ما هو علم الأسماء؟

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء السابع)
1 ـ حدود علم الأنبیاء (علیهم السلام) المنزلة العلمیة للأنبیاء (علیهم السلام)

للمفسّرین کلام طویل حول ماهیة علم الأسماء هذا، الذی یعدّ من أعظم المواهب الإلهیّة لآدم (علیه السلام)، والمنشأ لفضیلته وافتخاره ولیاقته لتسلّم مقام الخلافة الإلهیّة.

فتارة قیل: إنّ المراد به هو علم اللغات، فی حین أنّ معرفة مجموعة من اللغات لا یمکن أن تکون المنشأ لفضیلة کهذه، فضلا عن عدم تناسب هذا المعنى مع التعبیر الوارد فی هذه الآیات، لأنّ التعبیر بـ: (غَیْبَ السَّمَوَاتِ وَالاَْرْضِ) یبیّن عودة هذا العلم إلى أسرار السماوات والأرضین الخفیّة، التی بقیت خافیة عن أنظار الملائکة.

وقالوا تارةً اُخرى: إنّ المراد هو أسماء حجج الله، خصوصاً الأئمّة المعصومین الذین کانت أرواحهم مخلوقة من قبل، وقد ورد مثل هذا التفسیر فی بعض الروایات.

لکن من المسلّم أنّ مثل هذه الروایات لیست أکثر من إشارة إلى البعض من المصادیق المهمّة لهذا العنوان الکلّی، کما علیه أسلوب الروایات التفسیریة، لا أنّ «علم الأسماء» یختصّ بها.

لکن الکثیر من المفسّرین قالوا: إنّ المراد من «الاسم» هنا هو «المسمّى»، أی أنّ الله علّم آدم کلّ العلوم المرتبطة بالأرض والسماء، وأنواع الصناعات واستخراج المعادن وغرس الأشجار وخواصها ومنافعها، (أو أنّه تعالى وضعها فی کیانه ووجوده بشکل مرکّز).

وعلى هذا فقد تعرّف آدم على کلّ أسرار العالم، وهیّأ الأرضیة لذرّیته للإحاطة بکلّ هذه الأسرار. فأیّة فضیلة أسمى وأرفع من التمتّع بمثل هذا العلم، وکذلک جعل القابلیة على نیله فی متناول أولاده أیضاً.

ولذا نقرأ فی حدیث الإمام الصادق (علیه السلام) حو تفسیر هذه الآیة قال: «الأرضین والجبال والشعاب والأودیة ثمّ نظر إلى بساط تحته فقال هذا البساط ممّا علمه»(1)، (وباختصار کلّ موجودات العالم).

هذا التعبیر یبیّن أنّ آدم (علیه السلام) کان عالماً بکلّ هذه العلوم.

وهناک کلام للمرحوم «العلاّمة الطباطبائی» فی «المیزان» حاصله: «أوّلا یستفاد من تعابیر الآیة أنّ هذه «الأسماء» سلسلة أمور غائبة عن العالم السماوی والأرضی، خارج محیط الکون، ولها مفهوم عام واسع أشیر إلیه بلفظة «کلّها» کما أنّ الضمیر «هم» بصیغة الجمع، مشعر بأنّ کلّ هذه الأسماء کانت موجودات حیّة عاقلة مستورة فی عالم الغیب»، ثمّ یضیف قائلا: «وإذا تأمّلت هذه الجهات أعنی عموم الأسماء، وکون مسمّیاتها لها حیاة وعلم، وکونها غیب السموات والأرض، قضیت بانطباقها بالضرورة على ما أشیر إلیه فی قوله تبارک وتعالى: (وَإِنْ مِنْ شَىْء إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَر مَعْلُوم).(الحجر / 21)

وأخیراً یقول العلاّمة: «فتحصّـل أنّ هؤلاء الـذین عرضهم الله على الملائکة موجـودات عالیة محفوظة عند الله، محجوبة بحجب الغیب، أنزل الله کلّ اسم فی العالم بخیرها وبرکتها، واشتقّ کلّ ما فی السموات والأرض من نورها وبهائها»(2).

على أیّة حال فقد کان «علم الأسماء» علماً واسعاً محیطاً بکلّ الحقائق المهمّة لهذا العالم.

2 ـ یقول الله تعالى حول موسى بن عمران (علیه السلام):

(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَیْنَاهُ حُکْماً وَعِلْماً وَکَذَلِکَ نَجْزِى الُْمحْسِنِینَ).(القصص / 14)

3 ـ ویقول عن داود (علیه السلام):

(وَقَتَلَ دَاوُدُ (الذی کان فی ذلک الزمان فتى فی ریعان الشباب) جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْکَ وَالْحِکْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا یَشَاءُ). (البقرة / 251)

4 ـ ویقول عن داود وسلیمان (علیهما السلام):

(وَکُلاًّ آتَیْنَا حُکْماً وَعِلْماً). (الأنبیاء / 79)

5 ـ ویقول عن النبی لوط (علیه السلام):

(وَلُوطًا آتَیْنَاهُ حُکْماً وَعِلْماً). (الأنبیاء / 74)

6 ـ کما یکرّر نفس هذا المعنى فی حقّ یوسف (علیه السلام) إذ یقول:

(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَیْنَاهُ حُکْماً وَعِلْماً). (یوسف / 22)

و لابدّ من الإلتفات هنا إلى هذه النکتة، وهی أنّ لفظة (علماً) قد وردت فی هذه الآیات بصیغة «النکرة» وذلک لبیان العظمة التی لا نعرف لها حدّاً وحدوداً.

البعض فسّر لفظة الـ «حکم» فی هذه الآیات بمعنى مقام «القضاء» والبعض فسّرها بمعنى مقام «النبوّة»، وحملها البعض الآخر على معنى العلم الخاصّ الذی یساعد الإنسان على تمییز الحقّ من الباطل، وبعبارة أخرى أن المراد هو العقل والفهم والقدرة على القضاء الصحیح، والفصل بین الحقّ والباطل(3)، لکن بالنتیجة یمکن لکلّ واحدة من هذه المعانی أن تکون شاهداً على المراد.

7 ـ ویقول حول السیّد المسیح (علیه السلام):

(وَإِذْ عَلَّمْتُکَ الْکِتَابَ وَالْحِکْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالاِْنجِیلَ). (المائدة / 110)

8 ـ ویقول حول نبی الإسلام (صلى الله علیه وآله):

(وَأَنزَلَ اللهُ عَلَیْکَ الْکِتَابَ وَالْحِکْمَةَ وَعَلَّمَکَ مَا لَمْ تَکُنْ تَعْلَمُ وَکَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَیْکَ عَظِیماً). (النساء / 113)

9 ـ وفی موضع آخر وبعد الإشارة إلى فریق من الأنبیاء العظام، أی إبراهیم وإسحاق ویعقوب ونوح وداود وسلیمان وأیّوب ویوسف وموسى وهارون وزکریا ویحیى وعیسى وإلیاس واسماعیل والیسع ویونس ولوط یقول:

(أُوْلَئِکَ الَّذِینَ آتَیْنَاهُمُ الْکِتَابَ وَالْحُکْمَ وَالنُّبُوَّةَ). (الأنعام / 89)

وبناءً على هذا فقد وهب الله ثلاثة امتیازات مهمّة لهؤلاء الأنبیاء العظام الثمانیة عشر، لکنّها لم تکن تختصّ بهم فقط بل کانت شاملة لکلّ الأنبیاء الإلهیین ببداهة الحال، وهی: «الکتاب السماوی» و «الحکم» و «النبوّة»، طبعاً ینبغی ألاّ یفهم من هذا الکلام أنّ کلّ واحد منهم کان یمتلک کتاباً مستقلا، بل إنّ فریقاً منهم کان قد اُوحی إلیه کتاب، وفریقاً آخر کان حافظاً لکتب السلف.

10 ـ هناک تعبیر بلیغ آخر یشاهد فی آیات القرآن حول هذا الموضوع بالنسبة للنبی الأکرم (صلى الله علیه وآله)، وخلفائه المعصومین، وهو تعبیر (الرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ)حیث یقول القرآن، وبعد تقسیمه للآیات القرآنیة إلى «المحکمات» (الآیات الصریحة والواضحة) و«المتشابهات» (الآیات التی لیست کذلک):

(وَمَا یَعْلَمُ تَأْوِیلَهُ (أی المتشابهات) إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ ، (ونظراً لفهمهم أسرار آیات القرآن) یَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ کُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا یَذَّکَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الاَْلْبَابِ).(آل عمران / 7)

ومعـلوم أنّ هناک حدیثـاً مفصّلا بین المفسّرین حول تفسیر هذه الآیة، وأنّه هل یـجب الوقوف بعد لفظ الجـلالة «الله» وفصل جمـلة (وَالرَّاسِخُـونَ فِى الْعِلْمِ)، لیفهـم منها أنّ الراسخین فی العـلم یؤمنون إجمالا بالآیـات المتشابهة وإن لم یکن لهم إلمام کاف بها، أم أنّ جملة «الراسخون فی العلم» معطوفة على لفظ الجلالة «الله» لیفهم منها أنّ کلا من الله وکذلک الراسخین فی العلم لهم اطّلاع بتأویل هذه الآیات، وقد اخترنا فی التفسیر الأمثل الشقّ الثانی، وذکرنا هناک أربعة أدلّة على مدّعان(4).

على أیّة حال فعبارة «الراسخون فی العلم» تدلّ على أنّ لهؤلاء القادة العظام سهماً وافراً من العلم، لأنّ لفظة «الرسوخ» وعلى حدّ قول صاحب المفردات تعنی ثبات الشیء متمکّناً، وأنّ الراسخ فی العلم هو المحقّق به الذی لا تعترضه شبهة.

فنستنتج من مجموع هذه الآیات بکلّ وضوح، أنّ للأنبیاء الإلهیین حصّة کبیرة من العلوم والمعارف.


1. تفسیر مجمع البیان، ج 1، ص 76.
2. تفسیر المیزان، ج 1 ذیل الآیات مورد البحث، یمکن أن یکون مراد العلاّمة من هذا الکلام المجمل شیئاً شبیهاً بالمثل الافلاطونیة أو العقول العشرة.
3. راجع تفسیر مجمع البیان، ج 5، ص 222، ذیل الآیة22 من سورة یوسف.
4. یرجى مراجعة التفسیر الأمثل، ذیل الآیة مورد البحث.

 

1 ـ حدود علم الأنبیاء (علیهم السلام) المنزلة العلمیة للأنبیاء (علیهم السلام)
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma