7 ـ القرآن وخلق الجبال

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء الثامن)
8 ـ عنصر الزوجیة بین النباتات فی القرآن 6 ـ القرآن ووجود الحیاة فی المجرات الاُخرى

وردت فی القرآن الکریم عبارات مختلفة وغنیة فی معانیها فی مجال خلق الجبال ، یقول تعالى فی أحد المواضع : ( وَاَلْقَى فِى الاَرْضِ رَوَاسِىَ اَنْ تَمِیدَ بِکُمْ وَاَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّکُمْ تَهْتَدُونَ ). (النحل / 15)

وفی موضع آخر یقول تعالى : ( اَلَمْ نَجْعَلِ الاَرْضَ مِهَادَاً * وَالْجِبالَ اَوْتَادَ ). (النبأ/6ـ7)

ونقرأ فی آیة اُخرى قوله عزّ وجلّ : ( وَجَعَلْنَا فِیهَا رَواسِىَ شَامِخَات وَاَسْقَیْنَاکُمْ مَّاءً فُرَات ). (المرسلات / 27)

ویقول تعالى أیض : ( وَاَلْقَى فِى الاَرْضِ رَواسِىَ اَنْ تَمِیدَ بِکُمْ وَبَثَّ فِیهَا مِنْ کُلِّ دَابَّة ). (لقمان / 10)

وهناک آیات اُخرى بهذا المضمون أو قریبة منها فی القرآن الکریم أیض .

الأمر الذی نواجهه لأول وهلة فی هذه الآیات ، هو تأثیر وجود الجبال فی الحفاظ على استقرار الأرض ، والتی عبر عنها تارة ب «الأوْتاد » والتی تستخدم عادة فی اقفال أقسام مختلفة من الأبواب والصنادیق والسفن وما شابه ذلک ، أو صیانة المخیمات وتقویتها فی مقابل هبوب الریاح .

وتارة اُخرى عبر عنها ب «أنْ تَمیدَ بِکُم » المأخوذة من مادة « مَیْدان » بمعنى الاهتزاز والاضطراب ، ومعنى ذلک أنّ الجبال تَحُدُّ دون اضطراب الأرض واهتزازه . ولم یطلع أحد على هذا المطلب فی ذلک العصر ، ونحن فی هذا الوقت نعلم جیداً مدى دور الجبال على هذا الصعید ، وذلک للنقاط التالیة :

أول : إنّ الجبال فی واقع الأمر هی فی قوة أحد الدروع الفولاذیة التی تحیط بالأرض من کل جوانبه ، ونظراً لقوة ارتباطها واتصالها باعماق الأرض تشکل بدورها أحد الشبکات القویة الشاملة ، وإذا لم یکن کذلک وکانت الرمال الناعمة تغطی صعید الأرض ، لوقعت تحت تأثیر الجاذبیة القویة للقمر بکل سهولة ، ولهزَّ الجزر والمدُّ کل شیء على الیابسة نظیر المد والجزر فی البحار ، واستولى الاضطراب والاهتزاز والحرکة على وجه الأرض فی اللیل والنهار ، ولتعرض لإمکان الانهدام والسقوط کل مبنى من المبانی .

بیدَ أنّ وجود هذا الحصن المنیع فی الأرض ینزل بالمد والجزر إلى أدنى مستوى ، وحالیاً تأخذ القشرة السمیکة للأرض بالارتفاع والانخفاض بمقدار ثلاثین سانتیمتراً فیکل یوم ولیلة أیض ، وهذا بعکس البحار التی ترتفع وتنخفض على أثر الجزر والمد امتاراً متعددة أحیان .

وتوجِد جاذبیة الشمس المد والجزر أیضاً وإن کان ضعیف ، ولو وقع مسیر الشمس والقمر فی خط واحد واتصلت الجاذبیتان فی جانب واحد ، لاشتدت قوة هذه الحرکات وتضاعفت قوتها، إلاّ أنّ القرآن یذهب بالقول إلى أنّ الجبال التی هی أوتاد الأرض تصونها من الاهتزاز .

ثانی : إنّ الضغط الداخلی للأرض بواسطة حرارتها المرکزیة الهائلة یؤثر على قشرة الأرض بصورة دائمة ، ولولا وجود الجبال لأصبح مصدراً من مصادر الاضطراب المستمر للأرض .

والآن تدبّروا لو اشتد الاضطراب الناجم عن المد والجزر والضغط الداخلی على أثر مرونة قشرة الأرض وطراوته ، فهل سننعم بالهدوء والاستقرار الذی نعیشه الآن على الکرة الأرضیة؟ وهل سنجد بیتاً وملجأً ومأوىً نلجأ إلیه ؟

ثالث : لقد ثبت فی وقتنا الحاضر أنّ الجبال بأعمدتها القویة تحرک معها الهواء الحاصل فی أطراف الأرض ، والآن لو فرضنا أنّ الأرض تتحرک فی دورانها حول نفسها بسرعتها الذاتیة المعهودة أی ما یقارب الثلاثین کیلو متر فی الدقیقة ، فلو لم تکن الجبال، لما تحقق مثل هذا الدوران للهواء الموجود فی أطرافه ، ولثارت ثائرة العواصف والأعاصیر والریاح الشدیدة على أثر اصطدام جزیئات الهواء بوجه الأرض ، فضلاً عما یولِّد ذلک من حرارة هائلة تحرق الأخضر والیابس . کما أنّ الطائرات السریعة لو سارت فی الطبقات السفلى للجو لارتفعت درجة حرارة أجنحتها بحیث قد یؤدّی ذلک إلى عواقب وخیمة ، لهذا تضطر إلى الصعود فی الطبقات العلیا للجو لتتحرک فی وسط الهواء الرقیق جدّاً حتى یقل احتکاکها بالهواء الذی هو المنشأ لإیجاد الحرارة .

أجل، لقد أزالت منخفضات ومرتفعات وجبال الأرض هذه الازمة وحرَّکت الطبقة السمیکة للجو مضافاً إلى حرکة الأرض ، تماماً کدوران أسنان الدوالیب ذات المقود التی تدور مع دورانها بقیة الأشیاء الاُخرى .

فبناءً على ذلک ، تعتبر الجبال وسیلة من وسائل استقرار الأرض واستقرار ساکنیها سواء فی مقابل جاذبیة القمر والشمس ، أو فی مقابل الضغط الداخلی ، أو فی مقابل العواصف الشدیدة والمستمرة ، أو فی مقابل تولد الحرارة الشاقة .

من جهة اُخرى ، تقدمت الإشارة فی الآیات السابقة إلى وجود العلاقة بین الجبال وبین نزول المطر وارتواء الأراضی والحصول على الماء الفرات وهو « الماء العذب » ، یقول عزّ من قائل : ( وَجَعَلْنَا فِیهَا رَوَاسِىَ شَامِخَات وَاَسْقَیْنَاکُم مَّاءً فُراَت ) .

ممّا لا یقبل الشک هو أنّ العلاقة بین الاثنین ـ الماء والجبال ـ لم تکن معروفة فی السابق ، إلاّ أنّنا نعلم فی الوقت الحالی :

أول : أنّ الجبال هی سبب من اسباب تجمع بخار الماء ، أی تراکم السحب .

وثانی : أنّها سبب من أسباب برودة طبقة الهواء المجاور له .

وثالث : أنّها تحتفظ بالقسم الأکبر من الأمطار على شکل ثلج ، کما أنّها مصدر من مصادر الطاقة المستمرة لجریان المیاه على سطح الأرض ، ومن ثم صیانة المیاه من الهدر والضیاع . بالإضافة إلى أنّ الامتداد الواسع للجبال ، وقشرتها المتعرجة تقلب أمواج الماء وتعرضها للهواء النقی ، فیصفو الماء ویتحول إلى « ماء فرات » وهو ( الماء العذب ) .

وبغض النظر عن کل ذلک ، فإنّ النکتة الظریفة الاُخرى التی استأثرت باهتمام بعض العلماء فی صدد جبال الأرض ، هی أنّ الجبال فی مقابل تغیرات الضغط الأرضی فی قوّة « الدولاب الثابت » الذی یحول دون تبدل السرعة .

توضیح ذلک : أنّ المقصود من «الدولاب الثابت » هو نفس الشیء الموجود فی جمیع الوسائل التی لها حرکة دوریة مشابهة ، وذلک فی صورة دولاب ثقیل یدعى بالدولاب الطیار أو الدولاب الثابت ، ینصب فی محورها حتى ینظم سرعته ، وعلى سبیل المثال لو ورد ضغط من الخارج على هذه الوسیلة ذات الحرکة الدوریة ثم انقطع الضغط فجأة لقفزت إلى الأمام ووجهت صدمة إلى ذلک الجهاز ، أمّا إذا نصب الدولاب الثابت علیها لاحتفظت بهذا الضغط فی داخله ، ثم تدفعه بالتدریج بدون أن تتوجه أی صدمة إلى ذلک الجهاز ( تأمل جید ) .

هذا من جهة ، ومن جهة اُخرى بإمکان العواصف الهائجة التی تهب أحیاناً فی الجهة المخالفة أو الموافقة لحرکة الأرض أن تؤثر على حرکته ... ، وحینما تهدأ فورة العاصفة تتحول الأرض إلى حالة من الاندفاع العشوائی الذی یوجه ضربة قاصمة إلى جمیع الموجودات الأرضیة ، بحیث یولد الاضطراب فی کل شیء .

إلاّ أنّ لوجود الجبال التی هی بمثابة « الدولاب الثابت » دور فی الاحتفاظ بکل هذه الضغوط المثبتة فیها والمنفیة فتحدُّ دون حدوث الصدمات ، وتحافظ على الحرکة المتوازنة للأرض ، وعلى حد تعبیر القرآن تقف مانعاً دون حدوث الاهتزازات وزعزعة الاستقرار .

ولو کان البحث فی زمن هذه الآیات قائماً على قدم وساق فی مجال مباحث « الدولاب الثابت » وآثاره فی ذلک العصر ، لما کانت التعبیرات فی هذه الآیات مدهشة ومثیرة ، ولکن نظراً إلى عدم وجود مثل هذه المسائل فی ذلک الزمن على الاطلاق ، خصوصاً أنّه لم یکن للفیزیاء معنى فی محیط الجزیرة العربیة ، فضلاً عن هذه المسائل المعقدة ، فلابدّ من الاعتراف بأنّ بیان مثل هذه الآیات تعبیر عن احدى المعاجز العلمیة الکبرى(1) .

والنکتة الاُخرى هی أنّ القرآن الکریم عندما یتحدث عن تکوین الجبال یقول : ( وَاَلْقَى فِى الاَرْضِ رَواسِىَ ). ویقول فی مکان آخر : ( أَمَّن جَعَلَ الاَرْضَ قَرَار وَجَعَلَ خِلاَلِهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِىَ ). (النمل/ 61)

هذه التعابیر ونظائرها التی تکررت فی القرآن تبین بوضوح أنّ الجبال خلقت بعد خلق الأرض ، وقد أثبت العلم الحدیث هذا المعنى بوضوح أیض ، وذهب إلى القول بأنّ الکثیر من الجبال حدث على أثر إلتواء الأرض ، والبعض حدث على أثر المواد الذائبة المحرقة ، والبعض الآخر حدث بسبب تنقیة المواد الرخوة من اطراف المواد الصلبة للأرض الذی یحصل على أثر نزول المطر ، وکل ذلک تحقق بعد خلق الأرض وایجاده .. وممّا لا ریب فیه أنّ هذه المسائل لم تکن معروفة حین نزول هذه الآیات من القرآن .


1. ما تقدم أعلاه موجز من مقال محقق تحت عنوان «أثر الجبال فی استقرار الأرض » (مسألة الدولاب الثابت ) فی المجلة الدینیة والعلمیة المدرسة الإسلامیة العدد 8 ، السنة 13 (ص 68 ـ 73 باللغة الفارسیة) ، ولمزید من الاطلاع حول هذا الموضوع والوقوف على جزئیاته راجع المقال المذکور.
8 ـ عنصر الزوجیة بین النباتات فی القرآن 6 ـ القرآن ووجود الحیاة فی المجرات الاُخرى
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma