فی المصحات المعدّة لعلاج الأمراض النفسیة، ویواکب الأطباء مطالعة هذه الأمواج المسجلة على الشریط لتشخیص الأمراض النفسیة التی یعانی منها المرضى لغرض علاجها، وهذه هی النشاطات الفیزیائیة للمخ.

وبالإضافة إلى هذه النشاطات تحدث فی خلایا المخ تفاعلات کیمیائیة عند ممارسة التفکیر أو عند حدوث الانفعالات النفسیة.

وبناءً على هذا لیست الروح والمظاهر الروحیة إلاّ تلک النشاطات الفیزیائیة أو تلک التغییرات الکیمیائیة لا غیر.

وتوصل هؤلاء من خلال هذا البحث إلى النتائج الآتیة:

1 ـ کما أنّ أفعال الغدد اللعابیة وآثارها المختلفة لا توجد قبل وجود البدن وتفنى بفنائه، فکذلک الحال فی الروح التی توجد مع وجود المخ والجهاز العصبی وتفنى بفنائهما!.

2 ـ إنّ الروح من مختصات الجسم، فهی مادّیة ولیس لها بعدٌ میتافیزیقی.

3 ـ إنّ الروح تخضع لجمیع القوانین التی تتحکم بالجسم.

4 ـ لا یمکن وجود الروح بصورة مستقله عن الجسم أو أن تستقل عنه.

 

3 ـ أدلة المادیین على عدم استقلالیة الروح1 ـ خلود الروح
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma