جمع الآیات و تفسیرها

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء السابع)
النتیجة: تمهید:

اعتبر علم الغیب فی هذا القسم من الآیات التی وردت بتعابیر شتّى خاصّاً بالله تعالى وأنّه لا سبیل لغیره إلیه.

قال تعالى فی الآیة الاُولى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَیْبِ لاَ یَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ).

إنّ تقدیم ظرف المکان (عنده) فی أوّل الآیة دلیل على الإنحصار، وکذا ذیل الآیة الذی یصرّح قائلا: لا یعلمها إلاّ هو.

المفاتح جمع «مِفْتَح» (على وزن مِنْجل) بمعنى المفتاح، وجمع «مَفْتَح» (على وزن دفتر) بمعنى الخزانة ومحلّ حفظ الأشیاء(1)، وقد ذکر المفسّرون کلا المعنیین للآیة، إذ قالوا تارةً: إنّ کلّ خزائن الغیب عند الله، واُخرى کلّ مفاتیح الغیب، لکن نتیجة کلیهما واحدة وإن اختلفت العبارات.

وقد اعتبرها بعض المفسّرین، واستناداً إلى ما جاء فی صحیح البخاری فی تفسیر الآیة، إشارة إلى الاُمور الخمسة الواردة فی آخر سورة لقمان، لکن لایخفى أنّ مفهوم الآیة أوسع من ذلک بکثیر، بحیث یشمل کل خزائن الغیب ومفاتیحه.

ویبدو أنّ ما جاء فی الروایة حول آخر سورة لقمان کان بیاناً لمصادیق جلیّة له، ولذ أشار فی ذیل الآیة مورد البحث إلى کلّ الأوراق الساقطة من الأشجار، والحبوب فی باطن الأرض، وکلّ رطب ویابس فی عالم الوجود، واعتبرها ثابتة فی اللوح المحفوظ، لوح علم الباری تعالى.

وفی الآیة الثانیة کان الخطاب موجّهاً إلى نبی الإسلام (صلى الله علیه وآله): (فَقُلْ إِنَّمَا الْغَیْبُ للهِِ).

وکان هذا فی معرض الجواب عن سؤال المشرکین الذین یتحججون على النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)بإظهار المعجزات (المعجزات التی کانوا یقترحونها هم بأنفسهم من باب الإصرار والعناد للتذرّع بها متى ما مشاءوا)، وبناءً على هذا فالقرآن یقول للنبی (صلى الله علیه وآله): تخلى عن مسؤولیة مثل هذه الاُمور، إنّها من أسرار الغیب التی لا یعلمها إلاّ الله، ومتى ما شاء فسیصدر أمره، فلا تستسلم أبداً لرغبات المتذرّعین الحمقى!

ونفس هذا المعنى جاء فی ثالث آیة وبتعبیر آخر، حیث إنّ الله تعالى یعلّم نبیّه (صلى الله علیه وآله)ماذا یقول لأهل الحجج الذین یصرّون على السؤال عن موعد یوم القیامة، فیأمره أن یقول لهم: إنّ هذا من أسرار الغیب وأنّه لا أحد فی السماوات والأرض یعلم الغیب، وموعد یوم القیامة ومتى یکون البعث؟: (قُلْ لاَ یَعْلَمُ مَنْ فِى السَّمَوَاتِ وَالاَْرْضِ الْغَیْبَ إِلاَّ اللهُ وَمَا یَشْعُرُونَ أَیَّانَ یُبْعَثُونَ).

صحیح أنّ مورد نزول هذه الآیة هو یوم القیامة، لکن مفهومها أوسع بل شامل لکلّ الغیوب.

وفی رابع آیة یأمر الله نبیّه بصراحة: (قُلْ لاَ أَقُولُ لَکُمْ عِندِى خَزَائِنُ اللهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَیْبَ ... إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا یُوحَى إِلَىَّ).

هـذا الکلام أیضاً کان ردّاً على المشرکین المعاندین، الذین یطلبون منه کلّ یوم معجزة ثمّ لم یقتنعوا حتّى بمشاهدتها، کما کانوا یطلبون منه أن یطلعهم على أسرار الغیب.

واعلم جیّداً أنّ جملة (إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا یُوحَى إِلَىَّ) الواردة فی ذیل الآیة هی إحدى المفاتیح لحلّ غوامض علم الأنبیاء (علیهم السلام)، والتی سنتکلّم عنها بالتفصیل ان شاء الله.

کما ورد نظیر هذا المعنى وبتفاوت ضئیل فی الآیة: (وَلاَ أَقُولُ لَکُمْ عِندِى خَزَائِنُ اللهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَیْبَ). (هود / 31)

هذ التفاوت هو أنّ الاُولى کانت على لسان نبی الإسلام(صلى الله علیه وآله)والثانیة على لسان نوح (علیه السلام).

و نلاحظ فی الآیة الخامسة تعبیراً جدیداً حول هذا الموضوع، حیث یؤمر النبی بنفی علم الغیب عن نفسه باستدلال لطیف، إذ یأمره تعالى: (قُلْ لاَ أَمْلِکُ لِنَفْسِى نَفْعاً وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ کُنتُ أَعْلَمُ الْغَیْبَ لاَسْتَکْثَرْتُ مِنَ الْخَیْرِ وَمَا مَسَّنِىَ السُّوءُ).

مع أنّ هذه الآیة قد جاءت بعد الآیة التی تتحدّث عن موعد یوم القیامة، وانحصار علمه بالله تعالى، لکن مفهومها واستدلالها أوسع کثیراً.

ومن البدیهی أنّ الکثیر من المنافع التی تفوت الإنسان أو الأضرار التی تلحق به ناشئة من عدم وقوفه على عاقبة الاُمور وأسرار الغیب، ولو کان له اطّلاع علیها لتجنّب شرّها ولجلب لنفسه خیرها، فعجزه عن ذلک دلیل على عدم اطّلاعه على أسرار الغیب.

فی سادس آیة یعتبر علم الغیب إحدى الصفات الخاصّة بالله تعالى حیث یقول: (عَالِمُ الْغَیْبِ وَالشَّهَادَةِ).

هذا التعبیر الذی ورد فی عدّة آیات من القرآن(2) باعتباره إحدى الصفات البارزة لله تعالى، یبیّن أنّ الله وحده هو المحیط بغیب وشهود الکون، حیث إنّها ذکرت کصفة خاصّة وفی مقام الحصر، فیستفاد منها أنّ غیره تعالى حتّى الأنبیاء لم یکونوا مصادیق لـ (عَالِمُ الْغَیْبِ وَالشَّهَادَةِ).

ومـع أنّ المفسّرین قد ذکروا عـدّة احتمالات لتفسیر هذه الآیة، إذ فسّرها بعضهم ب « عالم السِّـرِّ والعَلانِیةِ»، والـبعض الآخر بـ «ما کان وما یکون»، وثالث بـ «العالم بالدنیا والآخرة»، ورابـع بـ «العـالم بما هو ظاهر لخلقـه وما هو خفی عنهم»(3)، لکن من الواضح أنّ کلّ هذه قد وردت حول معنى الآیة بصیغة الجمـع، لأنّ کلمتی «الغیب» و«الشهادة» اللـتین تعنیان هنـا العموم، والمذکورتین بـ (الف ولام الجنس)، شاملة لکلّ الغیوب والشهود الأعمّ من السابقة واللاحقة، الدنیا والآخرة، السرّ وأخفى، السماوات والأرض، المادیات والمجردات.

ومع أنّ هذا التعبیر فی الآیات العشر المشار إلیها، قد ذکر فی کلّ مناسبة لغرض معیّن، وأنّ القرآن استنتج من کلّ مورد نتیجة، لکن مفهومه فی کلّها واحد، وهو الإحاطة العلمیة لله بأسرار الغیب والشهادة الخاصّة بذاته المقدّسة.


1. تفسیر الکبیر، ج 13، ص 8، ذیل الآیة مورد البحث.
2. الأنعام، 73; التوبة، 94 و105; الرعد، 9; المؤمنون، 92; السجدة، 6; الزمر، 46; الحشر، 22; الجمعة، 8; التغابن، 18.
3. تفسیر القرطبی، ج 9، ص 6524، ذیل الآیة22 من سورة الحشر.

 

النتیجة: تمهید:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma