لو ألقینا نظرة امعان على مفهوم الشفاعة لوجدناها من زاویة المصداق الخارجی واسعة إلى حد أنّها تشمل کل عالم الوجود ، لأنّ مساعدة الکائنات الأقوى للکائنات الأضعف على العیش والنجاة والحیاة مشهودة فی جمیع مجالات الحیاة .
فحین تنفلق البذرة وتخرج منها نبتة ضعیفة تهیّء لها الأرض المواد الغذائیة اللازمة ، وترسل علیها الشمس أشعتها وحرارتها وطاقتها الخفیة ، وتُسقط علیها الغیوم قطرات متواصلة من المطر ، لکی یشتد هذا الکائن الضعیف ویجتاز العقبات لیغدو فی نهایة المطاف شجرة ضخمة محمّلة أغصانها بالثمار ، هذا مشهد واضح للشفاعة التکوینیة .
وهنالک مشاهد اُخرى للشفاعة التکوینیة تتمثل فی وقوف الوالدین إلى جانب المولود الضعیف ، والمزارع إلى جانب غرسه ، والمعلم إلى جانب الطفل الذی یتعلم حروف الهجاء ، وعلى هذا یمکن اعتبار کل عالم الأسباب والعلة والمعلول مشاهد متنوعة لهذه الشفاعة .
إنّ الشمس والریح والمطر والأرض لا تهرع بالتأکید لإعانة خشبة یابسة ، فهی حطب ولا مصیر لها سوى الاحتراق ، بل تهب لمساعدة النبتة المتفتحة توّاً والبراعم الضعیفة، وباختصار فإنّ کل کائن یمتلک مقوّمات الکمال والنمو .
ولو نقلنا هذا المثال الواضح من عالم التکوین إلى عالم التشریع أی إلى شفاعة الأنبیاء والأولیاء للمذنبین ، سیتضح لنا المفهوم الحقیقی للشفاعة القرآنیة ، ویکون ذلک ردّاً على انتقادات الجهلة ، وهنا تبرز لنا الشفاعة بمفهومها التربوی على أکمل وجه .
وردت فی نهج البلاغة للإمام أمیرالمؤمنین علی (علیه السلام) ضمن کلماته القصار ، جملة تعکس هذا المعنى بأسلوب جذّاب جدّ یقول فیه : «الشفیع جناح الطالب» (1) .
فکما أنّ الطیور صغیرة السن لا یمکنها الطیران إلاّ بمساعدة الأب والأم وکأنّهما یمثلان اجنحتها التی بها تطیر إلى أن تکبر ، فکذلک الشفعاء یساعدون المشفوع لهم لیحلّقوا فی سماء السعادة والکمال ، (فتأمل) .