نقد الروایات المرتبطة بأسطورة الغرانیق:

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء السابع)
ثمرة البحث:اسطورتا الآیات الشیطانیة والغرانیق:

کما تقدّم القول إنّ الآیات السابقة لا تحتوی على ما یتنافى وعصمة الأنبیاء، بل هی على العکس دلیل على عصمتهم، لکن هناک قضایا عجیبة جدّاً یمکن مشاهدتها فی الروایات المذکورة فی بعض مصادر أهل السنّة من الدرجة الثانیة والتی ینبغی التحقیق فیها على انفراد، هذه الروایات التی ذکرناها فی بدایة البحث، منقولة تارةً عن ابن عبّاس وأخرى عن سعید بن جبیر وثالثة عن البعض من الصحابة أو التابعین(1).

مع أنّ هذه الروایات لم تشاهد فی أی مصدر لأتباع مذهب أهل البیت (علیهم السلام)، کما أنّه لا وجود لها أیضاً فی کتب الصحاح الستّة على حدّ قول بعض علماء أهل السنّة، حتّى أنّ المراغی یقول فی تفسیره: «وقد دسّ بعض الزنادقة فی تفسیر هذه الآیة أحادیث مکذوبة لم ترد فی کتاب من کتب السنّة الصحیحة، وأصول الدین تکذبها، والعقل السلیم یرشد إلى بطلانها ... ویجب على کلّ العلماء طرحها وراء ظهورهم، ولا یضیعوا فی تأویلها وتخریجها، ولا سیّما بعد أن نصّ الثقات من المحدّثین على وضعها وکذبها»(2).

کما ونقرأ نفس هذا المعنى بشکل آخر فی تفسیر «الجواهر» لـ «الطنطاوی» حیث یقول: «هذه الأحادیث لم تذکر فی أی واحد من کتب الصحاح الستّة مثل موطأ مالک، صحیح البخاری، صحیح مسلم، جامع الترمذی، سنن ابن داود، وسنن النسائی»(3).

ولـذا لم یذکـره کتاب «تیسیر الوصول لجامع الأصول» الجامع للـروایات التفسیریة للکتب الستّة، وذلک عند تفسیره لآیات سورة النجم. ومن هنا فلیس من اللائق الإهتمام بهذا الحدیث أو حتّى التحدّث به، فضلا عن التعلیق علیه أو ردّه ... هذا الحدیث کذب واضح!»(4).

من الأدلّة التی یذکرها «الفخر الرازی» على کون هذا الحدیث من الموضوعات قوله: «وأیضاً فقد روى البخاری فی صحیحه أنّ النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) قرأ سورة النجم وسجد فیها المسلمون والمشرکون والإنس والجنّ، ولیس فیه حدیث «الغرانیق»، وروی هذا الحدیث من طرق کثیرة ولیس فیها حدیث الغرانیق بتاتاً»(5).

ولم یقتصر الأمر على المفسّرین الذین ذکرناهم، بل هناک أفراد آخرون أیضاً مثل «القرطبی» فی تفسیر «الجامع» وسیّد قطب فی تفسیره «فی ظلال القرآن» وغیرهما وعموم کبار مفسّری الشیعة أیضاً، حیث اعتبروا هذه الروایة من الخرافات والموضوعات ونسبوها إلى أعداء الإسلام.

ومع کلّ هذا فلا عجب أن یضع أعداء الإسلام خصوصاً المستشرقون الحاقدون الأموال الطائلة فی خدمة نشر هذه الروایة ویقومون بالعمل علیها بکلّ جدیّة، وقد رأینا فی الأونة الأخیرة کیف أنّهم شجّعوا کاتباً شیطانیاً لتألیف کتاب تحت عنوان «الآیات الشیطانیة»، حیث إنّه استفاد من عبارات رکیکة جدّاً ومن خلال قصّة خیالیة لم یقتصر على هتک مقدّسات الإسلام ووضعها فی معرض الشکّ والتردید فحسب، بل أهان الأنبیاء العظام الذین تکنّ لهم کلّ الأدیان السماویة الاحترام أیضاً (مثل إبراهیم على نبیّنا وآله وعلیه السلام).

ولیس عجیبـاً أیضاً أن یتـرجم النصّ الانکلیزی لهذا الکتاب إلى مختـلف اللغـات وبسرعة خیالیة، ویوزّع فی کلّ أنحـاء العالم، وحینما أصدر الإمام الخمینی(قدس سره)فتـواه التأریخیة بارتـداد کاتب هذا الکتاب أی «سلمان رشدی» ولزوم قتله، بادرت الدول الاستعماریة وأعداء الإسلام إلى حمـایته بشکـل منقطع النظیر. هذه الحرکة العجیبة أثبتت أنّ هنـاک من یقف وراء سـلمان رشدی وأنّ المسألة هی أکبر من مجرّد تألیف کتاب معاد للإسلام، وأنّها فی الواقع خطّة مدروسة من قبـل الغرب المستعمر والصهیونیة لضرب الإسلام من خلال وقوفهم معه بکلّ حزم.

لکن الصمود القوی للإمام الخمینی (قدس سره) فی فتواه، واستمرار نهجه من قبل نوّابه، وما نالته تلک الفتوى من القبول والترحاب من قبل غالبیة الشعوب المسلمة فی العالم خیّب آمال المفتعلین، بل لا زال مؤلّف هذا الکتاب وإلى لحظة تدویننا لهذا البحث یعیش متخفیاً فی محلّ مجهول بالکامل، تحت رقابة مشدّدة من قبل الدول الاستعماریة، ویبدو أنّه مضطرّ للعیش هکذا إلى آخر لحظات حیاته إن لم یقتل على أیدی نفس تلک الدول، فیما لو أرادت غسل ذلک العار الذی لحق بها نتیجة دفاعها عنه.

وبناءً على هذا فالدافع لـ «وضع» هذه الروایة المزورة سیکون هو السبب فی بقائها أیضاً، وبعبارة اُخرى هناک محاولة من قبل أعداء الإسلام کانت قد بدأت فی السابق، ثمّ واصلت مسیرها بعد الف سنة أو أکثر مدعومة من قبل طائفة أخرى وبصورة مکثفة.

ومن هنا فلا حاجة لنقل التبریرات التی اُثیرت بشأن هذا الحدیث کالتی وردت فی تفسیر «روح المعانی» بشکل موسّع، أو فی تفاسیر أخرى بشکل مرکّز.

وکما أکد کبار علماء الإسلام فان الحدیث الذی یکون أساسه خاویاً فإنّه لا یستحق أن یعطى اهمیة فی تفسیره أو تسلیط الأضواء علیه.

لکن هناک بعض الملاحظات ینبغی ذکرها لتوضیح المطلب لیس إلاّ وهی:

1 ـ الصراع المریر لنبی الإسلام (صلى الله علیه وآله) ورفض المساومة مع عبدة الأصنام والأوثان عند بدء الدعوة وإلى آخر عمره، وهو أمر لا یخفى على أحد من الأعداء والأصدقاء، وأهمّ شیء لم یساوم علیه أبداً ولم یتصالح أو یزیغ عنه هو هذا الموضوع، فکیف یمکن والحالة هذه أن یمدح أصنام المشرکین بهذه الأوصاف ویذکرها بخیر؟

وقد أکدت التعالیم الإسلامیة أنّ الذنب الوحید الذی لم یغفر أبداً هو الشرک وعبادة الأوثان، ولذا اعتبر مسألة ضرب أماکن عبادة الأصنام واجبة على کلّ مکلّف مهما کلفه الأمر، کما أنّ القرآن من ألفه إلى یائه شاهد على ذلک ویشکل بنفسه قرینة واضحة على وضع حدیث الغرانیق الذی ذکر فیه تمجید ومدح الأوثان والوثنیة.

2 ـ فضلا عن أنّ الذین وضعوا اسطورة الغرانیق لم یلتفتوا إلى هذا الموضوع وهو أنّ مروراً بسیطاً على آیات سورة النجم یبطل هذه الخرافة، ویثبت عدم وجود الإنسجام بین مدح وتمجید الأوثان فی جملة «تلک الغرانیق العلى، وأنّ شفاعتهنّ لترتجى» وبین الآیات التی تحفّ بها، إذ قد صرّح فی بدایة نفس هذه السورة بأنّ النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) لم ینطق عن هوى النفس أبداً وأنّ کلّ ما یقوله بالنسبة لعقائد وقوانین الإسلام إنّما هو من الوحی الإلهی (وَمَا یَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ یُوحَى). (النجم / 3 ـ 4)

وتصرّح الآیات بأنّ النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)لم ینحرف أبداً عن طریق الحقّ (مَا ضَلَّ صَاحِبُکُمْ وَمَا غَوَى).

وأی ضلال وانحراف أعظم من یأتی بحدیث عن الشرک والثناء على الأصنام بین آیات التوحید؟ وأی منطق أسوء من أن یضیف کلام الشیطان (تلک الغرانیق العلى) إلى کلام الله تبعاً للهوى.

والمثیر هنا أنّ الآیات التی تتلوها تذمّ الأصنام والمشرکین وتقول (إِنْ هِىَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّیْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُکُمْ مَا أَنزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَان إِنْ یَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الاَْنْفُسُ). (النجم / 23)

أی عاقل یصدّق أنّ شخصاً رزیناً حکیماً وفی مقام النبوّة وإبلاغ الوحی، یمدح الأصنام فی الجملة السابقة ویذمّها بشدّة وعنف فی جملتین بعدها؟! کیف یمکن توجیه هذا التناقض الصارخ بین الجملتین تباعاً؟

ومن هنا یجب الإعتراف بأنّ الإنسجام القائم بین آیات القرآن هو بشکل یرفض کلّ شبهة تضاف إلیها من قبل المعاندین والمغرضین، ویثبت کونها جملة غریبة وإضافة غیر متجانسة وأنّها لیست فی محلّها، هذا هو المصیر الذی ابتلی به حدیث الغرانیق بین طیّات آیات سورة النجم.

وهنا یبقى سؤال واحد، وهو البحث عن السرّ وراء کلّ هذه الشهرة، التی لاقاها موضوع تافه لا أساس له کهذا؟

جـواب هذا السؤال لیس بتلک الصعوبة أیضاً، إذ إنّ الفضل فی شهرة هذا الحـدیث یعود بالدرجة الاُولى إلى مسـاعی الأعداء والمرضى، الذین یظنّون أنّهم قد عثروا على اداة جدیدة للطعن فی مقام عصمة نبی الإسلام واصالة القرآن، وبناءً على هذا التحلیل یتّضح شهرته بین الأعداء وهـو ممّـا لا یخفى، امّا شهرته بین المؤرخّین الإسلامیین المسـلمین فعلى حدّ قول بـعض علماء الإسلام، ناتج من کون هؤلاء المؤرخّین یبحثون عن کلّ ما هو مثیر وغریب وفرید من نوعه وإن کان یفتقر إلى الاصالة التأریخیّة لدرجه بین طیّات کتبهم، لیزیدوا من جاذبیتها قدر المستطاع، ونظراً لکون قصّة کأسطورة الغرانیق حادثة غریبة تنسب إلى حیاة نبی الإسـلام(صلى الله علیه وآله) فلم تخلُ منها کتبهم التأریخیة، بل وحتّى الروائیة منها

بغضّ النظر عن ضعف أسانیدها وتفاهة محتواها. کما أنّ البعض أیضاً قد ذکرها للنقد والتحلیل.


1. لمزید من الإطّلاع على طرق هذه الروایات عند أهل السنّة یمکن الرجوع إلى تفسیر درّ المنثور، ج 4، ص 366 ـ 368 ذیل الآیة 52 من سورة الحجّ.
2. تفسیر المراغی، ج 17، ص 130، ذیل الآیات مورد البحث.
3. یجب الإلتفات إلى أنّ سنن ابن ماجه هی من الصحاح الستّة لا موطأ مالک.
4. تفسیر الجواهر، ج 6، ص 46.
5. تفسیر الکبیر، ج 23، ص 50.

 

ثمرة البحث:اسطورتا الآیات الشیطانیة والغرانیق:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma