8 ـ نظر الله إلیهم ونظرهم إلیه

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء السادس)
9 ـ لهم ما یشتهون 7 ـ الشعور برضا الله

إنّ من أثمن اللذّات المعنویة هی أن یجود المحبوب الجامع لکل الکمالات بنظرة لطف على الإنسان ویتحدّث إلیه ، والأکثر أهمیّة من کل ذلک أن یتمکن الإنسان من بلوغ مقام شهود ذاته المقدّسة أی إنّه یراه بقلبه ویغرق فی بحر جماله .

وقد أکّد القرآن الکریم مراراً على هذه النعمة المعنویة ، فتذکر احدى الآیات العذاب الإلهی الألیم على من یکتم آیات الله بالقول :(وَلاَ یُکَلِّمُهُمُ اللهُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ وَلاَ یُزَکِّیْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ اَلِیمٌ ). (البقرة / 174)

ویتحدث القرآن فی موضع آخر عن نفس هذا الموضوع والعذاب الإلهی على من یشترون بعهد الله ثمناً قلیل :(وَلاَ یُکَلِّمُهُمُ اللهُ وَلاَ یَنْظُرُ إِلَیْهِمْ یَوْمَ القِیَامَةِ وَلاَ یُزَکِّیْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ اَلِیمٌ ). (آل عمران / 77)

نعم ، إنَّهم محرومون من لذّة التکلم مع الله ونظرة رحمته ولطفه ، ولذلک فهم لا یطهرون ، ولما کانت الجنّة مأوى الأطهار فهم یبقون فی جهنّم یذوقون ألیم عذابه .

و نستفید من هاتین الآیتین أنّ هذه النعم والهبات سوف یخص بها الله سبحانه وتعالى المؤمنین وأصحاب الجنّة، وسوف یکلمهم بلطف، ولهم نفس المنزلة التی أولاها لأنبیائه فی هذه الدنیا، فالتذوا واستأنسوا بما وهبهم الله سبحانه وتعالى، وأیّة لذّة أعظم وأحسن من هذه اللذّة؟ فبالإضافة التی نعمة الحدیث معهم، فإنّ الله ینظر إلیهم نظرة لطف خاص، وآیة موهبة أعظم من هذه الموهبة؟ حیث ینظر المحب نظرة لطف ومحبّة إلى محبوبه الصادق العاشق الولهان؟ !

ومن البدیهی أنّ الکلام لا یکون باللسان، ولا النظر یکون بالعین، فالله سبحانه أجل من الجسم والجسمانیة .

ربّما یحصل أحیاناً أن یغضب الأب على إبنه فلا یکلّمه ولا ینظر إلیه ، وإذا کان الابن واعیاً فهو یعتبر هذا التجاهل من أبیه تجاهه أکبر عذاب نفسی له ، أمّا فی حالة الرضا عنه فهو یجلس معه وینظر إلى قوامه ویحادثه بانشراح ومحبّة وهذا من دواعی فخر الابن وسعادته .

هذا فی عالم المادّة والجسم والصورة ، ونفس هذه القضیّة تحدث بمقیاس أسمى فی عالم المعنى بین المولى الحقیقی وعباده .

وذکرت سورة القیامة لذّة النظر إلى الجمال الذی لا مثیل له للمحبوب الحقیقی: (وُجُوهٌ یَومَئِذ نَّاضِرَةٌ * اِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ). (القیامة / 22 23)

وما یلفت الانتباه هنا هو أنّ تقدیم ( إلى ربّه ) وهو ما یفید الحصر ، یدلّ على أنّهم ینظرون إلیه فقط فی ذلک الیوم ولا ینظرون إلى سواه ، وهم إن نظروا إلى غیره فهی لیست إلاّ نظرة عابرة ، ومع ذلک فهم یرونه هو وحده لأنّ کل ما فی العالم مظاهر لذاته المقدّسة وآثار لطفه ورحمته ، وفی الحقیقة أنّ رؤیة الأثر هی بمثابة رؤیة المؤثر.

وهناک احتمال آخر أیضاً فی تفسیر هذا المقطع من الآیة: (اِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ )یشیر إلى انتظار الناس لرحمة الله ولطفه، کما نقول أحیاناً إنّ الشخص الفلانی لا ینظر إِلاّ إلیک أی أنّه ینظر کرمک وفضلک ، أو عندما نقول إننا نعقد الأمل علیک ، ولا مانع من اتساع معنى الآیة لتشمل کلا المفهومین .

وقد استدل أغلب مفسری أهل السُنّة عند وصولهم إلى هذه الآیة ببعض الروایات الضعیفة التی تشیر إلى المشاهدة الحسیّة لله تعالى ، وقالوا: إنّ أحد نعم أهل یوم القیامة رؤیة الله بهذه العین، حتى أنّ بعضهم قال: إنّ الله یظهر فی السماء على هیئة النور ! وهم ینظرون فوق رؤوسهم ویلتذّون بمشاهدة نور الله بهذه العین المجرّدة .

وقد بحثنا فی الجزء الرابع من هذا التفسیر وبشکل موسّع فی بطلان مثل هذه التصوّرات الملیئة بالشرک والتی تهبط فی تصویر الإله إلى أنّه جسم محدود بالمکان والاتّجاه ، وشرحنا کذلک ضعف هذه الأحادیث ، ولا نرى لزوم تکرار ما سبق القول فیه، وإننا نعتبر مثل هذا الخطأ الفاحش ناتجاً عن الابتعاد عن تعالیم أهل البیت (علیهم السلام) ونسیان حدیث الثقلین المتواتر (1).من البدیهی أنّ آثار عظمة الله فی ذلک الیوم أوضح بکثیر ممّا علیه الحال فی الدنیا، وکذلک الحجب المظلمة التی تغطی قلوب المؤمنین فی هذا العالم فانّها ستُزاح جانباً حتّى لیمکنهم مشاهدة ذاته المقدّسة من خلال نظرة قلبیة وروحیة واحدة، بل ویکون الفیض الشهودی أحیاناً أعمق، فیغمرهم بجماله فینسون الجنّة والنعم التی هم فیه .

و نختم بحثنا هذا بآیة أُخرى تتحدث عن هذا الموضوع بأسلوب آخر، إذ ورد فیه :

(کَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَّبِّهِمْ یَومَئِذ لََّمحْجُوبُونَ ). (المطففین / 15)

وهل هناک جزاءٌ أشدّ ایلاماً من حرمان الإنسان من لقاء الله ومنعه من الحضور فی المحضر الإلهی المقدّس .

ومفهوم هذا الکلام هو أنّ المؤمنین غیر محجوبین فی ذلک الیوم ، بل یتمتّعون برؤیة جمال الحق ویتلذّذون بفیض لقاء المحبوب الذی لا نظیر له ، وإن کان ذلک الحجاب عذاباً ألیماً للکفّار فهذا اللقاء هو من أمتع اللّذات بالنسبة للمؤمنین .


1. للمزید من المعلومات ، یرجى المراجعة الى ج 4، ص 175 ـ 192 من هذا التفسیر.

 

9 ـ لهم ما یشتهون 7 ـ الشعور برضا الله
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma