10 ـ حضور المرأة العاصیة فی مجلس السید المسیح(علیه السلام)

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء الثامن)
نتیجة البحث:9 ـ المسیح (علیه السلام) ودعوى الاُلوهیة

لم تظهر فی الآیات المختلفة للقرآن التی وردت فی حق السید المسیح حتى الحد الأدنى من ترک الأولى ، وقد وصفت الآیات التی وردت فی شأن أمه مریم قداستها فی أجلى صوره ، بحیث إنّها ذعرت بشدة والتجأت إلى الله حینما شاهدت ملک الوحی الذی جاءها من قبل الله لیهبها ولد ، (لأنّه ظهر أمامها على هیئة شاب جمیل مجهول) حتى أنّها لما قاست من آلام وضع الحمل ، وجسدت فی مخیلتها مستقبل حیاته ، بأنّ من الممکن أن ینسب لها الأعداء والبسطاء النسب القبیحة ; قالت : ( یَالَیْتَنِى مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَکُنْتُ نَسْیاً مَّنْسِیّ). (مریم / 23)

غیر أنّ نبیّاً بهذه القداسة بحیث ینطلق لسانه بأمر من الله فی المهد ، ویبرهن عملیاً على طهارة اُمه ، ویتحدث عن الصلاة والزکاة ، وکل مظهر من مظاهر التقوى من تلک اللحظة ، مثل هذا النبی یرد وصفه فی بعض الأناجیل بأوصاف تبعث کلّ قارىء على الدهشة والاستغراب .

والآن لنستمع وننظر إلى مابینه «انجیل لوقا» عن حکایة المرأة السیئة الصیت التی جاءت إلى المسیح(علیه السلام) وتابت : «ودعا أحد الفریسیین (إحدى فرق الیهود ، والفریس بمعنى المُعتزل) إلى الطعام عنده فدخل بیت الفریسی وجلس إلى المائدة وکان فی المدینة امرأة خاطئة فعلمت أن یسوع یأکل فی بیت الفریسی وجاءت ومعها قارورة طیب ، ووقفت من خلف عند قدمیه وهی تبکی واخذت تبل قدمیه بدموعها وتمسحهما بشعره ، وتقبلهما وتدهنهما بالطیب فلما رأى الفریسی صاحب الدعوة ماجرى ، قال فی نفسه : « لو کان هذا الرجل نبیّاً لعرف من هی هذه المرأة التی تلمسه وما حالها فهی خاطئة!» فقال له یسوع : «یاشمعون ، عندی ما أقول لک» ، فقال شمعون : «قل یامعلم» ، فقال یسوع :«کان لمدین دین على رجلین : خمسمئة دینار على أحدهما وخمسون على الآخر وعجز الرجلان عن ایفائه دینه ، فاعفاهما منه فأیّهما یکون أکثر حبّاً له؟» .

فأجابه شمعون :«أظن الذی أعفاه من الأکثر» فقال له یسوع : «أصبت» والتفت إلى المرأة وقال لشمعون(1) : «أترى هذه المرأة؟ أنا دخلت بیتک فما سکبت على قدمیَّ ماء، وأمّا هی فغسلتهما بدموعها ومسحتهما بشعرها، أنت ما قبلتنی قبلة، وأمّا هی فما توقفت منذ دخولی عن تقبیل قدمیَّ ، أنت ما دهنت رأسی بزیت ، وأمّا هی فبالطیب دهنت قدمیَّ ، لذلک أقول : غفرت لها خطایاها الکثیرة لأنّها أحبتنی کثیراً، وأمّا الذی یغفر له القلیل فهو یحب قلیلاً» ثم قال للمرأة : «مغفورة لک خطایاک!» فأخذ الذین معه على المائدة یتساءلون، من هذه حتى یغفر خطایاه »(2) .

ملخص هذه الحکایة أنّ السید المسیح ینزل فی بیت لأحد الفریسیین وهم کانوا طائفة من الیهود ، ولا یبدی له صاحب البیت احتراما بالغ ، وما أن اطّلعت المرأة العاهرة والمنحرفة(3) التی تسکن ذلک البلد على حضوره حتى توجهت إلى بیت الیهودی وکانت العادة الجاریة فی ذلک العصر على غسل رجل الضیف اکراماً له ، وطلی شعره بالدهن أحیاناً لأنّ الناس کانوا یمشون حفاة غالب ، ونظراً لعدم امتلاکهم وسیلة للتغطیة والحفظ فی الأسفار کانت شعور وقشور أبدانهم تصاب بالجفاف على أثر هبوب الریاح .

ووفقا لهذه الحکایة المفتعلة قامت المرأة العاهرة بغسل رجلی المسیح (علیه السلام) بدموعها عوضاً عن الماء ، وجففتهما بشعرها الطویل عوضاً عن المنشفة ، وقبّلتهما بشفتیها بحرارة ، بحیث أدّى هذا المشهد المثیر إلى استیاء الرجل الیهودی صاحب البیت وقلقه ، وقال فی نفسه إن کان هذا نبیاً وواقفاً على سیرة هذه المرأة لصدها عن هذا العمل على الأقل ، المسیح بفراسته علم بذلک ، وأقنعه بذلک من خلال المثال الذی ضربه فی صدد الشخصین المدیونین وأعرب له : إننی کنت ضیفک إلاّ أنّک لم تقم بما قامت به المرأة المنحرفة من حسن الضیافة ، فأنت لم تغسل رجلیَّ بالماء وهی غسلته بدموع عینیها وأنت لم تقبلنی وهی قبلت رجلیَّ بلا انقطاع ، ولم تدلک رأسی بالدهن وهی دلکت رجلی بالعطر .

والآن لنبدأ قلیلاً بتحلیل هذه القصة ، لنرى هل من المناسب لهذا النبی العظیم وحتى لمؤمن عادی أن یضع نفسه تحت تصرف امرأة عاهرة کی تعامله بمثل هذه المعاملة .

أول : إنّ السید المسیح (علیه السلام) کان شاباً یناهز عمره الثلاثین عاماً فی ذلک العصر ، ولابدّ أن تکون تلک المرأة العاهرة شابة وجمیلة أیض ، ولا یعقل أن تکون قبیحة المنظر منهوکة القوى فی الأعم الأغلب فکیف یتأتى لنبی عظیم بعث لتهذیب الأخلاق ونشر مظاهر التقوى أن یسمح لامرأة فاجرة بأن تتمسّح برجلیه مرات متعددة ثم تغسهما بدموع عینیها وتجففهما بشعرها الناعم وتدهنهما بیدیها الظریفتین وتطبع علیهما قبلات حارة، فهل یُعقل هذ ؟

وعلى فرض أنّها أرادت التوبة من وراء ذلک فإنّ للتوبة حدوداً وقیوداً أیض ، وهل سبق لأحد إلى یومنا هذا أن یتعامل مع أحد الروحانیین أو الرهبان العادیین بمثل هذه المعاملة، حتى تصل إلى نبی من أنبیاء الله ؟

وعلى کل حال فالآثار الخرافیة لهذه الروایة ظاهرة من بین ثنایاها بصورة کاملة ، فضلاً عن أنّ ما ذکره السید المسیح (علیه السلام) من المثال لا یعتبر جواباً عن استفسار الیهودی على الاطلاق .

فإشکال الیهودی لم یقع على عظم محبّة هذه المرأة حتى یأتی الجواب على أنّ عظم محبتها وشدّة تعلقها ناتج عن کثرة ذنوبه ، وإنّما وقع للاستفسار عن السبب فی سماح نبی من أنبیاء الله بأنّ تمسح أمراة عاهرة وسیئة السمعة برجلیه إلى هذه الدرجة ثم تغسلهما بدموع عینیه ، وتجففهما بشعره ، وتدلکه بالعطر والدهن ، فمما لا شک فیه أنّ کثرة الذنوب وقلتها لا صلة له بهذا العمل من قریب أو بعید .

وعلیه فما جاء فی تواریخ القرآن من وقائع وحوادث عن السید المسیح (علیه السلام) تنزهه وتبرء ساحته من مثل هذه النسب السیئة.


1. شمعون فی الأصل بمعنى السامع ، وقد اُشیر إلى اسماء 10 أشخاص فی الکتاب المقدس للمسیح طبقاً لما قاله مؤلف کتاب (قاموس الکتاب المقدس ) ، وکان أحدهم شمعون الفریسی .
2. انجیل لوقا، باب یسوع یغفر لامرأة خاطئة، ص 183 .
3. هذه المرأة هی مریم مجدلیته کانت عاهرة ومتمولة ، فأعلنت عن توبتها على ید السید المسیح (علیه السلام) طبقاً لما جاء فی انجیل لوقا فی الباب الثامن .
نتیجة البحث:9 ـ المسیح (علیه السلام) ودعوى الاُلوهیة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma