2 ـ أتعرف قیمة اللذة بفقدانه ؟

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء السادس)
3 ـ هل یوجد فی الجنّة تکامل ؟1 ـ هل أنّ التکرار یولد الملّل؟

من المعروف أنّ «الفقدان» یبرز أهمیّة «الوجدان» وبعبارة أخرى : أنّ النعم الإلهیّة والعطاء الربّانی یُعرف عند زواله، فلو لم یکن للمرض وجود فی العالم لما عرف أحد قیمة الجوهرة الثمینة لنعمة السلامة، ولولا الخوف لما عرفت قیمة وأهمیة نعمة الأمان .

وعلى هذا فالجنّة التی تخلو من الفقدان والخوف والمرض والتعب ، ولا تعرف العوز والقحط... الخ، لن تعرف قیمة کل هذه النعم وستُنسى أهمّیتها بالتدریج ، ولن یکون هناک أی شعور باللذة .

والجواب عن هذا السؤال لا صعوبة فیه ، لأنّ أهل الجنّة مشرفون على أهل النّار وبإمکانهم الاطلاع على أوضاعهم ومقارنتها بما هم علیه ، وحین یرون هذا الفارق الشاسع یلتذّون بالنعم اللامتناهیة التی یعیشون فیه .

تطرّق القرآن الکریم مرّات عدیدة إلى اطلالة أهل الجنّة على أهل النّار ، فجاء قوله تعالى: (وَنَادَى اَصْحَابُ النَّارِ اَصْحَابَ الجَنَّةِ اَن أَفِیضُوا عَلَینَا مِنَ المَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَکُمُ اللهُ قَالُوا اِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْکَافِرِینَ ) . (الأعراف / 50)

وفی سورة الصافات تحدّثت عدّة آیات منها عن هذا المشهد قائلة : (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُم عَلَى بَعْض یَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِّنهُم اِنِّى کَانَ لِى قَرِینٌ)(فَاطَّلَعَ فَرآهُ فِى سَوَاءِ الجَحِیمِ * قَالَ تَاللهِ اِن کِدتَّ لَتُرْدِینِ * وَلَولاَ نِعمَةُ رَبّى لَکُنتُ مِنَ الُمحْضَرِینَ ).
(الصافات /50 51 ، 55 57).

کما نقرأ أیضاً فی سورة الأعراف : (وَنَادَى اَصْحَابُ الْجَنَّةِ اَصحَابَ النَّارِ اَن قَد وَجَدْنَا مَاوَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّکُم حَقّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَینَهُم اَن لَّعنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِینَ ). (الأعراف / 44)

یُفهم من مجموع هذه الآیات أنّه لا أهل الجنّة یجهلون أوضاع أهل النّار ، ولا أهل النّار محجوبون عن أحوال أهل الجنّة ، فاطلاع أهل الجنّة یضاعف ما هُم فیه من السرور والنعمة لنجاتهم من ذلک العذاب الألیم ، ویسعدون لما یرفلون فیه من النعمة والرفاه، وعلى العکس منهم أهل النّار إذ یتضاعف عذابهم عند إجراء مثل هذه المقارنة .

وورد عن الإمام الصادق(علیه السلام) حدیث یقول : «ما خلق الله خلقاً إلاّ جعل له فی الجنّة منزلاً وفی النّار منزل ، فاذا سکن أهل الجنّة الجنّة وأهل النّار النّار نادى مناد ، یاأهل الجنّة اشرفو ، فیشرفون على النّار وترفع لهم منازلهم فی النّار ثم یقال لهم : هذه منازلکم التی لو عصیتم ربّکم دخلتموها; قال : فلو أنّ أحداً مات فرحاً لمات أهل الجنّة فی ذلک الیوم فرحاً لما صرف عنهم من العذاب; ثم ینادون : یامعشر أهل النّار ارفعوا رؤوسکم فانظروا إلى منازلکم فی الجنّة فیرفعون رؤوسهم فینظرون إلى منازلهم فی الجنّة وما فیها من النعیم ، فیقال لهم : هذه منازلکم التی لو اطعتم ربّکم دخلتموه . . .»(1).

وجاء فی ذیل الروایة نفس هذا المعنى بشأن أصحاب النّار حینما یرون منازلهم فی الجنّة فیکادون یموتون من الحسرة والغیظ .

ونُقل فی تفسیر الدر المنثور حدیث مشابه عن الرسول(صلى الله علیه وآله) ولکن بشکل مختصر (2) .

إنّ وجود منزلین لکل إنسان یدل على الطبائع والاستعدادات الموجودة فی کل إنسان بالقُوّة ، حیث یُحدّد منزله فی الجنّة أو فی النّار وفقاً لتلک الطبائع والاستعدادات ، ولا یتنافى هذا مع ماذکرناه سابقاً من أنّه یبنی تلک المنازل بعمله ویکملها من جمیع الجوانب ، ویخرج کل تلک الاستعدادات من حالة القُوّة إلى حالة الفعل ، هذا من جهة ، ومن جهة اُخرى فإنّ أهل الجنّة لا ینسون أبداً ذکریات الدنی ، ویمکنهم معرفة قیمة وأهّمیة کل هذه النعم والفضائل من خلال مقارنة أوضاعهم الحالیة مع ما کانوا علیه فی الدنی .

ذکرت الآیات ما یأتی : (وَأَقبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعض یَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا اِنَّا کُنَّا قَبلُ فِى اَهلِنَا مُشفِقِینَ * فَمَنَّ اللهُ عَلَیْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ) . (الطور / 25 ـ 27)

ویُظهر هذا التعبیر أنّ أصحاب الجنّة یتذکرون معاناتهم فی الدنیا وشقاءهم ویقارنون بینهما وبین ماهم فیه ، ومن الطبیعی أنّ هذه المقارنة تُظهر لهم بوضوح عظمة النعم التی یتنعّمون به .


1. بحار الأنوار، ج 8، ص 125 ، ح 26 .
2. تفسیر در المنثور ، استناداً لما ورد فی تفسیر المیزان، ذیل آیات سورة الأعراف .

 

3 ـ هل یوجد فی الجنّة تکامل ؟1 ـ هل أنّ التکرار یولد الملّل؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma