3 ـ انشقاق القمر فی التصور القرآنی

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء الثامن)
تمهید :2 ـ من الزاویة العلمیة

یقولون إنّ هناک آیات فی القرآن الکریم تدل على أنّ نبی الإسلام (صلى الله علیه وآله) لم یمتلک معجزة سوى القرآن : واستدل هؤلاء على إثبات فکرتهم کما ورد فی قوله تعالى : (وَمَا مَنَعَنَا اَنْ نُّرسِلَ بِالآیَاتِ اِلاَّ اَنْ کَذَّبَ بِهَا الاَوَّلُونَ) . (الأسراء / 59)

وکذلک تشبثوا بالآیة 90 إلى 93 من سورة الاسراء، وذلک استناداً إلى أنّ جماعة طلبوا من النبی طلبات مختلفة، فتارة قالو : لا نؤمن إلاّ أن تفجر لنا ینبوعاً من هذه البقعة من الأرض (الجرداء القاحلة) ، وتارة اُخرى قالو : لا نؤمن لک إلاّ أن یکون فی حوزتک بستان کبیر من أشجار النخل والعنب وتجری من خلاله الأنهار ، أو تنزل على رؤوسنا کما تدعی ـ الأحجار السماویة ، أو تحضر لنا الله وملائکته ، أو تمتلک بیتاً من الذهب ، ملیئاً بالرسوم والنقوش ، أو تصعد إلى السماء ، ولا نکتف بذلک إلاّ أن تأتینا بکتاب من قبل الله تعالى لنطّلع علیه، فما کان جواب النبی الأکرم على مطالبهم إلاّ أن قال : (سُبْحَانَ رَبِّى هَلْ کُنْتُ اِلاَّ بَشَراً رَسُول) . (الاسراء / 93)

وعلى ضوء جوابه (صلى الله علیه وآله)ادّعى أولئک المرتابون بأنّه لم یأت بأی معجزة .

الجواب :

إنّ الالتفات إلى الکلمة التی وردت فی أقوال جمع من المفسرین الکبار توضح الجواب عن هذا الإشکال وهی : إنّ المعجزات على نوعین :

النوع الأول : هی المعجزات الضروریة لإثبات صدق دعوى النبی ، وترغیب الناس فی الإیمان ، وتخویف المنکرین ، وهی المعاجز المنطقیة للذین ینشدون الحق والباحثین عن الحقیقة ، بحیث یعبر القرآن الکریم فی ذیل الآیة المذکورة بقوله : (وَمَا نُرسِلُ بِالآیَاتِ اِلاّ تَخْوِیفً). (الاسراء / 59)

النوع الثانی من المعجزات : هی المعجزات التی تسمى بـ«الاقتراحیة» ، أی المعجزات التی یطالب بها المتعلّلون لا لأجل سلوک سبیل الحق والیقین بصدق دعوى النبوة ومن ثم الإیمان واعتناق الإسلام ، وإنّما بقصد تعجیز الطرف الآخر، فإن وجدوا به قدرة على ذلک اتهموه بالسحر .

والأنبیاء کانوا یتجهون صوب القسم الأول ولا یستسلمون اطلاقاً لمقترحات المتعللین والمعاجز الاقتراحیة .

یشیر لحن الآیات 90 ـ 93 من سورة الاسراء بشکل واضح إلى أنّ هذه الموضوعات العجیبة والغریبة والمتهافتة لمشرکی العرب لم یکن منشأُها هو البحث عن الحقیقة ، بل الغایة منها هی اختلاق الأعذار والتشکیک فی نبوة نبی الإسلام وارساء دعائم الشرک والصنمیة ، ولذا لم یُمعِنوا النظر حتى فی مفهوم کلامهم ، فمن ضمن مطالبهم مثلاً أنّهم یطلبون معجزة من المعاجز التی تبیدهم «کنزول الأحجار السماویة على روؤسهم» ، وتارة یطلبون معجزة کمعجزة (الصعود إلى السماء) ، ثم ینفون ذلک مباشرة ویقولون : نحن لا نؤمن بذلک حتى تبعث لنا کتاباً من قبل الله ، وتارة یطلبون الاُمور المستحیلة کقولهم : أن تأتینا بالله والملائکة ، والحال أنّ الله لیس له مکان ، ولیس بجسم ولا جسمانی .

ثم إذا کان الهدف هو التوصل إلى معرفة حقانیة النبی فَلِمَ یطلبون ست معاجز مختلفة؟ ألا تکفی معجزة واحدة ؟

من هنا لم یتسن لأی نبی أن یستسلم لهذا النوع من الأراجیف والأباطیل ، فضلاً عن أنّ الاعجاز لیس من شأن النبی واختیاره ، وإنّما هو من شأن الله تعالى واختیاره .

إنَّ النبی بإمکانه أن یطلب المعجزة من الله والله تعالى یضع بین یدیه أی شیء یراه صالح ، ولهذا نقرأ هذا المعنى فی ذیل قوله تعالى : (قُلْ سُبْحَانَ رَبِّى هَلْ کُنْتُ اِلاَّ بَشَراً رَّسُول) (الأسراء / 90 ـ 93)

وکذا فی قوله تعالى: (وَمَا کَانَ لِرَسُول اَنْ یَاتِىَ بِآیَة اِلاَّ بِاِذْنِ اللّهِ) . (الرعد / 38)

وأمّا قوله : نحن لن نستسلم لمطالیبکم لأنّ الأولین کذبوا ذلک، فهذا یدعو إلى هذا التساؤل وهو : کیف یجوز أن یکون تکذیب الأولین سبباً لحرمان الأجیال المتعاقبة من مشاهدة المعجزات ؟ فالاجابة عنه تکمن فی کون هذه العبارة متداولة وذلک بأن یقال للشخص العنید الذی لا نرید أن نستسلم له : إنَّ اقتراحک لم یکن وجیهاً وقد سبق لغیرک أن اقترحه ، ولم یرضخ للحق .

بعبارة اُخرى أنّ المعاجز التی تقترحونها لا تستند إلى أساس البحث عن الحقیقة ، وإنّما هی «اقتراحیة» وتعجیزیة ، ولو نفذت طلباتکم لما آمنتم أیض ، فقد سبق لافراد مثلکم فی الاُمم الغابرة أن طلبوا إظهار معاجز ثم کذبوها بعدما شاهدوه .

ملخص الکلام هو أنّ من الصحیح القول : إنّ القرآن لوحده معجزة خالدة ، ولو لم یکن هناک معجزة اُخرى سوى هذه المعجزة للنبی لاستطاعت أن تکون شاهداً على صدقه ، ولکن هذا لا یدل على أنّ النبی لم یمتلک معجزات جسمانیة ومادیة غیر هذه المعاجز الروحیة والمعنویة ، بل ذهبت الآیات والروایات والتواریخ الإسلامیة وسیرة النبی إلى القول : إنّه کان یمتلک ذلک ، ولا شک فی أنّ انضمام المعجزات المحسوسة والمادیة إلى تلک المعجزة المعنویة الکبیرة یظهر حقانیة الدعوة النبویة بصورة أجلى وأوضح .

تمهید :2 ـ من الزاویة العلمیة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma