ومنها کالآیة الأولى والثانیة .
وصنفت الآیة الأولى بعض أحوال المجرمین الذین لم یکونوا مؤمنین ، وأوضاعهم فی جهنّم وحدیثهم مع أهل الجّنة ثم قالت : (فَمَا تَنْفَعُهُم شَفَاعَةُ الشَّافِعِینَ ) .
إنّ هذه الآیة وإن کانت تنفی أی نوع من أنواع الشفاعة بحق هذا الفریق (بما فی ذلک شفاعة الأنبیاء والأوصیاء والملائکة والصدیقین والشهداء والصالحین) ، إلاّ أنّ وجود کلمة «الشافعین» وهی ظهور الفعلیة ، تثبت وجود شافِعین ومشفَّعین فی ذلک الیوم وأنّ شفاعتهم لا تنفع هؤلاء الذین کانوا یکذّبون بیوم الدّین ولم یکونوا یصلّون ولا یطعمون المسکین .
وکذلک تعبیر ( فَمَا تَنْفَعُهُم ) یدل أیضاً على أنّ أحوالهم وأعمالهم ومعتقداتهم هی التی جلبت إلیهم هذا الحرمان .
وعلى هذا الأساس فإنّ هذه الآیة وإن کانت من الآیات النافیة للشفاعة ، إلاّ أنّ نصّها یثبت ضمنیاً وجود الشفاعة .
ونفت الآیة الثانیة الشفاعة أیضاً وقالت : (وَاتَّقُوا یَوماً لاَّ تَجْزِى نَفسٌ عَن نَّفس شَیئاً وَلاَیُقبَلُ مِنهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ یُؤخَذُ مِنهَا عَدلٌ وَلاَهُمْ یُنصَرُونَ ) .
رغم أنّ المخاطبین فی هذه الآیة هم الیهود بقرینة الآیة السابقة له ـ إلاّ أنّ حکمها یتّسم بالعمومیة ویَسُدّ جمیع المنافذ أمام المخالفین، وأشارت أثناء ذلک إلى أربعة طرق مهمّة تُعتبر وسیلة للنجاة فی هذه الدنیا لکثیر من المجرمین :
الأول : أن تجزی نفس عن نفس ، والثانی : أن یشفع لها محترم ، والثالث : لو دفعت غرامة لجزت عن العقوبة ، والرابع : أن یهب قوم لنصرتها وانقاذها من مخالب العذاب ، لکن أیّاً من هذه الطرق لیس لها وجود یوم القیامة ، والحدیث هنا یدور حول نفی الشفاعة هناک نفیاً قاطع ، ولکن هل یختص ذلک بالیهود الذین سلکوا طریق الکفر والعناد ومجانبة الحق ، وقتل الأنبیاء ، وبهذا فهی لا تتنافى مع آیات الشفاعة والروایات المتواترة الدالة على أنّ النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) وسائر المعصومین(علیهم السلام) یشفعون لمذنبی هذه الأمّة ؟
أم أنّ هذه الآیة تشیر إلى ظن الیهود الذین کانوا یتوهّمون بأنّ آباءهم یشفعون لهم یوم القیامة ، فالآیة تبطل هذا الوهم وتجعلهم فی یأس منه ؟ أم أنّ ظاهر الآیة مطلق وینفی أی نوع من الشفاعة لأی أحد ؟
وتشیر الآیات الأُخرى التی ستأتی لاحقاً وکذلک الروایات المتواترة وإجماع الأمّة بأنّ هذه الآیة تخص الکفّار والأشخاص الذین لا تشملهم الشفاعة بسبب عِظمِ ذنوبهم ، وعلى هذا فالآیة المذکورة ذات طابع عمومی ، والآیات الأخرى ذات صیغة مختصة ، وترفع أی غموض فی هذا المجال .
و سیأتی شرح هذا الکلام عن قریب إن شاء الله .