2 ـ شبهة الآکل والمأکول

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء الخامس)
الجواب النهائی لشبهة الآکل والمأکول1 ـ استحالة «اعادة المعدوم»

إنّ شبهة «الاکل والمأکول» هی مسألة اُخرى من المسائل التی طرحت على طاولة البحث وهی فی الحقیقة من أکثر معضلات مباحث المعاد الجسمانی من ناحیة التعقید.

و توضیح ذلک: یتفق فی بعض الأحیان أن تحل بعض أجزاء بدنِ أحد الناس فی بدن شخص آخر، إمّا بصورة مباشرة کما یحصل ذلک عند حصول المجاعات حیث یتغذى بعض الناس على لحوم البشر، وإمّا بصورة غیر مباشرة کما لو تحللت اجزاء الإنسان وتحولت إلى تراب فتتغذى النباتات من ذلک الجسم فیأتی إنسان آخر ویتغذى من تلک النباتات (کالخضر والحبوب والفواکه)، أو أن یتغذى أحد الحیوانات على تلک النباتات فیأکل الإنسان الآخر لحم تلک الحیوانات، کما أنّه من الممکن أن تتحلل بعض أجزاء جسم الإنسان وتتحوّل إلى بخار وغازات فیستنشقها إنسان آخر فتحلُّ فی جسمه.

ومن الممکن أیضاً أن تحل جمیع أجزاء بدنِ الإنسان فی بدن إنسان آخر بالتدریج.

من هنا یُطرح هذا السؤال وهو: بأیِّ جسم تختص هذه الأجزاء عندما تعود الروح إلى البدن؟ فإن کانت مختصة بالجسم الأول فالأجسام الاُخرى تکون حینئذ ناقصة وإذا مااختصت بالأجسام الاُخرى فسوف لن یبقى للجسم الأول شیء، وبالإضافة إلى هذا من المحتمل، أن یکون أحد الشخصین صالحاً والآخر مذنباً فما مصیر هذه الأجزاء فی هذه الحالة؟

کما یستفاد أیضاً من سبب نزول الآیة 26 من سورة البقرة فی قصة إبراهیم(علیه السلام) والطیور الأربعة أنّ سؤال إبراهیم(علیه السلام) کان منحصراً فی مجال المعاد الجسمانی وشبهة الآکل والمأکول، وذلک لأنّ الحیوان المیت الذی شاهده إبراهیم(علیه السلام)على ساحل البحر کان قسم منه فی ماء البحر وکانت تتغذى علیه حیوانات البحر وکان القسم الآخر على الیابسة وکانت تأکُلُ منه الحیوانات البریة، وهذا المشهد هو الذی جعل إبراهیم(علیه السلام)یغرق فی التفکیر ثم عرض طلبه على الله لمشاهدة کیفیة إعادة الحیاة للموتى.

الجواب:

قد اُجیب عن هذا الإشکال القدیم بأجوبة مختلفة، وأشهر هذه الأجوبة هو التمسک بعدم فناء «الأجزاء الأصلیة».

قال أنصار هذه النظریة: إنّ جسم الإنسان مرکب من أجزاء أصلیة وغیر أصلیة، فالأجزاءُ الأصلیة هی التی لا تعرض علیها الزیادة ولا النقصان، وغیر الأصلیة ما تعرض علیها الزیادة والنقصان باستمرار.

فالأجزاء الأصلیة تحافظ على بقائها بعد موت الإنسان وإذا ما تحولت إلى تراب فإنّ ذلک التراب لن یحل فی جسم موجود آخر، وفی یوم القیامة تنمو هذه الأجزاء فیتکون منها جسم الإنسان ثم تحلّ فیها الروح.

وقد دعموا هذه النظریة بذکر عدّة روایات والتی منها: ما رواه مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى عن الإمام الصادق حیث سئل(علیه السلام) عن المیت یبلى جسده، قال: «نعم حتى لا یبقى لحم ولا عظم إلاّ طینته التی خلق منها فانّها لا تبلى، تبقى فی القبر مستدیرة حتى یخلق منها کما خلق أول مرّة»(1).

وجاء فی روایة اُخرى مرسلة عن الإمام الصادق(علیه السلام) أیضاً فی قصة ذبح بقرة بنی اسرائیل أنّه قال: «فأخذوا قطعةً وهی عَجْبُ الذنوب الذی منهُ خلِقَ ابنُ آدم، وعلیه یُرکبُ إذا اُریدَ خلقاً جدیداً فَضربوه بها»(2).

الجدیر بالذکر أنّ الروایة الثانیة ضعیفة السند لأنّها مرسلة، أمّا الروایة الاُولى فهی ضعیفة أیضاً لحصول الاختلاف بین علماء الرجال فی «عمرو بن سعید» بالإضافة إلى أنّ هذه الروایات مخالفة لظاهر القرآن ـ کما سیأتی شرحه ـ ، لذا فلا یمکن التعویل علیها.

ومهما یکن من شیء فإنّ العلوم التجریبیة الحدیثة أبطلت هذا الرأی من الأساس فهی لا ترى أی فرق بین أجزاء الجسم وترى أنّ جمیع أجزاء جسم الإنسان تتحول إلى تراب ومن الممکن أن تحلّ جمیعها فی أجسام أفراد آخرین.

وقد أثبتت التجارب خلاف ما یعتقده أنصار نظریة الأجزاء الأصلیة من أنّ الحلقة الأخیرة من العمود الفقری التی تسمى «عجبُ الذنب» هی الجزء الأصلی من أجزاء البدن وأنّها لا تفنى بمرور الزمان وکثیراً ما شاهدنا تبدّل جمیع أجزاء البدن إلى رماد عند نشوب الحرائق کما أننا لم نشاهد أىّ فرق بین أجزاء الرماد المتخلف منها أیضاً.

وحتى لو تجاوزنا ذلک فإنّ النظریة المذکورة لا توافق ظاهر القرآن، لأنّ القرآن عندما أجاب عن إشکال الأعرابی الذی کان یحمل بیده عظماً رمیماً قال: (قَالَ مَنْ یُحْىِ الْعِظَامَ وَهِىَ رَمِیمٌ * قُلْ یُحْیِیهَا الَّذِى اَنْشأَهَا اَوَّلَ مَرَّة وَهُوَ بِکُلِّ خَلْق عَلِیمٌ). (یس/78 ـ 79)

فإنّه من المستبعد جدّاً أنّ الأعرابی کان یحمل الحلقة الأخیرة من العمود الفقری عندما سأل عن ذلک.

کما یستفاد أیضاً من ظاهر قصة إبراهیم(علیه السلام) مع الطیور الأربعة أنّ الأجزاء المتفرّقة تعود جمیعها إلى ما کانت علیه سابقاً.

وعلى أیّة حال لا یمکن الاعتماد على جواب هذه النظریة نظراً لما توصل إلیه العلم الحدیث، ونظراً للاستناد إلى آیات القرآن الواردة فی هذا المجال، کما أنّه لا یمکن الاعتماد على خبر الواحد لإثبات هذه النظریة.

وقد سلک آخرون للردّ على «شبهة الآکل والمأکول» طریقاً آخرَ فقالوا: لیس من الضروری أن تعاد نفس الأجزاء السابقة لجسم الإنسان، لأنّ شخصیة الإنسان تکمن فی الروح، وإذا ما حلّت الروح فی جسم ما فسوف یکون ذلک المرکب عین الإنسان السابق، على هذا سوف لن یمس وحدة شخصیة الإنسان أیّ ضرر بسبب التحولات التی طرأت على الجسم بسبب طول المدّة وتبدّل الأجزاء بأجزاء اُخرى.

بناءً على هذا فلا یوجد هناک مانع من أن یخلق الله جسماً آخر لتحل فیه الروح، فتتنعم الروح بواسطة هذا الجسم بنعم الجنّة أو تتعذب بواسطته بعقوبات النار، فنحن نعلم بـأنّ اللذة والألم یتعـلقان بالروح وما الجسم إلاّ واسطة لا أکثر!

لکنّ هذا الجواب غیر صحیح أیضاً، لمعارضته ظاهر کثیر من الآیات القرآنیة، وقد مرّ علینا فی البحوث السابقة تصریح القرآن بأنّ عین تلک العظام المتفسخة تخرج یوم القیامة من عین تلک القبور التی دُفِنت فیها، لا أنّ الله یخلق جسماً آخر لتحلّ فیه الروح. بناءً على هذا فالجواب المذکور یفتقد القیمة العلمیة أیضاً.


1. بحار الأنوار، ج 7 ، ص 43، ح 21.
2. المصدر السابق، ح 19.

 

الجواب النهائی لشبهة الآکل والمأکول1 ـ استحالة «اعادة المعدوم»
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma