4 ـ الأخلاّء والأصدقاء الأوفیاء

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء السادس)
5 ـ العلاقات الطّیبة 3 ـ الأمان بعد الخوف

ومن أهم اللذائذ الروحیة الأخرى معاشرة الأصدقاء المخلصین والاخلاّء الذین یتصفون بالإیمان والسجایا الرفیعة ، ویفوح من أرواحهم عطر المحبّة والمودّة ، إنّ الجلوس مع هؤلاء لحظة واحدة یغمر النفس ببهجة لاتوصف ، وتذکر الآیات القرآنیة الشریفة أنّ أهل الجنّة ینعمون بهذه النعم فیجالسون الأخلاء ویتحدثون إلیهم ، ولکن ما هی المواضیع التی تدور حولها أحادیثهم؟ هذا ما لا یمکن التکهن به، لعلهم یتحدثون فی مواضیع یستحیل علینا إدراکها الیوم، ولکن من البدیهی أنّها من نوع الأحادیث التی تحیی القلوب .

تطالعنا الآیتان بما یأتی : (وَمَنْ یُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِکَ مَعَ الَّذِینَ اَنْعَمَ اللهُ عَلَیْهِمْ مِّنَ النَّبِیِّینَ وَالصِّدِّیقِینَ وَالشُّهَدَآءِ والصَّالِحِینَ وَحَسُنَ أُولَئِکَ رَفِیق (1)* ذَلِکَ الفَضْلُ مِنَ اللهِ وَکَفَى بِاللهِ عَلِیماً ) . (النساء / 69 ـ 70)

نعم ، إنّ الأخلاء فی الجنّة هم خیرة ذوی الفضائل فی العالم : کالأنبیاء العظام والخلّص من أصحابهم والصدیقین والشهداء والصالحین .

ولو قارنا هذا مع ما یجری فی هذه الدنیا حیث یضطر الناس فی کثیر من الأحیان إلى تحمل العذاب الناتج عن معاشرة أشخاص لا یجمعهم وإیّاهم انسجام أو ترابط ، یمکن حینذاک فهم طبیعة الأوضاع الموجودة فی الجنّة .

والذی یسترعی الاهتمام هنا أنّ الکثیر من المفسرین قد نقلوا روایات عدیدة بشأن نزول هذه الآیة ، ننقل فیما یلی ملخّصها (مع وجود بعض الاختلاف بین المفسرین فی النقل) :

یروى إنّها نزلت فی ثوبان مولى رسول الله(صلى الله علیه وآله)، إذ کان شدید الحبّ لرسول الله(صلى الله علیه وآله) قلیل الصبر عنه فأتاه یوماً وقد تغیر وجهه ونحل جسمه وعرف الحزن فی وجهه، فسأله رسول الله(صلى الله علیه وآله) عن حاله، فقال: یارسول الله ما بی وجع غیر إنی إذا لم أرک اشتقت إلیک واستوحشت وحشة شدیدة حتى ألقاک، فذکرت الآخرة فخفت أن لا أراک هناک لأنّی إن أُدخلت الجنّة فأنت تکون فی درجات النبیین وأنا فی درجات العبید فلا أراک وإن أنا لم أُدخل الجنّة فحینئذ لا أراک أبداً. فنزلت الآیة (2) .

وکلمة «ذلک» التی تستعمل عادة إشارة للبعید ، جاءت هنا للدلالة على عظمة هذه النعمة الإلهیّة ، وکأنّها عالیة إلى الحد الذی یجعلها بعیدة عن متناول أیدین ، وکذلک عبارة «فضل من الله» إنّما هی تأکید على هذا المعنى وإشارة إلى أنّ هذه النعمة لا یمکن الحصول علیها بمجرّد العمل ، بل تنال بفضل الله .

وتجدر الإشارة إلى قضیة أخرى فی هذه الآیة، وهی ذکرها لأربع جماعات بالترتیب واعتبارهم کأصدقاء فی الجنّة وهم : «الأنبیاء ، والصدیقین ، والشهداء ، والصالحین» .

ویبدو أنّ هذا الترتیب یدل على تسلسل درجاتهم. فقال بعضهم: «إنّ الأنبیاء وُضعوا فی المقام الأول لأنّهم وصلوا فی مجال المعرفة الإلهیّة إلى حد رؤیته عن قرب بباصرة القلوب، والصدیقون فی المقام الثانی من المعرفة وهم کمن یرى الأشیاء بعینیه من بعید ، والشهداء فی المقام الثالث وهم کمن یدرک وجود الشیء بالأدلة العقلیة ، والصالحون فی المقام الرابع وهم کمن یقبل الأشیاء عن طریق تقلید الکبار واتّباع أهل الفن» (3) .

یمکن فی کثیر من الحالات اطلاق کلمات (الشهداء والصالحین والصدیقین) على الأنبیاء أیض ، لکن ربّما یُقال: إنّ هذه الأوصاف الأربعة عندما تصبح فی ازاء بعضها فانّها تعطی مثل هذا المعنى .

ویبدو أنّ هناک تفسیراً أکثر روعة بشأن هذه الدرجات الأربع، وهو أنّ الحاجة إلى هدایة المجتمع الإنسانی تحتاج فی بدایة الأمر إلى الأنبیاء أی (القادة الربّانیین). ومن بعدهم یأتی دور الصدیقین أی المبلّغین الصادقین فی القول والعمل الذین ینشرون دعوتهم من بعدهم، وفی المرحلة التالیة عند اصطدامهم بالعوائق والموانع تبرز الحاجة إلى أشخاص یهبّون للدفاع ویقدّمون التضحیات حتّى یتمکّن الصالحون أخیراً من حکم المجتمع.

وفی هذه المناسبة ینبغی الإشارة إلى أنّ مرافقة هذه الفئات الأربع لا تعنی وحدة المقام معها، بل تعنی إمکانیة الإرتباط بها کما هو الحال فی اتصال الطالب باستاذه أو الجندی بآمره .

ورد ما یشبه هذا المعنى ولکن بثوب آخر ـ فی قوله تعالى :(وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِمْ مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُر مُّتَقَابِلِینَ ) . (الحجر / 47)

ویلحظ فی الآیة 31 من سورة الکهف إشارة إلى نفس المعنى أیض .

وعلى أیّة حال، فإنّ مرافقة هؤلاء الصالحین والاتصال بهم یُعد من أکبر اللذات المعنویة لأصحاب الجنّة .


1. یرى البعض أنّ کلمة «رفیقا» جاءت هنا تمییزاً ولهذا وردت مفردة، واعتبرها البعض الآخر حال . وان مجیئها مفردة (مع أنّ الحال جمع) إمّا لکون کلمة رفیق تعنی المفرد وتعنی الجمع أیضاً أو تضمنها لمعنى الجنس .
2. راجع تفاسیر مجمع البیان ; والکبیر ; والقرطبی ; والمراغی ; وروح المعانی ; وفی ظلال القرآن ذیل الآیة مورد البحث.
3. مقتبس من تفسیر روح المعانی، ج 5، ص 68 .

 

5 ـ العلاقات الطّیبة 3 ـ الأمان بعد الخوف
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma