8 و 9 ـ مقدمات الموت وسکراته

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء الخامس)
10 ـ تمنّى العودة والإصلاح7 ـ الغایة من الموت والحیاة

یستفاد من مضامین آیات القرآن أَنّ الموت تصاحبُهُ شدائد ومخاوف محیّرة، لذا قال تعالى فی الآیة الثامنة من آیات البحث: (وَجَاءَتْ سَکْرَةُ المَوْتِ بِالحَقِّ)فیقال للإنسان فی هذه الاثناء: (ذلِکَ مَا کُنْتَ مِنْهُ تَحِیدُ).

وکلمة «سَکْرَة» مأخوذة من مادة «سُکر» وهی ـ على حدّ قول اللغویین ـ حالة تَحُولُ بین الإنسان وعقله، وغالباً ما تستخدم فی موارد شرب الخمر، وقد استخدمت تارةً فی الحالات الناجمة عن شدّة الغضب أو الحالات الناجمة عن شدّة الحبّ الملتهب.

ولکن جاء فی «مقاییس اللغة» إنّ الأصل فی هذه المادة بمعنى «الحیرة». کما فسّرها آخرون بـ«الشدّة»، والظاهر هو أنّ جمیع هذه المعانی تعود إلى معنىً واحد وإن کانت التعبیرات مختلفة.

إنّ ظهور حالة تشبه حالة السُکر عند الإحتضار إمّا أن تکون بسبب طبیعة الانتقال من عالم إلى عالم آخر مجهول من جهات مختلفة، کما هو الحال فی حالة الاضطراب عند المولود عندما ینتقل من عالم الجنین إلى عالم الدنیا، وإمّا أنْ یکون بسبب أجواء ما بعد الموت ومواجهة تتائج الأعمال والخوف من العاقبة، وإمّا أن یکون بسبب فراق الدنیا والأقارب والاُمور التی تعلق قلبه بها.

ویستفاد من الروایات أنّ الأنبیاء والالهیین الذین لم تتعلق قلوبهم بحب الدنیا ولم یخافوا العاقبة، والذین یمتازون بطمأنینة متمیّزة بسبب ذلک، إنّ هؤلاء أیضاً لهم نصیب من هذه المعضلات والشدائد التی تنزل فی هذه اللحظة، کما جاء فی ذکر حالات النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) أنّه عند آخر لحظات عمره المبارک، کان یضع یده فی إناء فیه ماء ویمسح بیده على وجهه ویقول «لا اله إلاّ الله»، ثم یقول: «إنّ للموتِ سکرات»(1).

وَرُوِی عن على(علیه السلام) أیضاً أنّه قال: «إنّ للموت غَمَرات هی أفظع من أن تستغرِق بصفة أو تعتدل على عقول أهل الدنیا»(2).

ولو وضعنا کل هذا فی جهة، فمن جهة اُخرى یستفاد من الآیات أمرٌ آخر أیضاً وهو أنّ انفصال الروح عن الجسد یتّم بصورة تدریجیة، وهذا «بنفسه یزید من الهلع»، فإنْ کان الانفصال فوریاً ویتم خلال لحظة واحدة لکان تحمّله أسهل.

وقـد جاء فی الآیة التاسعة من آیات البحث قوله تعالى: (کَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِیَ * وَقِیلَ مَنْ رَاق * وَظَنَّ أَنَّهُ الفِرَاقُ * وَالتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّکَ یَومَئذ الْمَسَاقُ).

وجاء نفس هذا المعنى فی قوله تعالى: (فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِینَئِذ تَنْظُرُونَ). (الواقعة / 83 ـ 84)

و«تراقى»: جمع «ترقوة» وهی العظام التی تحیط بأطراف الرقبة، ووصول الروح إلى الحلقوم هو کنایة عن اللحظات الأخیرة من العمر، ویحتمل توقف الأعضاء البعیدة عن القلب والمخ عند انفصال الروح قبل الأعضاء الاُخرى.

وجملة «التفت الساق بالساق» من المحتمل أن تکون للدلالة على ما ذُکر (ففی تفسیر مجمع البیان جعل توقف السیقان عن العمل من أحد تفاسیر هذه الجملة).

هذا بالإضافة إلى أنّ وصول الروح الحلقوم هو تعبیر آخر عن هذا المعنى، ومن البدیهی أنَّ جهاز التنفس یقف عن العمل عندما تصل الروح الحلقوم، وعندما یقف جهاز التنفس عن العمل یسبب فقدان الاوکسجین والاختناق ووقوف المخ عن العمل.

ففی هذه اللحظات یضطرب الحاضرون عند المحتضر ویصیبهم الجزع والفزع، ویبذلون قصارى جهدهم لإعادة الروح، إلاّ أنّ مساعیهم تذهب هباءً، وبعد لحظات ینقطع المحتضر عن هذه الدنیا إلى الأبد، فیستقرّ جسده جانباً وکأنّه لم یکن واحداً من أهل هذه الدنیا.

والعجیب هو أنّ العبور من هذه المراحل التی تطول مدّتها تارةً وتمرّ بسرعة تارةً اُخرى هو امرٌ حتمیّ یعمّ الجمیع، فالملوک والجبابرة الظلمـة سوف یموتـون، کما سوف یموت المستضعفون والمظلومون کذلک، بل تکون لحظات الموت بالنسبة للجبابرة والظلمة أشـدّ ألماً، وذلک لأنّ فراق الاموال والمناصب التی بذلوا أعمارهم للحصول علیها یکون صعبا وغضّ النظر عنها بالنسبة للذین تعلقت قلوبهم بالدنیا المادیة أمرٌ عسیر.


1. تفسیر روح البیان، ج 9، ص 118.
2. غرر الحکم.

 

10 ـ تمنّى العودة والإصلاح7 ـ الغایة من الموت والحیاة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma