یُفهم من بعض الآیات أنّ المجرم بشکل مطلق مخلد فی جهنّم ، تقول الآیة:(وَمَن یَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِینَ فِیهَا اَبَداً ). (الجن / 23)
وجاء نفس هذا المعنى أیضاً مع إضافة اُخرى فی الآیة: (وَمَن یَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَیَتَعَدَّ حُدُودَهُ یُدخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِیهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهینٌ ) . (النساء / 14)
وورد تعبیر یشابه هذا فی قوله تعالى: (اِنَّ الُمجْرِمِینَ فِى عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ) . (الزخرف / 74)
ولکن لو التفتنا إلى الآیات السابقة کالآیة (20) من سورة الجن والتی یدور فیها الکلام عن دعوة النبی (صلى الله علیه وآله) إلى التوحید وتقویض الشرک ، وماجاء فی الآیة (24 من نفس السورة) التی نقلت کلام مشرکی قریش الذین کانوا یعنّفون النبی (صلى الله علیه وآله) لعدم وجود الانصار والاعوان المتنّفذین ، لتبیّن لنا أنّ المقصود من «العصیان» هنا هو الکف عن الدعوة إلى التوحید والمیل إلى الشرک والکفر ، وعلى هذا فهی لا تتضمن أیّة دلالة على خلود جمیع المجرمین فی النّار .
ویُلاحظ وجود قرینة فی ذیل الآیة 74 من سورة الزخرف دالة على هذا المعنى لأنّها تتحدث عمّن کانوا یضمرون العداء الشدید للدعوة ، وکانوا یظنّون أنّ الله غیر مطلع على سرّهم ونجواهم، ویُعتبر هذا بذاته من معالم الکفر ، (فتأمل) .
وقد صرح الکثیر من المفسّرین عند تعرّضهم للآیة المذکورة بأنّ المقصود من العصیان فیها هو العصیان فی التوحید (1) .
إلاّ أنّ هذا الاحتمال وهو أنّ المقصود من الخلود هنا هو العذاب الطویل ـ یبدو مُستبعداً جدّ ، وذلک لأنّ تأکید کلمة «الخلود» بکلمة «أبداً» دالٌ على أنّ المقصود هو خلود العذاب الإلهی .