یلاحظ فی بعض کلمات الفلاسفة أنّ: «الاصول الحکمیة دالة على أنّ القسر لا یدوم على الطبیعة ، وأنّ لکل موجود من الموجودات الطبیعیة غایة ینتهی إلیها وقتاً وهی خیره وکماله ، وأنّ الواجب جلّ ذکره أوجد الأشیاء على وجه تکون مجبولة على قوة یتحفظ بها خیرها الموجود وتطلب بها کمالها المفقود ، إلاّ أن یُعیقه له عن ذلک عائق ویقسره قاسر ، لکنّ العوائق لیست أکثریة ولا دائمة وإلاّ لبطل النظام وتعطلت الأشیاء وبطلت الخیرات ، فعلم أنّ الأشیاء کلها طالبة لذاتها للحق مشتاقة إلى لقائه بالذات ، وأنّ العداوة والکراهة طارئة بالعرض ، فمن أحبّ لقاء الله بالذات أحبّ الله لقاءه بالذات ومن کره لقاء الله بالعرض لأجل مرض طرأ على نفسه کره الله لقاءه بالعرض ، فیعذبه مدّة حتى یبرء من مرضه ویعود إلى فطرته الاُولى » (1) .
والإجابة عن هذه المقولة لیست صعبة لأنّ الاخطاء والانحرافات قد تتجذر أحیاناً فی وجود الإنسان إلى درجة تغدو معها ذات طبیعة ثانویة مثلما یحصل فی هذا العالم حین یبلغ المجرم مرحلة من الانحراف حتى یصبح مُلتذّاً بجرائمه ، وتستهویه الاُمور التی ینفر منها الإنسان السوی طبیعیاً وفطری ، کما یلاحظ عند الأشخاص الذین اعتادوا ارتکاب الأعمال القبیحة التی تشمئز منها النفوس .
وحینما یبلغ الإنسان مثل هذه المرحلة من الطبیعة الثانویة لا یبقى له أی طریق للعودة . وهذا هو نفس الشیء الذی عبّرت عنه الآیة السابقة بتعبیر ( أحاطت به خطیئته ) الذی یسبب انقلاب الطبیعة الإنسانیة .