6 ـ الشراب الطهور

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء السادس)
7 ـ أفضل شراب أهل الجنّة 5 ـ الأغذیة والأوانی

إنّ الأشربة فی الجنّة کالفواکه وسائر الأغذیة متنوعة ومنعشة للغایة ، ولقد عبّر القرآن الکریم عنها بتعابیر مختلفة، والغریب أنّ الکثیر من هذه الأشربة تکون على شکل أنهار، ولقد أشار القرآن الکریم إلى أربعة أقسام منها.

قال تعالى: (مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِى وُعِدَ المُتَّقُونَ فِیهَا اَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَیْرِ ءَاسِن وَاَنهَارٌ مِّنْ لَّبَن لَّمْ یَتَغَیَّر طَعْمُهُ وَاَنهَارٌ مِّنْ خَمْر لَّذَّة لِّلشَّارِبِینَ واَنهَارٌ مِّن عَسَل مُّصَفّىً ) . (محمد / 15)

هذه الأشربة الأربعة والتی تجری فی أنهار الجنّة الأربعة (لا یجری کل واحد منها فی نهر خاص بل فی کل الأنهار) تبین مجموعة من أنواع الأشربة المختلفة، فالماء لرفع العطش ، واللبن للتغذیة ، والعسل للذة والقوة ، والخمر للذّة والنشاط وهو شراب طهور.

إنّ هذه الأشربة مخلوقة بشکل لا یعتریها الفساد وإن طال الزمن ولا یتغیر طعمها أبداً، وتحتفظ دائماً بحداثتها، فالجنّة محیط منزه من کل کدر، فلا وجود فیها حتى لمیکروب واحد یفسد أطعمة أهلها وأشربتهم .

والجدیر بالذکر أنّ ماء هذه الدنیا یتغیر لونه وطعمه بمرور الزمان ، أمّا میاه أنهار الجنّة فهی تبقى على حالها ووضعها الأول صافیة ، زلال مطهرة ، وکذلک الحال بالنسبة للبن، ففی الدنیا یفسد سریعاً بعد برهة من الزمن فیتبدل طعمه إلى طعم حامض وهذه مقدمة لفساده وتلفه، أمّا لبن الآخرة فهو لبن سائغ شرابه لذیذ لا یتغیر طعمه ولا یعتریه عارض کالذی یصیب الألبان فی الدنی .

الخمر والشراب، شراب غیر مستساغ ولا لذّة فیه ویوصف بمرارة المذاق ورداءة الطعم فهو مذهب للعقل ، ومفسد للروح .

أمّا خمر أهل الجنّة فهو شراب لذیذ منعش یبعث فی النفس النشاط والحیویة الرحمانیة لا الشیطانیة .

وعسل الدنیا تشوبه فی الغالب الکثیر من الکدورات والشوائب، أمّا عسل الآخرة فهو عسل مصفى خالص بمعنى الکلمة ، ومن الجدیر بالذکر: أنّ القرآن الکریم اعتبر العسل جزءً من المشروبات وحتى فی سورة النحل والتی تتحدث عن (النحل ) ذکره کشراب: (یَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ اَلوَانُهُ ). (النحل / 69)

ولعل السبب فی ذلک هو أنّ العسل إذا شرب کمشروب (شربت العسل) فیکون أکثر لذّة ومنفعة وحیویة .

ولقد أشارت آیات سورة الدهر والتی تعرضت لأنواع النعم التی وعدها الله سبحانه للأبرار من عباده إلى مجموعة اُخرى من الاشربة قال تعالى :(اِنَّ الأَبرَارَ یَشرَبُونَ مِن کَأس کَانَ مِزَاجُهَا کَافُور * عَیْناً یَشرَبُ بِهَا عِبادُ اللهِ یُفَجِّرُونَهَا تَفْجِیراً ). (الدهر / 5 6)

وقال تعالى فی نفس السورة: (وَیُسْقَوْنَ فِیهَا کَأساً کَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِیل * عَیناً فِیهَا تُسَمَّى سَلسَبِیلاً ) . (الدهر / 17 ـ 18)

وقال تعالى فی السورة ذاتها:(وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً ) . (الدهر / 21)

فهذه الآیات أشارت إلى عدد من الأشربة «الطهور» فی الجنّة :

الأول : الکافور ، وهو شراب خاص مهدىء، حیث إنّ الکافور فی اللغة له عدة معان :

منها الرائحة الطیبة ، ومنها مادة بیضاء اللون یضرب المثل فی برودتها وبیاضها ولها رائحة قویة خاصة مهدئة، وهی تقابل الزنجبیل الحار وهو عبارة عن جذور بنیة لها طعم ونکهة طیبة تضاف أحیاناً إلى الأطعمة والأشربة .

وممّا تجدر الإشارة إلیه أنّ العرب یستخدمون نوعین من الشراب ولحالتین مختلفتین، تارة: منشط ومقوی ، والاُخرى: مضعف ومهدئ ، الأول یمزجونه مع الزنجبیل، والثانی: مع الکافور .

ومن المعلوم أنّ حقائق العالم الآخر لا تستوعبها عقولن ، لذا فلا حیلة لبیان هذه الحقائق إلاّ أن نستخدم هذه الألفاظ بمفاهیم أوسع وأعلى .

وقال جمع من المفسرین أیض : إنّ الکافور : اسم عین ماء فی الجنّة تشبه الکافور فی صفارها وبیاضها ورائحتها الطیبة وبرودتهاولکن لیس بطعمه ، (ولابدّ من الإشارة إلى أنّ الکافور المألوف هو نوع من الصمغ یستخرج من شجرة فی جنوب الصین أو بلاد الهند وله استخدامات طبیة).

إنّ التفسیر الذی أشرنا إلیه هو الأنسب وذلک لا نّ شراب الکافور یقابل شراب (الزنجبیل) .

والجدیر بالذکر أنّ القرآن یقول : إنّ هذا الشراب الزنجبیلی ینبع من عین فی الجنّة اسمها (سلسبیل) ویعتقد الکثیر أنّ هذه الکلمة مشتقة من (سَلاسَة) بمعنى الجُریان، ویرى البعض أنّها مشتقة من (تسلسل) بمعنى الحرکة المتتابعة والمستمرة وهی إشارة إلى أنّها سلسلة تتسلسل فی الحلق .

وقیل : إنّ هذه الکلمة مرکبة من کلمتین «سال» و«سبیل» بمعنى طلب الطریق وهذه إشارة إلى غایة سلاسته وعذوبته .

على أیّة حال، یستفاد من مجموع التعابیر أنّ عین السلسبیل فیها شراب فی غایة اللذة والسلاسة .

الشراب الثالث الذی أشارت إلیه الآیة الکریمة هو «الشراب الطهور» وساقیه هو الله تبارک وتعالى، وهو یبعث على تطهیر الجسم والروح من کافة الأدران والکدورات ( وهذا شراب خاص للأبرار والمحسنین کالنوعین السابقین ) بعکس خمر الدنیا الذی هو نجس وینجس الروح والبدن .

ویعتقد بعض المفسرین أنّ هذا الشراب یسقى بعد تناول الأغذیة (فاذا أکل ]الإنسان [ماشاء سقی شراباً طهوراً فیطهر بطنه ویصیر ماأکل رشحاً یخرج من جلده أطیب ریحاً من المسک)، لقد ذکر الفخر الرازی هذا التفسیر کروایة .

وقال صاحب تفسیر المیزان : «(وسقاهم . .) أی بالغاً فی التطهیر لا یدع قذارة إلاّ أزالها ومن القذارة قذارة الغفلة عن الله سبحانه وتعالى والاحتجاب عن التوجُّه إلیه فهم غیر محجوبین عن ربّهم»(1) .

وورد فی تفسیر «منهج الصادقین» نقلا عن الإمام الصادق(علیه السلام): «إذا شرب المؤمن الشراب الطهور نسی ما سوى الله وانقطع إلیه بالکامل» (2) .

وذکرت سورة المطففین ضمن عرضها للنعم الإلهیّة التی وعدها الله سبحانه وتعالى للأبرار :(یُسقَونَ مِن رَّحِیق مَّختُوم ) ثم قال : (خِتَامُهُ مِسْکٌ وَفِى ذَلِکَ فَلیَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ )وفی الختام قال : (وَمِزَاجُهُ مِن تَسنِیم * عَیناً یَشرَبُ بِها المُقَرَّبُونَ ) . (المطففین / 25 ـ 28)

کلمة (رحیق) على قول أغلب المفسرین هو الشراب الخالص من الغش والقذى (أی خمر صافیة خالصة من کل غش) .

«مختوم» : ممنوع من أن تمسّه ید حتى یفک ختمه للأبرار ، وهذا تأکید آخر على خلوصه وصفائه .

«ختامه مسک» : إشارة إلى الذی خُتم إناؤه بالمسک ، ویستخدم الختم عادة للتأکد والاطمئنان من عدم لمسه أو فتحه حیث یوضع الشی فی إناء معین ویغلق غلقاً محکماً من جمیع الجوانب ثم یختم ویوضع على (الختم) مقدار من الطین أو العجین أو الشمع الأحمر أو النحاس أو أیّة مادة اُخرى تفی بالغرض ، وبهذا ( لا یمکن فتح أو کسر هذا الإناء ) فلا سبیل إلى مافی الإناء إلاّ بکسر ذلک الختم ، وکان العرب ینظرون إلى ختم الإناء قبل کل شی لیعرفوا أنّه لم تصل إلیه ید . ویسمونه (المختوم) .

وهناک تفاسیر عدیدة فی هذا المجال لا نراها تتناسب وظاهر الآیة .

«تسنیم» : من مادة (سَنَم) على وزن (صَنَم) وفی الأصل على رأی صاحب (مقاییس اللغة) بمعنى (العلو والارتفاع) ومنه ( سنام البعیر ) ، واطلق على ألسنة النّار ، والغیوم المرتفعة والدخان وسنابل النباتات أیض .

لذا «عین التسنیم» عین فی الجنّة تکون سبباً فی الارتفاع والعلو، یقال : سنمه أی رفعه ومنه سنام الابل ، ولذلک إذا شربها المقربون یتقربون من المقام الإلهی والفناء فی نور الحق أکثر فأکثر .

وقیل : «تسنیم »: عین تقع فی الطبقات العلیا فی الجنّة یَنصبُّ شرابها علیهم من عُلوٍّ انصباب . . وقیل هو نهر یجری فی الهواء فیصب فی أوانی أهل الجنّة وهو خالص للمقربین ویمزج بمقدار من الرحیق المختوم للأبرار وهو نوع آخر من شراب الجنّة .

ویظهر من خلال الجمع بین هذه المعانی : أنّ هذه العین لها مکانة عالیة رفیعة من ناحیة المکان وکذلک من حیث التأثیر المعنوی فهی توصل الروح وتجذبها إلى مقام القرب الإلهی .


1. تفسیر المیزان، ج 20، ص 130 .
2. منهج الصادقین، ج 10، ص 110 . (طبقاً لنقل التفسیر الاثنی عشری ، ذیل الآیة مورد البحث) .

 

7 ـ أفضل شراب أهل الجنّة 5 ـ الأغذیة والأوانی
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma