2 ـ التقوى

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء السادس)
3 ـ الاحسان 1 ـ الإیمان والعمل الصالح

العامل الآخر من عوامل دخول الجنّة هو (التقوى) ولقد ذکرت الکثیر من الآیات القرآنیة هذا العامل من جملتها ماورد فی سورة مریم بعد الإشارة إلى (جنات عدن) وبعض من نعمها: (تِلْکَ الْجَنَّةُ الَّتِى نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن کَانَ تَقِیّاً ).(1) (مریم / 63)

من المعلوم أنّ الإسلام أعطى أهمیّة کبیرة للتقوى ، واعتبرها أحد شعاراته المشهورة کما ورد ذلک فی قوله تعالى: (اِنَّ اَکْرَمَکُمْ عِندَ اللهِ اَتْقَاکُمْ ). (الحجرات / 13)

فتقول الآیة: إنّ الشرف والکرامة هو بتقوى الله سبحانه وهی الوسیلة الوحیدة إلى سعادة الدار الآخرة، فلیس من العجب أن تصف الکثیر من الآیات القرآنیة (التقوى) بأنّها مفتاح الجنّة .

«والتقوى» : هی اجتناب الذنوب والمعاصی والامتثال لأوامر الله ونواهیه ، واتّباع الحق والعدل ، وبتعبیرآخر : هی حالة الخوف الباطنیة والوازع الذاتی الذی یمنع الإنسان من الوقوع فی المعاصی والآثام ، أی أنّ التقوى مفهوم جامع یضم کافة التکالیف الإلهیّة والأخلاقیة والإنسانیة .

التعبیر بـ (تلک) فی بدایة الآیة والذی یشیر إلى البعید هو إشارة إلى عظمة الجنّة وکأنّها عالیة بدرجة خارجة عن نطاق الفکر والخیال .

وأمّا کلمة (الإرث) فیمکن أن یشیر بها إلى المعانی الآتیة :

1 ـ کل تملیک ثابت ، لأنّ الملک الوحید الذی لا یقبل الرجوع والفسخ هو ما ینتقل عن طریق الارث وکذلک الجنّة فإنّ الله سبحانه وتعالى یورثها للمتقین .

2 ـ قبل أن یکون للوراثة بعدٌ قانونی وتشریعی فإنّ لها بعداً تکوینیاً وطبیعیاً إذ تنقل مجموعة الصفات الوراثیة للآباء والاُمهات إلى الأبناء ، وبهذا یکون المراد بالإرث فی الآیة أعلاه : هو أنّ هناک علاقة معنویة تکوینیة بین التقوى والجنّة .

3 ـ الأموال الموروثة : هی أموال تصل إلى الإنسان بدون تعب وعناء غالباً، والنعم الإلهیّة فی الجنّة من العظمة بحیث تعتبر أعمال المتقین لا شی قبالها، فکأنّ الجنّة تعطى لهم مجاناً وبدون أی مقابل لضآلة أهمیّة أعمال المتقین قیاساً بهذه النعمة العظیمة .

وبتعبیر آخر نقول : حقاً أنّ أعمال الإنسان وتقواه هی الأساس فی استحقاق الجنّة ولکن عظمة الجنّة وما فیها من النعم کأنّها أعطیت للمتقین مجان .

من هنا یجب القول: إضافة إلى کون الجزاء الاُخروی له بعد استحقاقی کذلک له بعد تفضّلی أیض ، أی أنّ الجنّة هی تفضّل من الله سبحانه وتعالى للمتقین .

4 ـ ونقرأ روایة وردت فی تفسیر هذا المعنى عن الرسول الأکرم (صلى الله علیه وآله) قال : «ما من أحد إلاّ وله منزل فی الجنّة ، ومنزل فی النّار : فأمّا الکافر فیرث المؤمن منزله من النّار والمؤمن یرث الکافر منزله من الجنّة» (2) .

فیدل هذا الحدیث على أنّ جمیع الناس خلقوا أحراراً فی اختیارهم فکما خلق عندهم الاستعداد لدخول الجنّة کذلک خلق عندهم الاستعداد أیضاً لدخول النّار وهذا یرتبط بکامل اختیارهم وإرادتهم (3) .


1. هناک الکثیر من الآیات التی تشیر إلى العلاقة بین (التقوى) و(الدخول إلى الجنّة) ومن جملتها: آل عمران ، 15 ،133 ،198; الرعد ، 35 ; الحج ، 45 ; النحل ، 31 ; الفرقان ، 15 ; الشعراء ، 90 ; الزمر ، 30 ، 73; الدخان ، 51 ; محمد ، 15 ; ق ، 31 ; الذاریات ، 15 وغیره .
2. تفسیر نور الثقلین، ج 2، ص 31، ح 121 ; تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیة 43، من سورة الأعراف ، ولقد ورد فی تفسیر علی بن إبراهیم نفس المعنى بتعبیر آخر عن الإمام الصادق (علیه السلام)، ذیل الآیة 11، من سورة المؤمنون .
3. إنّ هذا التعبیر «الارث» لم ینحصر فی الآیة السالفة الذکر بل قد ورد فی آیات اُخرى نذکر منها: المؤمنون ، 10 ، 11; الأعراف ، 43; الزخرف، 72; الشعراء ، 85، فهو تعبیر واسع .

 

3 ـ الاحسان 1 ـ الإیمان والعمل الصالح
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma