الاعتقاد بالمعاد خلال العصور المختلفة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء الخامس)
ثمرة البحثتمهید

الآیات المذکورة أعلاه یرتبط کل منها بأحد العصور.

فالآیة الاُولى تشیر إلى قصة «ابلیس» بعد طرده من الجنّة، فبدلا من التوبة إلى الله من فعله الشنیع تمادى فی العناد بسبب وقوعه فی شراک الغرور والأنانیة، وکان هذا طلبه من الله تعالى: (قَالَ اَنْظِرْنى اِلَى یَومِ یُبْعثُونَ).

وطلبه هذا لم یکن من أجل التوبة أو أن یعمل صالحاً، بل من أجل أن یکمن لآدم وذریّته لیصدهم عن الصراط القویم لکی یطفئ نار غضبه الجهنمیة وحسده.

ویتّضح من خلال هذه الآیة أنّ مسأله القیامة کانت موضع الاهتمام منذ البدایة، فالشیطان کان یعلم علم الیقین بحتمیة وقوع مثل هذا الیوم.

أمّا طلب الشیطان فإنّه لم یتلق الجواب بالصورة التی أرادها، قال تعالى: (فَإِنَّکَ مِنَ المُنْظَرِینَ * اِلَى یَوْمِ الْوَقْتِ المَعْلُومِ). (الحجر / 37 ـ 38)

وفسّر البعض هذا الیوم بالیوم الذی تنتهی فیه الحیاة الدنیا والذی یرفع فیه التکلیف، وفسره آخرون بالیوم الذی یظهر فیه المهدی الموعود (عج).

وهناک احتمال أیضاً جاء فی کلمات بعض المفسرین وهو أنّ المراد من الیوم المعلوم یوم القیامة، لکن هذا الاحتمال بعید جدّاً، وذلک لأنّه لا یوافق ظاهر آیات القرآن ولاینسجم مع الروایات الواردة فی تفسیر هذه الآیة(1).

وقد طرحت عدّة أسئلة فی هذا المجال وبالصورة التالیة:

1 ـ لماذا أمهل اللهُ إبلیس لینفذ خطته المشؤومة لإغواء الناس؟!

الجواب: إنّ إمهال إبلیس کأصل وجوده وهو زاویة من زوایا الامتحانات الإلهیّة التی أعدّها للبشر، ففی ظل تلک الامتحانات یصل أولیاء الله إلى الکمال ویفترق عنهم اُولئک الذین لم یخلص إیمانهم.

2 ـ ألا یعنی إعطاء الوعد لإبلیس باستمرار الحیاة حتى انتهاء العالم یشجعه على الاستمرار فی ارتکاب أعماله وعدم الکف عنها إلاّ عندما یشعر بانتهاء عمره فیتوب إلى الله تعالى؟

الجواب: إنّ الطریق الذی سلکه إبلیس لا یسمح له بالعودة، وتحت تأثیر حالة الطغیان الشدیدة تصبح هذه الصفه من طبائعه الثانویة، ولایمکن العودة فی مثل هذه الحالة.

3 ـ لماذا یطلب الشیطان البقاء إلى یوم القیامة مع أنّ أهدافه تتحقق ببقائه إلى الفترة التی تنتهی بها حیاة البشر؟

الجواب: جاء فی تفسیر المیزان: إنّ إبلیس کان یتمنى أن یستمر بإغوائه للبشر فی عالم البرزخ أیضاً، أی المدّة الفاصلة بین انتهاء الدنیا وقیام یوم القیامة(2)!.

4 ـ کیف یتوقع إبلیس أن تستجاب دعوته مع أنّه یعلم بأنّه طرد من ساحة الرحمة الإلهیّة؟

الجواب: قال المرحوم الطبرسی فی مجمع البیان: «إنّ ابلیس کان متیقناً بأنّ فضل الله وکرمه یتسع لشمول المذنبین والمطرودین أیضاً»(3).

وجاء فی احدى الروایات أیضاً إنّ استجابة دعاء إبلیس کانت بإزاء العبادات التی أدّاها قبل ذلک.

وفی الآیة الثانیة التی تتعلق بقصة هبوط آدم(علیه السلام) وزوجه حواء من الجنّة إلى الأرض وطرد إبلیس من مقام القرب الإلهی، قال تعالى: (قَالَ فِیهَا تَحْیَوْنَ وَفِیهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ).

وهذه التعبیرات تشیر إلى أنّ المقصود من الاخراج لا یختص بحشر البشر فحسب، بل یشمل حشر الجن أیضاً والذین کان الشیطان من زمرتهم، وتدلّ على أنّ هذا الأمر کان یعتبر من الاُمور البدیهیة منذ الیوم الأول، أمّا ما احتمله البعض فی تفاسیرهم أنّ المخاطب فی هذه الآیة هم آدم وحواء(علیهما السلام) وذرّیتهما فحسب فلا یؤیده دلیل واضح.

ویدل هذا التعبیر بوضوح على أنّ الأرض هی مبدأ حیاة الإنسان ومحل موته ومحل بعثه معاً(4).

وتحدثت الآیة الثالثة عن ابناء آدم «هابیل» و«قابیل» عندما تقبّل الله قربان هابیل بسبب إخلاصه ولم یتقبّل قربان قابیل لعدم اخلاصه فیه، فتأججت نار الحسد فی قلب قابیل وهدد أخاه بالقتل، فقال هابیل إن قصدت قتلی فإننی لن أفعل ذلک لأننی أخاف الله، ثم أضاف: (اِنَّى اُرِیدُ اَنْ تَبُوأَ بِاثِْمى وَاِثْمِکَ فَتَکُونَ مِنْ اَصْحَابِ النَّارِ).

وهذا یدل على أنّ مسألة المعاد کانت من الاُمور البدیهیة لدى أولاد آدم منذ ذلک الزمان، لذا هدد هابیل أخاه قابیل بعذاب الله فی الدار الآخرة.

و«بَوَأَ، تبوءَ» من مادة «بواء»، قال الراغب فی المفردات: هی فی الأصل بمعنى السطح الصقیل، وتقابلها «نبوة» التی بمعنى السطح غیر الصقیل، لذا عندما یقال بوّأتُ مکاناً فهذا یعنی ساویت له سطح المکان.

وتأتی هذه الکلمة أحیاناً بمعنى الإقامة وملازمة المکان أیضاً، لأنّ الإنسان إذا ما أراد أن یقیم فی مکان ما فإنّه ینظم سطحه ویساویه، وقد فسروا هذه الآیة بهذا المعنى أیضاً.

لکن صاحب «المصباح المنیر» فسّرها بمعنى الاعتراف وحمل العبء الکبیر، أمّا صاحب المقاییس فقد ذکر لها معنیین هما: عودة الشیئین، وتساوی الشیئین.

وقال صاحب کتاب «التحقیق»، إنّ الأصل فیها هو (السفول) والانحطاط، وعدّ جمیع المعانی الاُخرى من المجاز واعتبرها من لوازم المعنى الحقیقی، وطبقاً لهذا المعنى یصبح مفهوم الآیة المعنیة بالبحث: إنّی اُرید أن تسقط من ساحة الرحمة الإلهیّة بإثمک وإثمی.

وتتبع موارد استعمال هذه الکلمة فی القرآن المجید والمصادر الاُخرى یؤید ماذکره صاحب المقاییس من أنّ هذه الکلمة لها مفهومان وکلا المفهومین ینطبقان على الآیة المعنیة، فطبقاً للمعنى الأول تصبح الآیة بهذا المعنى: «إنّی ارید أن تعود (إلى الله) وأنت تحمل إثمک وإثمی»، وطبقاً للمعنى الثانی تصبح بهذا المعنى: «إنّک تعدّ مکاناً لنفسک بارتکابک هذا الإثم وحملک إثمی».

وهنا یطرح هذا السؤال المهم: ما هو المراد من ذنب هابیل الذی قُتِلَ على ید أخیه حتى یثقل کاهل أخیه؟ وکیف یمکن قبول هذا الحدیث أساساً مع أنّ الآیة تقول: (اَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ اُخْرَى). (النجم / 38)

سلک مشاهیر المفسرین عدّة طرق تحتاج أغلبها إلى التقدیر فی الآیة وقالوا: إنّ المراد من إثمی هو إثم قتلی.

لکن المناسب عدم التقدیر، والمراد فی الآیة هو: إنّک إن عملت بتهدیدک هذا وقتلتنی فإنّک سوف تحمل ثقل جمیع ما ارتکبته أنا من إثم، وذلک لأنّک یجب أن تدفع غرامة قتلی یوم القیامة وبما أنّک لم تعمل صالحاً فی الدنیا فعلیک أن تحمل عبءَ ذنوبی غرامة فعلک!

وقد روی عن الإمام الباقر(علیه السلام) فی تفسیر هذه الآیة ما یؤید هذا المعنى، قال(علیه السلام): «من قتل مؤمناً متعمداً أثبت الله على قاتله جمیع الذنوب وبرئ المقتول منها، وذلک قول الله عزوجل: (اِنِّى اُرِیدُ أَنْ تَبُوأَ بِإثْمى وَإِثمِکَ فَتَکُونَ مِنْ اَصْحَابِ النَّارِ)»(5).

وروی عن النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)ما یعزز هذا المعنى (وإن لم تکن الروایة واردة فی تفسیر هذه الآیة)، قال(صلى الله علیه وآله): «یؤتى یوم القیامة بالظالم والمظلوم فیؤخذ من حساب الظالم فتراهُ فی حسنات المظلوم، حتى یُنتصف، فإن لم تکن له حسنات اُخذ من سیئات المظلوم فتطرح علیه»(6).

والآیة الرابعة تشیر إلى عصر نوح(علیه السلام)، فقد نقل القرآن دعوته على لسان الکافرین والجاحدین، قال تعالى: (اَیَعِدُکُمْ اَنَّکُمْ اِذَا مِتُّمْ وَکُنْتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً اَنَّکُمْ مُّخْرَجُونَ).

ویدل هذا التعبیر بوضوح على أنّ نوح(علیه السلام) قد طرح على هؤلاء مسألة المعاد وبالأخص المعاد الجسمانی ـ وقد ملأت دعوته آذان جمیع المخالفین، وبسبب انحطاطهم الفکری بهتوا لماجاءهم وقالوا محدثین بعضهم البعض: (هَیهَاتَ هَیهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ).

ویستفاد بوضوح من الآیات الواردة فی سورة نوح أیضاً أنّ نوح(علیه السلام) حاول رفع الشبهات والخوف وعدم الاطمئنان الذی جثم على أذهانهم بسبب طرح مسألة المعاد فعمد إلى تشبیه حیاة البشر بحیاة النباتات لیوضح لهم الأمر، قال تعالى عن لسـان نـوح: (وَاللهُ اَنبَتَکُمْ مِنَ الاَْرْضِ نَبَاتاً * ثُمَّ یُعیدُکُـمْ فِیهـَا وَیُخْرِجُکُمْ اِخْرَاجاً). (نوح / 17 ـ 18)

ویتّضح ممّا تقدم أنّ المعاد کان معروفاً لدى قوم نوح (علیه السلام) بالاسلوب المشابه لاُسلوب نبی الإسلام(صلى الله علیه وآله) الذی استخـدمه مع مشرکی مـکة أیضاً، ونـوح(صلى الله علیه وآله) کان أول الأنبیاء من اُولى العزم وکان صاحب شریعة.

وتحدثت الآیة الخامسة عن «إبراهیم(علیه السلام)» وإیمانه بمسألة المعاد، فقد بینت هذه الآیة جانباً من ادعیة إبراهیم(علیه السلام) عندما عاش الآلام بسب المعارضة الشدیدة التی تلقّاها من کفّار عصره، قال تعالى عن لسان إبراهیم(علیه السلام): (وَلاَ تُخْزِنِى یَوْمَ یُبْعَثُونَ * یَوْمَ لاَ یَنْفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ).

وقال فی الآیة التی سبقت هذه الآیة بآیتین: (وَاجْعَلْنِى مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعیمِ).

فالادعیة المذکورة أعلاه تشیر بوضوح إلى أنّ إبراهیم(علیه السلام) یخاف الخزی یوم القیامة مع مالدیه من مقام عظیم لأنّه کان من أعظم الأنبیاء من اُولی العزم.

ومن الممکن أن یعتبر البعض هذا التعبیر عن أنّه رشاد للاخرین وتعلیم لغیر المعصومین، وذلک لأنّ المعصوم لا یخزى یوم القیامة، لکن البعض لهم تعبیر لطیف فی هذا المجال وهو أنّهم قالوا: «حسنات الابرار سیئات المقربین» فالأعمال الصالحة العادیة لا تلائم مقام الأنبیاء والمعصومین، وکذلک الحال بالنسبة للمقربین فإنّهم إن حشروا یوم القیامة مع «الابرار» وهو مقام أدنى من مقام المقربین فهو خزى بالنسبة لهم، وذلک لأنّه یتوقع من کل شخص عمل یتناسب معه، کما أنّ لکل شخص مقامه المناسب!.

وتحدثت الآیة السادسة عن عقیدة «الیهود والنصارى» فی المعاد، قال تعالى: (وَقَالُوا لَنْ یَدْخُلَ الجَنَّةَ اِلاَّ مَنْ کَانَ هُوداً أَو نَصَارى).

أجل إنّهم کانوا یعتقدون بأنّهم أرقى الأمم وأنّ الجنّة خصصت لهم ولم یعبهوا بغیرهم حتى لوکانوا مؤمنین.

فأجابهم القرآن اولا فقال: (تِلکَ أَمَانِیُّهُمْ) أی آمال بعیدة عن الواقع ولن تتحقق أبداً.

ثـم وجّه الخطاب إلى النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) فقال: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَکُمْ اِنْ کُنْتُمْ صَادِقینَ).(البقرة / 111)

أی أعطونى دلیلاً عقلیاً یدعم هذا التخصیص وبأی دلیـل خصص اللطف الإلهی بکم وحرم الآخرین منه؟ فهل من الممکن أساساً أن یتسق هذا التمییز مع العدالة الإلهیّة وأن یحرم المؤمنون المحسنون کما تزعمون؟

إن کانوا یدّعون بأنّ دینهم لن یمسخ إلى الأبد فلماذا حکموا على الاُمم السابقة التی کانت تتبع أنبیاء السلف ویعملون بتکالیفهم بهذا الحکم؟ إنّ کل هذا یدل على أنّ هؤلاء فی تخصیصهم الجنّة بهم لم یتبعوا إلاّ أوهامهم النابعة من أنانیتهم.

والجدیر بالذکر إنّ «أمانی» جمع «اُمنیة» وهی بمعنى الأمل (وقد صرح عدد من المفسرین بأنّ الأمانی بمعنى الآمال التی یستحیل تحققها).

بناءً على هذا فـ«أمانی» بمعنى الآمال وتحمل معنى الجمع، بینما لا یشکل تخصص الجنّة إلاّ «أمل واحد». وللاجابة على ذلک قال بعض المفسرین: إنّ الأمل الواحد هذا تتبعه آمال اُخرى أیضاً وهی الخلاص من العذاب الإلهی وخوف المحشر وعُسر الحساب ومسائل اُخرى من هذا القبیل.

وقال آخرون: إنّ الأمل کلما کبُر یصبح بحکم «الآمال»، وهذا تعبیر لطیف یشیر إلى مدى بعد هؤلاء عن الواقع!.

وهناک احتمال آخر أیضاً وهو إنّ السبب فی عدّها آمالاً هو وجود هذا الأمل فی قلب کل واحد منهم، أو أن یکون الواحد منهم تمنى ذلک کثیراً، لذا جیء بصیغة الجمع للدلالة على أنّ هذا التوهم لا ینحصر بفرد معیّن منهم أو بمرحلة معینة، بل هو أمرٌ له طابع العموم والدوام.

ومهما یکن من شیء فإنّ هذه الآیة تدل بوضوح على وجود الاعتقاد بالمعاد لدى الیهود والنصارى.

وفی الآیة السابعة نلاحظ تعرّض «المسیح»(علیه السلام) لذکر المعاد عندما تکلم فی المهد بإذن الله تعالى، فقال فی بعض کلامه: (وَالسَّلاَمُ عَلَىَّ یَوْمَ وُلِدْتُّ وَیَوْمَ أَمُوتُ وَیَوْمَ اُبْعَثُ حَیّاً).

والسبب فی اختیار هذه الأیّام الثلاثة (یوم الولادة ویوم الموت ویوم البعث) هو خطورتها ودورها المهم فی تقریر المصیر، وبتعبیر آخر أنّ کل یوم من هذه الأیّام الثلاثة یشکل بدایة لفصل جدید فی مسار الإنسان وتعتبر السلامة امرٌ مهم فیها ولا تتیسر إلاّ بلطف من الله، فطلب المسیح(علیه السلام) أن یمن الله بلطفه علیه فی هذه الأیّام الثلاثة.

بالإضافة إلى ذلک فقد وجّه نداءه بنفی الوهیته ومذ کان فی المهد وصرّح بأنّه کسائِر عباد الله بعثه الله للناس جمیعاً.

وجاء فی الآیة 15 من نفس هذه السورة ذِکر هذا الموضوع عند الحدیث عن النبی یحیى(علیه السلام)، لکن الفرق بینهما هو کون الخطاب هنا صدر عن المسیح(علیه السلام)والخطاب هناک عن الله تعالى.

جاء فی الحدیث عن الإمام علی بن موسى الرض(علیه السلام): «إنّ أوحش ما یکون هذا الخلق فی ثلاثة مواطن: یوم ولد من بطن اُمه فیرى الدنیا ویوم یموت فیعاین الآخرة وأهلها ویوم یبعث حیاً فیرى أحکاماً لم یرها فی دار الدنیا».

ثم تعرّض الإمام لذکر الآیات المتعلقة بالنبی یحیى والمسیح(علیهما السلام) الواردة فی هذا المجال(7).

وعلى أیّة حال فقد أشارت الآیة المذکورة بوضوح إلى أنّ مسألة المعاد کانت من الاُمور البدیهیة لدى الأقوام السالفة ممّا جعل المسیح یتحدّث عنها وهو فی المهد.

إلى هنا تحدثنا بصورة موجزة عن موضوع المعاد فی شریعة أربعة أنبیاء من «اُولی العزم»، وإذا ما أضفنا الآیات الکثیرة الواردة فی موضوع المعاد فی شریعة نبی الإسلام(صلى الله علیه وآله)فسوف یختتم الحدیث عن المعاد فی خمس شرائع.

کما لاحظنا هذا الموضوع أیضاً لدى الأنبیاء «غیر أولى العزم» فی الأحداث التی مرت على آدم(علیه السلام) وماتعلق بها مثل قصة أولاد آدم وقصة إبلیس.

ولا بأس هنا من الاطلاع على هذا الموضوع من خلال ما جاء على لسان سائر الأنبیاء(علیهم السلام):

عندما بُعث شعیب(علیه السلام) الذی کان یعیش فی فترة حیاة موسى(علیه السلام) إلى مدینة (مدین) (مدینة تقع جنوب غرب الاردن اسمها الحالی (معان) وتقع شرق خلیج العقبة) قال لقومه: (فَقَالَ یَ قَومِ اعْبُدُو اللهَ وَارْجُو الْیَوْمَ الاْخِرَ وَلاَتَعْثَو فِی الاْرَْضِ مُفسِدِینَ).(العنکبوت/36)

لقد أکّد شعیب(علیه السلام) فی بدایة دعوته على مبدأین أساسیین تعتمد علیهما جمیع الأدیان هما «المبدأ» و«المعاد» ودعا الناس للإیمان بهما.

والمراد من رجاء الیوم الآخر هو رجاء نیل الثواب الإلهی فی ذلک الیوم، أو أن یکون معنى الرجاء هنا بمعنى الإیمان والاعتقاد بذلک الیوم.

والآیة التاسعة تتحدث عن حوار «یوسف(علیه السلام)» مع صاحبیه فی السجن، قال تعالى عن لسان یوسف: (...اِنِّى تَرَکْتُ مِلَّةَ قَوم لاَیُؤمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالآخرَةِ هُمْ کَافِرُونَ).

والسبب فی استعماله لهذا التعبیر هو أنّ مشرکی ذلک الزمان عبدة الأصنام کانوا یعتقدون بالله إلاّ أنّهم کانوا یعتقدون بأنّ المعاد والجزاء یحصلان بواسطة التناسخ، فهؤلاء کانوا یعتقدون بأنّ روح الإنسان بعد الموت تحل فی جسم إنسان آخر فی هذه الدنیا وتتلقى ثوابها وعقابها خلال الحیاة الجدیدة، لکنّ دین التوحید یرفض عقیدة التناسخ وعودة الأرواح فی هذه الدنیا کما أنّه یرفض عقیدة الشرک أیضاً، لذا عدّهم یوسف مشرکین وجاحدین للمعاد(8).

و «الملّة»: فی الأصل بمعنى (الدین) والفرق بین الملّة والدین هو أنّ الدین یضاف إلى الله وإلى الأشخاص معاً، فیقال دین الله أو دین محمد(صلى الله علیه وآله) بینما تضاف الملّة عادة إلى الأنبیاء (أو إلى الأقوام الذین بُعث فیهم النبیون أو مدّعو النبوة) فیقال ملّة إبراهیم وأمثال ذلک(9) ولا یقال «ملّة الله».

والمراد من القوم الذین ذکرهم یوسف(علیه السلام) هم عزیز مصر وزوجته زلیخا وتابعوهم وهم شعب مصر بصورة عامّة، فهؤلاء لم یکن لدیهم اعتقاد صائب لا بالمبدأ ولا بالمعاد.

وعلى أیّة حال فإن دلّ هذا على شیء فإنّه یدل على أنّ المعاد کان یشکل أحد الرکنین الأساسیین فی دین یوسف(علیه السلام) أیضاً، وقد أشار إلى هذین الرکنین معاً فی السجن عند محاورته للسجناء.

ومن الجدیر بالذکر أنّ یوسف(علیه السلام) قال بعد هذا الحدیث: (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِى اِبْرَاهِیمَ وَإِسْحَاقَ وَیَعْقُوبَ)، وهذا یدلّ على أنّ المبدأ والمعاد کانا رکنین ثابتین فی جمیع الادیان الإلهیّة السابقة.

وتحدثت الآیة العاشرة والأخیرة من آیات بحثنا عن خطاب «مشرکی مکة» عند معارضتهم دعوة النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) حین دعاهم للإیمان بالمعاد، فبعد اظهارهم التعجب من عودة الإنسان إلى الحیاة بعد تحوله إلى تراب قالوا: (لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ اِنْ هَذَا اِلاَّ اَسَاطِیْرُ الاَْوَّلینَ).

ویشیر هذا التعبیر بوضوح إلى أنّ الدعوة إلى الإیمان بالمعاد کانت حاصلة من قبل الإنسان منذ القدم إلى الحد الذی عدّها المشرکون من (أساطیر الأولین)!.

و«اساطیر»: جمع «اسطار». واسطار جمع «سطر» بمعنى الصف من الأشجار أو الکلمات وغیرها، فـ«أساطیر» جمع الجمع وتستعمل بمعنى الروایات المنقولة عن الأقوام السالفة، وبما أنّ روایات السالفین کانت تضج بالخرافات فقد استعملوا هذا التعبیر عادةً فی مجال «الخرافات».

وقال البعض: إنّ «أساطیر» جمع «اسطورة» و«اسطارة» و«اسطیر» ووجود الزیادة على المصدر الثلاثی دلیلٌ على الإضافة فی المعنى، فیکون المعنى الأصلی هو السطر الطبیعی والمعنى الاضافی هو الأسطر المزیّفة والکاذبة(10).


1. تفسیر نور الثقلین، ج 3، ص 13.
2. تفسیر المیزان، ج 8، ص 28.
3. تفسیر مجمع البیان، ج 4، ص 403.
4. جاء شبیه هذا المعنى فی مسألة هبوط آدم والإشارة إلى مسألة الحشر فی سورة طه، الآیة 123 و 124.
5. تفسیر نور الثقلین، ج 1، ص 613، ح 133.
6. تفسیر القرطبی، ج 3، ص 2134.
7. تفسیر نور الثقلین، ج 3، ص 335، ح 75.
8. تفسیر المیزان ج 11، ص 189.
9. مفردات الراغب، مادة (ملّة).
10. التحقیق فی کلمات القرآن الکریم.

 

ثمرة البحثتمهید
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma