5 ـ انشقاق الأجرام السماویة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء السادس)
الفصل الثالث: علامات بدء القیامة 4 ـ ذهاب ضوء الشمس والقمر والکواکب

من العلامات الاُخرى لنهایة العالم اختلال نظام الکواکب وانشقاق الأجرام السماویة، ولقد أشار القرآن الکریم فی آیات عدیدة وبتعابیر مختلفة إلى ذلک، فأحیاناً عبر عنه ب (الانشقاق): ( إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ). (الانشقاق / 1)

وجاء نظیر هذا المعنى فی قوله تعالى: ( وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِىَ یَوْمَئِذ وَاهِیَةٌ ). (الحاقة/16)

کما ورد نفس هذا المعنى بشىء من الاختلاف فی قوله تعالى: (وَیَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ ) . (الفرقان / 25)

والمراد من السماء فی هذه الآیات هی الأجرام السماویة حیث تشقق هذه الأجرام فی نهایة العالم على أثر الانفجارات المتتابعة ، أمّا المقصود من تشقق السماء بالغمام فیحتمل أن یرافق انشقاق السماء حصول غمام کثیف بفعل الأتربة والغبار المتولد عنها، والباء فی قوله ( . .بالغمام) کما یحتمل ذلک صاحب المیزان، للملابسة أی تنفتح السماء متلبسة بالغمام (أی متغیمة) (1) .

ولکن المرحوم العلاّمة الطباطبائی لم یستبعد أن یکون الکلام کنایة عن انکشاف غمة الجهل وبروز عالم السماء وهو من الغیب وبروز سکانها وهم الملائکة ونزولهم إلى العالم الأرضی (فالباء فی هذه الآیة تکون بمعنى (عن) أی تذهب الغیوم جانباً ویظهر غیب العالم) .

ولکن لما لم یکن هناک دلیل على هذا التفسیر الکنائی فیکون من الصعب قبوله .

ومن المناسب أن نذکر حدیثاً للإمام علی (علیه السلام) فی هذا الصدد حیث یقول: «إنّها تنشق من المجرّة» (2).

إنّ هذا التعبیرالرائع ینطبق مع آخر الاکتشافات التی توصل إلیها العلماء فی مجال المجرّات، حیث یقولون : إنّ المنظومة الشمسیة والکواکب التی نشاهدها هی جزء من مجرّات عظیمة «درب التبانة» ویمکن رؤیتها بالعین المجرّدة ویکون انشقاق الشمس والقمر والکواکب مصاحباً لانشقاق هذه المجرّات الکبیرة (تأمل . .) .

وأحیاناً یعبر القرآن بالانفطار: (إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرِتْ ). (الانفطار / 1)

ولقد ورد نظیر هذا المعنى فی قوله تعالى: (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ ). (المزمل / 18)

وکما ذکرنا سابقاً فإنّ کلمة انفطار مشتقة من مادة (فطر) وهی بمعنى الانشقاق .

وأحیاناً یقول تعالى: (وَإِذَا السَّمَاءُ کُشِطَتْ ). (التکویر / 11)

فیمکن أن یکون هذا التعبیر إشارة إلى ازالة الحجب المانعة عن رؤیة ملکوت السموات والملائکة والجنّة والنّار فی ذلک الیوم فتزال الحجب وتنکشف للإنسان حقائق عالم الوجود وفی هذه الحالة سوف لایکون للآیة علاقة بتلاشی السموات .

ولقد فسّر بعض المفسرین أمثال المرحوم الطبرسی فی مجمع البیان، هذه الآیة بقوله: «أُزیلت عن موضعها کالجلد عندما یزال عن الجزور ثم یطویها الله، وقیل: معناها قُلعت کما یُقلع السقف» (3)، وقال تعالى فی موضع آخر: (وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ ). (المرسلات / 9)

إنّ کلمتی (فطر) و(فرج) تدلاّن على نفس المعنى بشئ من الاختلاف، فیطلق على حل عقدة المشاکل والمحن، بالفرج وهو ما یقابل الشدّة والعسر .

وعبر أحیاناً اُخرى بـ (فتح) کما نقرأ: (وَفُتِحَتِ السَّمَـآءُ فَکَانَتْ اَبوَاباً ). (النبأ / 19)

ویمکن أن یکون هذا التعبیر إشارة إلى انشقاق السماء ، کما ذکر ذلک بعض المفسرین، وفی هذه الحالة تکون هذه الآیة منسجمة مع الآیات السالفة الذکر ، أی تحدث شقوق عدیدة فی السماء کأنّها أبواب ونوافذ عدیدة .

ولکن بعض المفسرین حملوا ذلک على المعنى الکنائی وقالوا: إنّ المراد من فتح السماء هو انفتاح أبواب عالم الغیب وإزالة الحجب وارتباط عالم الملائکة بعالم الناس (4) .

وأحیاناً اُخرى یقول: (یَوْمَ تَمُورُ السَّمَـآءُ مَوْراً ). (الطور / 9)

«مَوْر»: على وزن (دَوْر) وتأتی أحیاناً بمعنى الحرکة العنیفة وأحیاناً اُخرى بمعنى الحرکة الدائریة واُخرى بمعنى الذهاب والمجی المضطرب ، ویطلق على الغبار والأتربة التی تحملها الریح إلى کل جانب بـ (مَوْر) .

على کل حال فإنّ هذا التعبیر یعنی اضطراب الأجرام السماویة واختلال نظمها وزواله .

وأحیاناً اُخرى یقول تعالى : (یَوْمَ تَکُونُ السَّمَـآءُ کَالْمُهْلِ ). (المعارج / 8)

ولقد فسّر المفسّرون کلمة (المَهْل) بردیء الزیت أو الفضة إذا ذابت(5)، والمعنى الأخیر یناسب الآیة أعلاه .

على أیّة حال إنّ حصول مثل هذه الحالة فی الأجرام السماویة إنّما هو نتیجة لزواله .

وفی النهایة عبر القرآن بتعبیر آخر فقال : (یَومَ نَطْوِى السَّمَـآءَ کَطَىِّ السِّجِلِّ لِلْکُتُبِ کَمَا بَدَأْنَا اَوَّلَ خَلْق نُّعِیدُهُ ). (الأنبیاء / 104)

هذا التعبیر یوضح ابعاد تغییر السموات والکواکب فی نهایة هذا العالم ویدل أیضاً على أنّ جمیع المنظومات والکواکب السیارة والثابتة تطوى کطی السجل للکتاب ویعاد الخلق کما خلقه أول مرّة ویضع الله سبحانه وتعالى نظاما جدیداً لعالم الوجود وتقوم القیامة على هذا العالم الجدید .

فنستنتج من مجموع الآیات السالفة الذکر أنّ القیامة هی لیست استمراراً للحیاة الدنیا بل إنّ هذا النظام یتغیر تغیراً کاملاً وذلک لوقوع انفجارات عظیمة وزلازل مرعبة تدمّر کل شیء ثم یقوم نظام جدید بعد ذلک وتقوم القیامة فیه .


1. تفسیر المیزان، ج 15، ص202 .
2. تفسیر الکبیر، ج 31، ص 103 .
3. تفسیر مجمع البیان، ج 10، ص 444 .
4. لقد اختار التفسیر الأول ـ الطبرسی والفخر الرازی ومفسرون آخرون، أمّا التفسیر الثانی فقد اختاره صاحب المیزان .
5. تفسیر الکشاف، ج 4، ص 609.

 

الفصل الثالث: علامات بدء القیامة 4 ـ ذهاب ضوء الشمس والقمر والکواکب
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma