3 ـ قبسات من عالم البرزخ

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء الخامس)
4 ـ خصوصیات عالم البرزخ2 ـ البرزخ فی میزان العقل والحس

بغضّ النظر عن الاختلاف الموجود بین العلماء المسلمین فی التفاصیل الجزئیة لعالم البرزخ، فإنّهم اتفقوا جمیعاً على أصل وجود مثل هذا العـالم سـوى عدد قلیل لا یعتدّ به.

والسبب فی ذلک، هو وجود الآیات القرآنیة والروایات الکثیرة، التی دلّت على ذلک، وقد تحدثت تلک الآیات بصراحة عن وضع الإنسان بعد المـوت، والثواب والعقاب، وارتباط أهل القبور بهذا العالم، وأمثال ذلک (وقد ذکرنا هذا المطلب آنفاً).

بناءً على هذا فلا یوجد هناک اختلاف فی أصل وجود عالم البرزخ، والمهم هنا هو الاطلاع على صورة حیاة البرزخ، وقد طرح العلماء تصورات مختلفة فی هذا المیدان أوضحها ما کان ینسجم مع ما جاء فی الروایات وهو:

إنّ روح الإنسان بعد انتهاء الحیاة الدنیا تحلّ فی جسم لطیف یفتقد الکثیر من اعراض الجسم المادّیة، ولکن لِشَبَهِ هذا الجسم بالمادة اطلق علیه اسم «الجسم المثالی» أو «القالب المثالی» وقیل: إنّه لیس مجرّداً بتمام الأبعـاد ولیس مادیاً کذلک، بل له نوع من «التجرد البرزخی». (فتأمل).

ولکن بما أنّ إدراک حقیقة حیاة عالم الآخرة غیر ممکن بالنسبة لنا نحن اسارى عالم المادة، فالاطلاع الکامل على عالم البرزخ لا یکون ممکناً أیضاً، وذلک لأنّ عالم البرزخ هو أعلى مرتبة من هذا العالم، وبتعبیر آخر: إنّ عالم البرزخ عالمٌ محیط بهذا العالم لا محاط.

ولکن ـ على حدّ قول بعض العلماء ـ: یمکننا تشبیهه بعالم الرؤیا، فالروح الإنسانیة فی الأحلام الصادقة تتجوّل فی نقاط مختلفة، بواسطة القالب المثالی وتشاهد المناظر وتتلذذ بالنعم، کما أنّها أحیاناً تشاهد المشاهد المرعبة فتتضجّر بشدّة، وتصرخ وتصحو من نومها.

وتؤکّد صحّة هذه الحقیقة قوله تعالى: (اَللهُ یَتَوَفَّى الاَْنْفُسَ حِینَ مَوْتِهَا وَالَّتى لَمْ تَمُتْ فی مَنَامِهَا). (الزمر / 42)

قال المرحوم العلامة المجلسی فی بحار الأنوار: «إنّ تشبیه عالم البرزخ بحالة النوم والرؤیا کثیراً ما ورد فی الإخبار.

ثم یضیف: کما یحتمل أن یکون للنفوس القویة العالیة اجسامٌ مثالیةٌ متعددة، لذا فإنّ ما ورد من الروایات على أنّ الأئمة یحضرون عند کلّ من یحتضر من الناس، سوف لا یحتاج إلى التأویل والتکلّف فی تفسیرها». (فتأمّل)(1).

کما أنّ البعض یعتقد بأنّ القالب المثالی موجود فی جسم کلّ إنسان، لکنّه ینفصل عن الجسم بعد الموت ویبدأ حیاته فی البرزخ، فالروح فی عملیة التنویم المغناطیسی تتجوّل وتذهب إلى مناطق مختلفة، وتمارس کثیراً من الفعالیات، والأکثر من ذلک أنّ بعض الأرواح القویة تتمکن من السفر إلى مناطق بعیدة فی عالم الیقظة أیضاً فتطّلع على أسرار تلک المناطق، وهذه الفعالیات تنجز بواسطة القالب المثالی أیضاً.

وقصارى القول هو أنّ الجسم المثالی یشابه هذا الجسم المادی ـ کما هو ظاهر من اسمه ولکنّ هذه المادة لیست مادة کثیفة ولا تتشکل من العنـاصر المادیة، بل هو جسم لطیف نورانی لا یحتوی على العناصر المادیة المعروفة فی هذا العالم المادی.

وقد اشتبه الأمر على البعض هنا، ومن المحتمل أن تکون هذه الشبهة هی السبب فی انکارهم للجسم المثالی، والشبهة التی وقعوا فیها هی اعتقادهم بأنّ وجود جسم کهذا سوف یؤدّی إلى الاعتقاد بمسألة «التناسخ»، وذلک لأنّ التناسخ ما هو إلاّ عبارة عن انتقال الروح إلى أجسام متعددة.

لکننا إذا سلّمنا بوجود القالب المثالی فی باطن هذا الجسم المادی، فسوف لن نقع فی محذور انتقال الروح إلى جسم آخر، وسوف لن یبقى محلٌّ لمحذور التناسخ.

هذا بالإضافة إلى ما قاله «الشیخ البهائی» إنّ «التناسخ الذی أجمع المسلمون على بطلانه هو عبارة عن انتقال الروح بعد فناء الجسم إلى أجسام اُخرى فی نفس هذه الدنیا، وأمّا ما یتعلّق بحلول الأرواح فی أجسام مثالیة فی عالم البرزخ وبقائها حتى انتهاء أمد البرزخ لتنتقل بعد ذلک إلى الأجسام الاُولى یوم القیامة، فإنّه لا یمتٌّ بأیّ صلة لمسألة التناسخ»(2).

ونقل المرحوم «الکلینی» فی «فروع الکافی» عدّة روایات تحدثت عن الجسم المثالی بکل وضوح، منها: ما جاء فی الصحیح عن الإمام الصادق(علیه السلام) عندما سأله أحد أصحابه قائلا: یرى بعض الناس أنَّ أرواح المؤمنین تُجعل فی حوصلة طیور خضر تحیط بالعرش!! فقال(علیه السلام): «لا، المؤمن أکرمُ على الله من أن یجعل رُوحهُ فی حوصلة طیر، ولکن فی أبدانِ کأبدانهم»(3).

وجاء فی حدیث آخر عنه(علیه السلام) أیضاً: «فإذا قبضهُ اللهُ عزّ وجلّ صیّر تلک الرّوح فی قالب کقالبه فی الدنیا»(4).

وجاء فی حدیث آخر عن الصادق(علیه السلام): عندما سُئل عن أرواح المؤمنین، أجاب: «فی حُجُرات فی الجنّة یأکلونَ من طعامها ویشربون من شرابها، ویقولون رَبّنا أقِم الساعة لنا، وأنجز لنا ما وعدتنا»(5).

ومن الواضح هو أنّ المراد من الجنّة هنا هی جنّة البرزخ التی هی أدنى بکثیر من جنّة القیامة، لذا یتمنى المؤمن قیام القیامة، هذا بالإضافة إلى أنّ وجودهم فی البرزخ المکانی یدل على حلول أرواحهم فی القالب المثالی، وذلک لأنّها فارقت أجسامَ هذه الدنیا.


1. بحار الأنوار، ج 6، ص 271.
2. نقل هذا الکلام العلامة المجلسی عن المرحوم الشیخ البهائی فی بحار الأنوار، ج 6، ص 277.
3. فروع الکافی، ج 3، ص 244 (باب آخر فی أرواح المؤمنین)، ح 1.
4. المصدر السابق، ح 6.
5. فروع الکافی، ج 3، ص 244 (باب آخر فی أرواح المؤمنین )، ح 4.

 

4 ـ خصوصیات عالم البرزخ2 ـ البرزخ فی میزان العقل والحس
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma