2 ـ ماهیة صحف الأعمال

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء السادس)
3 ـ فلسفة کتاب الأعمال1 ـ صحف الأعمال فی الروایات الإسلامیة

ممّا لا شک فیه أنّ صحف الأعمال الذی تعرض یوم القیامة لیست کمثل الأوراق والدفاتر والکتب المتداولة وإنّما هی نقوش معبرة غیر قابلة للانکار، فلو أنّ کتاب الأعمال کمثل هذه الأوراق والدفاتر المستعملة الیوم لاستوجب الأمر ملایین الأوراق لکتابة أعمال الإنسان خلال فترة عمره ولما أمکن للجمیع مطالعة مثل هذا الکتاب ولما کان موجباً لخزی وفضح الأشرار وفخر الأخیار ، فی حین یستفاد من الآیات والروایات أنّ أعمال الإنسان مثبتة بحیث یمکن الوقوف علیها بإلقاء نظرة واحدة ، إضافة إلى ذلک أنّ الخطوط والنقوش الاعتیادیة لیست بالشکل الذی لایمکن انکارها، فی حین یتضح من الآیات والروایات أنّ خطوط هذا الکتاب لیست قابلة للانکار وهی سند حی وواضح لکل شخص وحتى لأصحابه .

نتطرق هنا بدقّة إلى بعض التفاسیر المختلفة التی قیلت بخصوص صحف الأعمال :

1 ـ قیل فی تفسیره : (هی بعینها نفس الإنسان التی رسخت فیها آثار أعماله بحیث نقشت بها) .

وجاء ما یطابق هذا التعبیر فی کتاب المرحوم الفیض الکاشانی حیث یقول: «إنّ کتاب الأعمال هو کنایة عن نفس الإنسان التی رسخت فیها آثار أعماله»(1)، إلاّ أنّ هذا المعنى الکنائی لایتوافق مع ظواهر آیات القرآن الکریم وذلک لأنّ القرآن یذکر إتیان کتاب أعمال أصحاب الیمین بأیمانهم وکتاب الفجار بشمائلهم أو من وراء ظهورهم وهذا التعبیر لا یتلائم مع التفسیر المذکور إلاّ إذا حمل تعبیر (یمین) و(شمال) وسائر التعابیر الاُخرى على المعنى الکنائی وهذا خلاف الظاهر وهو غیر جائز بدون دلیل، إضافة إلى ذلک لا یمکن أن یتوافق هذا التعبیر مع تطایر الکتب الذی ذکرناه سابق .

2 ـ للمرحوم العلاّمة الطباطبائی تعبیر آخر فی هذا الصدد فیقول فی تفسیر المیزان مستفیداً من الآیة الشریفة: (یَوْمَ تَجِدُ کُلُّ نَفْس مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَیْر مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوء... ). (آل عمران / 30)

«إنّ الکتاب یتضمن نفس الأعمال بحقائقها دون الرسوم المخطوطة على حدّ الکتب المعمول بها فیما بیننا فی الدنیا فهی نفس الأعمال یطلع الله الإنسان علیها عیاناً ولا حجّة کالعیان، إنّ کتاب الأعمال بحقائقها مستور عن إدراک الإنسان محجوب وراء حجب الغفلة وإنّما یخرجه الله سبحانه وتعالى یوم القیامة فیطلعه على تفاصیله» (2) .

کذلک لا ینسجم هذا المعنى بما یتعلق بـ (الملائکة الکاتبین) وسائر الصفات الأخرى التی وردت فی الآیات والروایات وذلک لأنّ المراد من حقائق الأعمال على الظاهر هو نفس الآثار التی تترک أثراً فی داخل نفس الإنسان، وهنا یرد نفس الإشکال على تفسیر المرحوم الفیض الکاشانی .

ولقد ذکر صاحب کتاب (روح المعانی) نفس هذا التفسیر بشیء من التفصیل ثم اعترف بأنّ هذا التفسیر لا ینسجم مع ظاهر آیات القرآن الکریم (3)، ومن الممکن أن یقال: کما تترک أعمال الإنسان أثراً فی داخل نفسه کذلک تترک أثراً فی العالم الخارجی أیض ، وتترک أثراً فی الفضاء والهواء وعلى الأرض التی یعیش علیها وفی کل شیء، وکأنّ أعماله نقشت بها نقشاً طبیعیاً غیر قابل للانکار .

وهذه النقوش تنقش فی أعماق هذه الموجودات بواسطة قوى عالم الوجود والملائکة،ویوم القیامة یکشف عنها الحجب وتظهر للعیان وتعطى بید کل إنسان وتکفی نظرة واحدة علیها للاطلاع على حال کل شخص .

ومن البدیهی أنّ هذه الآثار لا یمکن إدراکها والاحساس بها فی هذه الدنیا رغم أنّها موجودة ومثبتة، وعندما یأتی ذلک الیوم الذی یکشف فیه هذا الغطاء ویصبح البصر حدیداً فسوف نراها عیاناً ونقرأُها فنصدق .

وقد استطاع علماء الیوم من خلال دراسة علم الآثار ودراسة المتحجرات المتبقیة من الکائنات الحیة منذ ملایین السنین أن یکتشفوا ـ إضافة إلى شکل هیاکلها ـ الکثیر من حقائق حیاتها مع أنّ المتحجر لیس حیواناً بعینه بل هو بقایا منه بقیت لحقب طویلة داخل الطبقات الأرضیّة .

الصخور الأرضیّة هی فی الواقع کتاب أعمال وأشکال تلک الحیوانات مدون بخطوط غیر قابلة للانکار .

نحن لا نقول إنّ کتاب الأعمال الذی یعرض یوم القیامة هو على هذه الصورة وذلک لأننا ذکرنا أکثر من مرّة أننا لا ندرک من القیامة والمسائل المتعلقة بها إلاّ نزراً یسیر ، ولکن فی بعض الأحیان یمکن أن یکون الأثر الطبیعی هو نفس الأثر ، ومن المناسب هنا أن نذکر حدیثاً للإمام الصادق (علیه السلام) ورد فی تفسیر الآیة 14 من سورة الاسراء : «یذکر العبد جمیع ما عمل وما کتب علیه ، حتى کأنّه فعله تلک الساعة ، فلذلک قالوا یاویلتنا ما لهذا الکتاب لا یغادر صغیرة ولا کبیرة إلاّ أحصاها» (4) .

3 ـ احتمل البعض أنّ کتاب الأعمال هو (الضمیر الباطن) للإنسان فقد أثبت علم النفس الیوم أنّ أعمال الإنسان تؤثر فی وجدانه أو اللاشعور ، وهذا التعبیر لا یختلف عن تعبیر الفیض الکاشانی وسائر المفسرین الذین أشرنا إلیهم سابق ، وفی الواقع أنّ هذا التعبیر هو تعبیر جدید مشتق من المعنى القدیم ، والتفسیر الثالث هو الأنسب من بین التفاسیر الأربعة .

على أیّة حال یجب أن نقول بما أنّ مسألة کتاب الأعمال وردت فی القرآن الکریم وأکدتها الروایات المختلفة لذا یجب أن نؤمن بها حتى وإن لم ندرک مفهومها ومحتواها بشکل تفصیلی، مثلها کمثل سائر المسائل المتعلقة بیوم القیامة ، أو أنّ کتاب الأعمال هو مجموعة الآثار التی خطتها أعمالنا خارج وجودنا وتجمع یوم القیامة وتوضع بین أیدینا حسب الأمر الإلهی، وبتعبیر آخر هی مجموعة الآثار التکوینیة التی یمکن تشبیهها من بعض الوجوه بالأفلام أو أشرطة التسجیل أو ما شاکله .

ونحن لا نجزم بأنّ الأمر هکذا بل نقول أنّ هناک أوجه للشبه بینه .


1. تفسیر الصافی، ذیل الآیة 13 من سورة الاسراء .
2. تفسیر المیزان، ج 13، ص 58. ذیل الآیة 13 الاسراء.
3. تفسیر روح المعانی ، ج 15، ص 32.
4. تفسیر نور الثقلین، ج 3، ص 267، ح 115 .

 

3 ـ فلسفة کتاب الأعمال1 ـ صحف الأعمال فی الروایات الإسلامیة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma