5 ـ قصة النبی داود(علیه السلام) وزوجة اوری

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء الثامن)
6 ـ هل أنّ سلیمان(علیه السلام) بنى معبداً للأصنام؟!4 ـ عباده العجل من قبل بنی اسرائیل

من المقاطع التاریخیة الاُخرى للقرآن الکریم ، هی مسألة «قضاء داود» النبی (علیه السلام) التی دارت بین أخوین متخاصمین .

ویفصل القرآن القول فی هذه القصة بالنحو التالی:

(وَهَل اَتَاکَ نَبؤُ الخَصمِ اِذْ تَسَوَّرُوا الِمحْرَابَ * اِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لاتَخَفْ خَصْمَانِ بَغى بَعْضُنَا عَلَى بَعْض فَاحْکُمْ بَیْنَنا بالحَقِّ وَلاتُشْطِطْ وَاهْدِنَا اِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ * اِنَّ هَذَا اَخِى لَهُ تِسعٌ وَتِسعُونَ نَعجَةً وَلِىَ نَعجةٌ وَاحِدةٌ فَقَالَ اَکْفِلْنِیهَا وَعَزَّنِى فِى الخِطابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَکَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِکَ اِلَى نِعَاجِهِ وَاِنَّ کَثیراً مِنَ الخُلَطَاءِ لَیَبْغِی بَعْضُهُم عَلَى بَعْض اِلاَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَالِحَاتِ وَقَلِیلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاودُ اَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاستَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاکِعاً وَاَنَابَ * فغَفَرنَا لَهُ ذَلِکَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنا لَزُلفَى وحُسنَ مَآب* یَادَاوُدُ اِنَّا جَعَلْنَاکَ خَلِیفَةً فِى الاَرْضِ فَاَحْکُم بَیْنَ النَّاسِ بِالحَقِّ وَلاَتَتَّبِعِ الهَوَى فَیُضِلَّکَ عَن سَبِیلِ اللَّهِ إِنَّ الذَّینَ یَضِلُّونَ عَن سَبِیلِ اللَّهِ لَهُم عَذَابٌ شَدِیدٌ بِمَا نَسُوا یَومَ الحِسَابِ) .(ص / 21 ـ 26)

فی هذا المقطع التاریخی من حیاة داود (علیه السلام) ، لانقع على أی مفهوم سلبی سوى أنّه تسرع شیئاً ما فی إصدار الحکم، فحینما طرح أحد هذین الأخوین ادّعاءه ، أعرب عن قوله ومن دون أن یستمع إلى ادّعاءات الأخ الثانی : إنّ أخاک قد ظلمک وأنّه لاینبغی أن ینازعک فی صدد نعجة واحدة مع کل مایمتلکه من المال والثروة ، وإن کان هذا لا یمثل الحکم النهائی لداود (علیه السلام)، إلاّ أنّ نفس هذا المقدار من التسرع فی إصدار الحکم لا یصلح لمقام القضاء العادل بصورة عامة ، وقضاء النبی داود(علیه السلام) بصورة خاصة ، ولعل هذا هو السبب فی توبته واستغفاره وسجوده .

ولأجل هذه الدقّة فی مسألة القضاء والتماس المغفرة والمسامحة من هذه الزلة أعطاه الله المقام المحمود .

والشاهد على هذا التوجیه للآیات السابقة هی الآیة التی وردت مباشرة بعد هذه الآیات وذلک عندما یقول : (یَادَاوُدُ اِنَّا جَعَلنَاکَ خَلِیفَةً فِى الأَرضِ فَأَحْکُم بَیْنَ النَّاسِ بِالحَقِّ وَلاَتَتَّبِعِ الهَوَى فَیُضِلَّکَ عَن سَبِیلِ اللَّهِ) .

هذه الآیة تدل بوضوح على أنّ المخالفة ، أو بعبارة أصح، ترک الأولى الذی صدر من النبی داود (علیه السلام) لم یکن یتضمن فی حقیقته بعض الاُمور التی هی من قبیل الغرام والتعلق بزوجة أحد قادة جیشه الذی یدعى باسم (اوریا) وأمثال ذلک من المفاهیم التی نسجتها ذهنیة أهل الأساطیر استناداً إلى ما جاء فی التوراة .

والآن نعود إلى التوراة الفعلی المحرف لننظر إلى مایقوله فی هذا المجال :

نطالع فی الکتاب الثانی لاشموئیل هذه الحادثة :

«ووقع عند الغروب عندما نهض من فراشه وطاف حول سطح بیت الملک ، ورأى من السطح امرأة تستحم وکانت هذه المرأة غایة فی الجمال والرشاقة ، وأخذ داود یستفسر عن هذه المرأة ، وقال شخص ألیست «بث شبع»(1) (وهذا اسمها) وهی بنت «الیعام»(2) زوجة «اوریاه حتّی»(3) ؟

وأرسل داود الیجیان فأمسکها وجیء بها إلیه ، فاضطجع معها وبعد التطهیر من النجاسة ذهبت إلى بیتها وحملت المرأة ، وأرسلت إلى داود من یخبره أنّها حاملة وأرسل داود إلى «یوآب» (قائد جیشه) أن ابعث الیّ «اوریاه حتّی» وبعث یوآب اوریاه إلیه وقدم علیه ، فسأله داود عن سلامة یوآب وسلامة القوم وعن استقرار أوضاع الحرب .

وقال داود لاوریاه انزل إلى بیتک واغسل رجلیک ، وخرج اوریاه من قصر الملک واخرج من ورائه مقداراً من طعام الملک ، إلاّ أنّ اوریاه نام مع سائر عبید سیده فی رحبة القصر ولم ینزل فی بیته فحینما خبروا داود أنّ اوریاه لم ینزل فی بیته ، فقال داود لاوریاه ألم تأتِ من السفر فلمَ لم تنزل فی بیتک ؟ فقال اوریاه لداود: إنّ الصندوق واسرائیل ویهوداه یسکنون تحت السقوف ویجلس سیدی یوآب وعبیده فی خیمة وسط الصحراء ، فهل یجوز لی أن أذهب إلى البیت لأقضی وطری من الطعام والشراب والنوم مع زوجتی ، أقسم بحیاتک أن لا أقوم بهذا العمل قط ...

وتحقق الأمر بالفعل بأنّ کتب فی الصباح رسالة إلى «یوآب» وبعثها بید اوریاه ، وکتب الرسالة بهذا المضمون . ألقوا بأوریاه فی اُتون حرب ضاریة ثم امنعوه من الانسحاب، حتى یصاب ویموت «أی یقتل» وتحقق الأمر بالفعل بعدما ألقى یوآب نظرته على المدینة ، ووضع اوریاه فی الموضع الذی علم بوجود الرجال الشجعان فیه وخرج رجال المدینة ، وقاتلوا ضد یوآب ، وسقط البعض من القوم عبید داود ومات «اوریاه حتّی» أیضاً... وعلمت زوجة اوریاه أنّ زوجها قد مات وأقامت العزاء فی حق زوجها وبعد انتهاء العزاء أرسل على
أثرها داود (علیه السلام) وأتى بها إلى بیته وأصبحت زوجته!... غیر أنّ العمل الذی أقدم علیه داود لم یکن مرضیا عند الله تعالى!»(4).

خلاصة القصة أن داود(علیه السلام) عندما کان فی «اورشلیم» صعد فی یوم من الأیّام إلى سطح القصر ، فوقعت عیناه على البیت المجاور له ، فشاهد امرأة عاریة فوقع حبّها فی قلبه وجلبت بعنف إلى قصره واضطجع معها فحملت منه!.

وکان زوج هذه المرأة من القادة المرموقین لجیش داود وکان رجلاً مجبولاً على الصفاء ونقاء الطبع بحیث إنّه عندما عاد من میدان القتال لم تطاوعه نفسه أن یذهب إلى بیته ویضطجع مع زوجته ویستمتع بالأطعمة الممتازة مواساة منه لأترابه المقاتلین الذین لازالوا فی میدان القتال یعیشون فی الخیمة ، بالرغم من ذلک أصدر داود قراراً مجحفاً جدّ ، فکتب رسالة إلى قائد عسکره (یوآب) وأعطاها بید (اوریاه) نفسه لیوصلها بدوره إلى قائد العسکر ، وقد کتب فی هذه الرسالة أنّه لابدّ من تحدید مسؤولیته فی احدى المواضع الخطرة لساحة القتال ، ثم تخلیة أطرافه کی یقضى علیه بسیف الأعداء ، ونفذ هذا القرار الاجرامی المشؤوم ، وقتل على أثره اوریاه الطاهر القلب والنقی والشجاع واستأثر داود(علیه السلام)بزوجته!!.... ونقرأ فی الجملة الأخیرة من هذا الفصل «أنّ هذا العمل لم یقع مورداً لرضا وقبول الحق تعالى!».

والآن نعود إلى تتمة الحکایة ، فقد ورد فی الفصل الآتی من التوراة مایلی :

«وبعث الله تعالى «ناثان»(5) إلى داود فجاء إلیه ، وقال له : کان فی احدى المدن شخصان أحدهما غنی والآخر فقیر ، کان الغنی یمتلک غنماً وبقراً کثیراً جدّ ، ولم یکن الفقیر یمتلک سوى انثى واحدة من الغنم ، اشتراها وربّاها وتعاهدها مع أولاده بالرعایة تأکل من طعامه وتشرب من إنائه وتنام فی احضانه وکانت کأحد بناته .

وقدم مسافر إلى هذا الغنی وآل على نفسه أن یأخذ من أغنامه وأبقاره حتى یعده للمسافر الذی قدم علیه وأخذ نعجة ذلک الرجل الفقیر وذبحها على شرف الرجل المسافر الذی قدم علیه .

وثارت ثائرة داود وقال لــ(ناثان) أقسم بالله الحی القیوم ، أنّ الرجل الذی فعل ذلک یستحق القتل! وبسبب فعله هذا وعدم اعتنائه یجب أن یؤخذ منه!.

حینئذ قال ناثان لداود : إنّ ذلک الرجل هو أنت ، یقول الله تعالى ربّ اسرائیل : أنا الذی جعلتک سلطانا على اسرائیل وأنقذتک من ربقة «شاوول»(6)... لماذا استهنت بأمر الله تعالى ، وارتکبت عملاً قبیحاً لدیه فضربت ، (اوریاه حِتّی) بالسیف ، وفعلت مع زوجته فعلا قبیح ، إنّک قتلته بسیف «بنی عمون»(7) ، والآن لن یفارق بیتک السیف أبد ، والسبب فی ذلک هو تحقیرک لی ، أخذت امرأة (اوریاه حتی» لتکون زوجتک ، والله تعالى یقول سأشعل فتیل البلاء علیک من قصرک وساخذ زوجاتک من أمام عینیک واعطیها لصاحبک! وسینام مع نساءک فی عین هذه الشمس! لأنّک قمت بهذا العمل سراً أمّا أنا فسأنفذ العقاب فی وضح النهار بمرأى ومسمع من بنی اسرائیل .

وقال داود لـ«ناثان» : إنّی خالفت أمر الله تعالى بارتکابی الذنب، وقال «ناثان» لداود أیض : إنّ الله قد عفى عن ذنبک ولن تموت...

وقدم داود التعازی إلى زوجته «بث شبع» وقاربه ، نام معها فأنجبت ولداً سماه (سلیمان) وقد أحبّه الله تعالى»(8) .

تظهر فی هذا المقطع من القصة بعض الملاحظات التی ینبغی التدقیق فیه :

أ) لم یأت إلى داود(علیه السلام) من یطالب بإجراء العدالة وإنّما جاء إلیه أحد أنبیاء بنی اسرائیل فی ذلک العصر وقد کان مستشاراً لداود وذکر له على سبیل المثال أحد القصص للموعظة والنصیحة ، ولم یتطرق الحدیث فی هذه القصة إلى الأخوین ، وإنّما اتّجه البحث إلى الرجلین الغنی والفقیر وکان أحدهما یملک قطیعاً کبیراً من الأبقار والأغنام والآخر لا یملک سوى نعجة واحدة ، کما أنّه لم یتطرق الحدیث فی هذا الموضع أیضاً إلى مسألة استدعاء الشخص الأول من الثانی ، بل غایة ما فی الأمر أنّه حینما قدم ضیف إلى الرجل الغنی ذبح النعجة التی کَبُرت على ید الرجل الثانی واعدها طعاماً للضیف .

ب) ذهب داود(علیه السلام) إلى الاعتقاد بأنّ مثل هذا الظالم یستحق القتل (ولماذا یتوجّب القتل من أجل اغتصاب نعجة واحدة؟!).

ج) حکم داود(علیه السلام) بإعطاء أربع نعجات عوضا عن نعجة واحدة (فلماذا أربع مقابل واحدة!).

د) اعترف داود(علیه السلام) بذنبه وعمله القبیح فی صدد قضیة زوجة «أوریاه».

هـ) وعفى الله تعالى عن داود (بهذه البساطة؟!).

و) وقدر الله تعالى لداود جزاء دنیویاً واحداً وهو أن تقع نساؤه فی أیدی أصحابه فیمارسون معهنّ هذا العمل فی وضح النهار وبمرأى من بنی اسرائیل!.

ز) وبالنتیجة أصبحت إحدى هذه النساء أمّاً لــ(سلیمان) وولد منها سلیمان وکان الله تعالى یحبّه أیضاً؟!

إذا اعتقدنا بنبوة داود من قبل الله تعالى ، کما یقر بذلک جمیع المسلمین وتؤیدها مقاطع من عبارات التوراة ، فلیست هناک أدنى حاجة للبحث والمناقشة فی منافاة هذه الأعمال لمقام النبوة، ولا یقتصر هذا الأمر على عدم انسجامه مع منزلة النبوة بل یعتبر من الأعمال الإجرامیة الکبرى . والذی یعد حدوثه من قبل شخص عادی أمراً شاذاً وغریباً من نوعه ویستحق العقاب ، فکیف یمکن التصدیق بأنّ الله تعالى یعفو ویتسامح بهذه البساطة عن إنسان قاتل عرض أحد قادة جیشه للقتل عمد ، من أجل الإستیلاء على زوجته ثم اقترف الزنى بها قبل الزواج منها؟!

وإذا اعتبرناه ملکاً من ملوک بنی اسرائیل فقط ـ کما وردت أحواله فی کتاب الملوک والسلاطین فی التوراة ـ لایقبل منه ذلک أیضاً على الاطلاق لأنّه :

أولاً: لم یکن ملکاً عادیاً، فالتوراة أفصح عن عظمة داود ومقامه الشامخ فی فصوله المختلفة ، وأنّه هو الذی وضع الحجر الأساس للمعبد الکبیر لبنی اسرائیل والذی لم یکتمل بناؤه فی زمانه بسبب الحروب الکثیرة وألقیت مسؤولیة اکماله على ابنه سلیمان ، ترى هل یمکن صدور هذا العمل من قائد یمتلک مقاما معنویاً محموداً ویکون مسدداً ومؤیداً من قبل الله تعالى؟!

ثانیا: من الکتب المعروفة للتوراة کتاب «مزامیر داود» وأناشیده الاعتقادیة ومناجاته، فهل یمکن أن تقع مناجاة ودعوات «قاتل ارتکب الزنى بالمحصنة» ضمن الکتب السماویة؟

إلاّ أننا عندما نعود إلى القرآن ، نجد أنّه لا أثر لأی حدیث عن عشق داود وإجرامه واقترافه للذنب ولا على فقرات هذه القصة الکاذبة ، وإنّما ورد الحدیث عن حکایة لأحد المحاکم العادلة ـ وذلک بشکل جدی لا على شکل مثال ـ والذی سبق شرحه من قبل ، وممّا تجدر الإشارة إلیه هو خلو القرآن من هذه التهم ، والنکتة التی ینبغی ذکرها فی هذا الموضع أیضاً هی أنّ من المؤسف وقوع بعض المؤرخین والمفسرین الإسلامیین تحت تأثیر الأساطیر الکاذبة للتوراة ونقلهم إیّاها فی کتبهم ، ومن البدیهی أنّ أحادیث هذا النمط من الأفراد لا تمتلک أی قیمة علمیة وتاریخیة وتفسیریة ، وذلک لعدم وجود أدنى دلیل على مقالاتهم فی المنابع الإسلامیة المعتبرة .

والجدیر بالذکر هو مانقل عن الإمام علی (علیه السلام) قوله : «لا اُوتی برجل یزعم أن داود تزوج امرأة اوریا إلاّ جلدته حدّین حدّاً للنبوّة وحداً للاسلام»(9) .


1. «بث شبع» اسم تلک المرأة التی رآها داود ـ طبقاً لما تقوله التوراة ـ عاریة من سطح البیت وعشقه ، وهی ابنة الیعام أحد أصحاب المناصب العبریة .
2. المصدر السابق.
3. «اوریا»، بتشدید الیاء اسم أحد القادة البارزین فی جیش داود ، و«حتّی» بتشدید التاء وکسر الحاء نسبة إلى «حت بن کنعان» الذی یعرف قومه بـ«بن حت» .
4. نقل عن الکتاب الثانی شموئیل الفصل 11 ، من الجمل 2 ، وحتى 27 .
5. «ناثان أو ناتان» أحد أنبیاء بنی اسرائیل وکان مستشاراً لداود .
6. «شاوول»، أحد سلاطین بنی اسرائیل .
7. «بنی عمون»، کانت من الشعوب المحاربة التی تعیش فی الطرف الشرقی من «البحر المیت» وقد حاربهم داود .
8. الکتاب الثانی، شموئیل الفصل 12 ، من الجملة 1 ، وحتى 24 .
9. تفسیر مجمع البیان، ج 8 ، ص 472 .
6 ـ هل أنّ سلیمان(علیه السلام) بنى معبداً للأصنام؟!4 ـ عباده العجل من قبل بنی اسرائیل
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma