إنّ ممّا لا شک فیه هو أنّ النصارى والیهود کانوا یؤمنون بعالم ما بعد الموت، وقد اُشیر إلى هذه المسألة کثیراً فی کتب «العهد الجدید» والأناجیل الکثیرة، بالرغم من قلّة الإشارة إلیها فی کتب «العهد القدیم» أی کتب الیهود.
ومن «المحتمل» أن یکون السبب فی وجود هذا الفرق، هو حب الیهود المفرط للحیاة المادیّة، والذی أشار إلیه تاریخهم بوضوح ممّا یجعل الاعتقاد بالمعاد یزاحم برامجهم، لذلک عندما کانوا یحرفون کتبهم المأثورة کانوا یثبتون کلّ ما شاهدوه یتحدّث عن الاُمور المادّیة فی الحیاة بنحو أفضل وأبرز ممّا ذکر، لکنهم کانوا یحذفون کلّ ما کانوا یواجهونه من حدیث حول القیامة وعقوبة عبدة الدنیا والظلمة!
وقد وصفهم القرآن المجید بهذا الوصف أیضاً، قال تعـالى: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَیَاة وَمِنَ الَّذِینَ أَشْرَکُوا یَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ یُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَة). (البقرة/96)
ولکن بالرغم من جمیع هذه الاحتمالات التی نشاهدها فی کتب العهد القدیم بالنسبة لمسألة المعاد، فإننا نواجه عبارات واضحة الدلالة على الاعتقاد بمثل هذا العالم والتی منها:
1 ـ جاء فی کتاب «النبی أشعیا»: «سوف تحیا أمواتک وسوف تبعث أجسادی»(2).
2 ـ وجاء فی الکتاب الأول لـ«صومائیل» مایلی: «إنّ الله یمیتُ ویحیی ویُدخِلُ القبور ویبعث»(3).
3 ـ وجاء فی سفر المزامیر لـ«داود»: «بما أننی أسیر تحت ظل الموت دائماً فإنی سوف لن أخاف السوء، لأنّک معی، وسوف تتبعنی الرحمة والاحسان فی کل لحظات عمری، وسوف أسکن بیت الله إلى الأبد(4).
بهذا أشار کل من الأنبیاء «صاموئیل» و«اشعیا» و«داود» إلى القیامة بإشارات بارزة، بالرغم من أنّ هذه الأحادیث وأمثالها لم یتلقّها الیهود بقناعة، ومن المحتمل أن یکون هذا هو السبب فی حذفهم لعبارات کثیرة اُخرى فی هذا المجال.
قال بعض المؤرخین فی معرض ذکره لنبذة من عقائد الیهود: «إنّ هؤلاء کانوا یعتقدون بأنّ الأموات سوف یبعثون أخیراً (وتحل فیهم الروح من جدید) ... فیأتی المنقذ على الفور، وبعد انتصاره یجتمع المحسنون جمیعاً ویلتحق بهم (حتى) من کان فی القبور فیحشرون فی الجنّة التی هی مقرّه الأبدی»(5).
وقد أشار هذا الکاتب فی محل آخر إلى العقیدة الزرادشتیة فقال: «سوف یبعث الأموات; وتحل الروح فی أجسادهم، ویعود التنفس إلى صدورهم فیتخلّص العالم المادی من الکهولة والموت والتفسخ والانقراض، ویبقى على هذه الحالة إلى الأبد».