1 ـ هل لعصمة الأنبیاء صفة «جبریّة»؟

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء السابع)
2 ـ هل تنسجم العصمة مع التقیّة ؟أسئلة متعدّدة:

الکثیر من الأشخاص حینما یقرأون بحث عصمة الأنبیاء، یتبادر إلى أذهانهم فوراً هذا السؤال وهو أنّ مقام العصمة موهبة إلهیّة مفروضة على الأنبیاء والأئمّة، وکلّ من نال هذه «الموهبة» فقد حُفظ من المعصیة والخطأ، ومن هنا فلن تعد معصومیتهم فضیلة وفخراً، لکونها أمراً إلهیّاً مفروضاً کما تقدّم.

وبناء على هذا فارتکاب الخطأ مع وجود مقام العصمة مستحیل، وواضح أنّه لا فضیلة فی ترک المحال، فعدم ظلمنا مثلا للناس الذین سیأتون بعد مائة عام أو الذین عاشوا قبل مائة عام لا یعدّ لنا فضیلة وفخراً، لأنّ أداء مثل هذا العمل بالنسبة لنا محال!

الجواب:

بالرغم من أنّ هذا الإشکال لا یتعرّض إلى عصمة الأنبیاء (علیهم السلام)، بل إلى کونها فضیلة أم لا، مع ذلک فالتمعّن فی عدّة ملاحظات یمکن أن یزیح الستار عن الغموض المحیط بهذا السؤال:

1 ـ إنّ الذین یثیرون هذا الإشکال لا یلتفتون إلى جذور عصمة الأنبیاء(علیهم السلام)، بل یتصوّرون أنّ مقام العصمة مثلا هو کالمناعة من بعض الأمراض والتی تحصل للإنسان عن طریق بعض اللقاحات، فکلّ من یلقّح بمثل هذا اللقـاح لن یبتلى بذلک المرض شاء أم أبى. لکنّنا عرفنا فی الأبحاث السابقـة أنّ مصونیة المعصومین من المعاصی نابعة من مقام معرفتهم وعلمهم وتقواهم، بالضبط کاجتنابنا لقسم من الذنوب لعلمنا وإحاطتنا بسلبیاتها، کعدم الخروج إلى الزقاق عراةً، وهکذا بالنسبة لمن له اطّلاع تامّ بالآثار السلبیة للمواد المخدّرة ویعلم بأنّ الإدمان علیها یتسبّب فی موت تدریجی بطیء، فسوف یتجنب تعاطیها.

فمـن المسلّم أنّ ترکه هذا یعدّ فضیلة حتّى لو کان الدافع له على ترکها هو علمه بمفاسدها، وذلک لقدرته على استعمالها، إذ لا إجبار فی البین.

ولهـذا السبب نسعى لرفع مستوى معرفة وتقـوى الأفراد عن طـریق التربیة والتعلیم، لنضمـن ابتعادهم عن الذنوب الکبیرة والأعمال الشنیعة على أقل تقدیر.

أفـلا یعدّ ترک البعض لقسـم من هذه الأعمال نتیجة للتربیة والتعلیم فضیلة؟!

وبعبارة أخرى إنّ ترک الأنبیاء للذنوب محال عادی لا عقلی، ونعلم بعدم المنافاة بین المحال العادی وبین الإختیار، وکمثال على المحال العادی هو: أن یصطحب عالم جلیل معه خمراً إلى المسجد ویشربه بین صفوف الجماعة، فهذا محال عادی لا عقلی کما لا یخفى.

خلاصة القول: إنّ المستوى الرفیع للإیمان ومعرفة الأنبیاء (علیهم السلام) والذی یعدّ بنفسه فضیلة وافتخاراً، هو السبب فی فضیلة أخرى، ألا وهی مقام العصمة (تأمّل جیّداً).

ولو قیل من أین لهم هذا الإیمان وتلک المعرفة؟، لقلنا من الألطاف الإلهیّة، إلاّ أنّها لا تعطى لأی شخص اعتباطاً، بل لوجود الأهلیة الکامنة فیهم، بالضبط کما یقول القرآن الکریم بالنسبة لإبراهیم الخلیل إنّه لم یبلغ مقام الإمامة إلاّ بعد اجتیازه للإمتحـانات الإلهیّة الخطیرة: (وَإِذِ ابْتَـلَى إِبْرَاهِیمَ رَبُّهُ بِکَلِمَـات فَأَتَمَّهُنَّ قَـالَ إِنِّـى جَاعِلُکَ لِلنَّـاسِ إِمَـاماً). (البقرة / 124)

أی أنّ إبـراهیم وبعد طیّه لهذه المراحل بمحض إرادته واختیـاره، نال تلک الموهبة الإلهیّة العظیمة.

وکما یقول تعالى بالنسبة لیوسف (علیه السلام): (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَیْنَاهُ حُکْماً وَعِلْماً وَکَذَلِکَ نَجْزِى الُْمحْسِنِینَ). (یوسف / 22)

وذلک بعد تکامله البدنی والروحی واستعداده لتلقّی الوحی.

إنّ جملة (وَکَذَلِکَ نَجْزِى الُْمحْسِنِینَ) تعدّ شاهداً قویّاً على مـرادنا، إذ یقول القرآن: إنّ أعمال یوسف الإیجابیة ولیاقته هی التی هیّأته لتلک الموهبة الإلهیّة العظیمة، کما أنّ هنـاک تعابیر توضّح هذه الحقیقة بالنسبـة لموسى (علیه السلام)حیث یقول القرآن: (وَفَتَنَّـاکَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِینَ فِى أَهْـلِ مَدْیَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَر یَا مُوسَى).(1) (طه / 40)

ومن الواضح وجود مؤهلات وقابلیات کامنة فی نفوس هؤلاء العظماء، لکن تنمیتها وتقویتها لیس فیه صفة إجباریة مطلقاً، بل إنّهم قد قطعوا هذا الطریق بمحض اختیارهم وإرادتهم، وما أکثر اُولئک الذین یتمتّعون بالقابلیات لکنّهم مع ذلک لا یسعون لتطویرها ورفع مستواها، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى، فتمتّع الأنبیاء (علیهم السلام) بمثل هذه المواهب، قد وضع بالمقابل فی اعناقهم مسؤولیات خطیرة، وبعبارة أخرى إنّ الله تعالى إنّما یهب الشخص قدرة وطاقة بحیث تتناسب والمسؤولیة التی یضعها على عاتقه، ثمّ یختبره فی أداء وظیفته.

2 ـ الجواب الآخر لهذا السؤال هو أنّه ومع فرض کون الأنبیاء منزهین من ارتکاب أی ذنب وخطأ، بالعنایة الإلهیّة اجباریاً لغرض کسب ثقة الخلق، ولیکونوا مشعلا ینیر الطریق لهدایتهم، فلا زال الطریق فی «ترک الأولى» أی العمل الذی لا یتناسب وشأنهم مع عدم کونه معصیة، مفتوحاً أمامهم بالرغم من کلّ ذلک.

ففضیلتهم تعود إلى عدم ترکهم حتّى للأولى مع کونه اختیاریاً بالنسبة إلیهم، وتعرّض البعض من الأنبیاء للخطاب والعتاب الإلهی الشدید اللهجة والإبتلاء بالحرمان فی بعض الأحیان، إنّما هو لاحتمال ترکهم للأولى نادراً، وأیّة فضیلة أسمى من اجتنابهم لترک الأولى طاعة لأوامر الحقّ؟

إنّ فخر الأنبیاء یکمن فی تحمّلهم للمسؤولیة بحجم هذه المواهب، واجتنابهم حتّى لترک الأولى، ولو حدث أن صدر منهم ترک للأولى استثناءً فسرعان ما یبادرون إلى جبران ذلک.


1. جملة (ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَر یَا مُوسَى) فسّرت أحیاناً بالإستعداد لتلقّی الوصیّة وأحیاناً أخرى بالمعنى الزمانی أی أنّه ولغرض تلقّی الرسالة کان من المقدّر أن تأتی إلى هنا.

 

2 ـ هل تنسجم العصمة مع التقیّة ؟أسئلة متعدّدة:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma