ومنها الآیة الثالثة التی ورد فیها بعد الإشارة إلى خلق السموات والأرض وحاکمیَّة الله على کل شیء قوله تعالى: (مَا لَکُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِىٍّ وَلاَ شَفِیع ).
وبناءً على هذا فإنّ الشفیع هو الخالق المدّبر لعالم الوجود لأنّ الشفاعة هی أیضاً نوع من التدبیر والربوبیة والتربیة ، ومعنى هذا وجوب عدم التعلّق بالأوثان والالتجاء إلى سوى ذاته المقدّسة ، وأن وضع أحد من الأنبیاء والأولیاء على مقام الشفاعة فهو مستمد منه بالتأکید : کما أنّ مقام الحاکمیة وهدایة وتربیة الناس ممنوحٌ لهم من قبل الله تعالى .
وورد نفس هذا المعنى فی الآیة الرابعة من آیات البحث ، ولکن بصورة اُخرى ، إذ تقول لعبدة الأوثان الذین اتخذوها شفعاء لهم : (قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِیعاً ) .
ثم تؤکّد أنّ سبب ذلک هو أنَّ : (لَهُ مُلکُ السَّموَاتِ وَالأَرضِ ثُمَّ اِلَیهِ تُرجَعُونَ ) .
فمن البدیهی أنّ من یمتلک حق العفو عن المذنبین وحق الشفاعة أو قبول شفاعة الشافعین هو الخالق والمالک لکل الموجودات التی بدأ وجودها منه ثم تعود إلیه فی نهایة المطاف .
وعلى هذا فانَّ الشفیع فی الأساس هو الله تعالى ، لا منافس له فی ذلک بل یستمد الآخرون منه مشروعیة شفاعتهم ، ومن الواضح أنّ انحصار حق الشفاعة به تعالى دون سواه لا یتنافى أبداً مع مشروعیته للآخرین ، کما أنّ الملکیة والحاکمیة له دون سواه ، ویمکن للآخرین الملک والحکم بإذنه وبأمره وفی حدود خاصّة .
وما یسترعی الاهتمام هنا هو أنّ الآیة السابقة لها قالت حین نفت شفاعة الأوثان: (قُلْ اَوَلَوْ کَانُوا لاَیَملِکُونَ شَیئاً وَلاَ یَعقِلُونَ ) . (الزّمر / 43)
وهذا التعبیر دلیل واضح على أنّ الشفاعة من مختصات المالکیة والحاکمیة ، وإنّما اختص بها الله تعالى لأنّه هو المالک والحاکم الأصل فی عالم الوجود والآخرون یقتاتون على فُتات مائدة نعمته .