إنّهم یعرفونه جیداً:

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء الثامن)
التبشیر بظهور النبی(صلى الله علیه وآله) فی الکتب السماویة :تمهید :

 

(الَّذِینَ آتیَنَاهُمُ الکِتَابَ یَعرِفُونَهُ کَمَا یَعرِفُونَ أَبنَاءَهُمُ) أی أنّهم لیسوا مطلعین على أصل ظهوره ودعوته فحسب، بل ویعرفون أیضاً إشاراته وخصوصیاته وجزئیاته ، ویقول تعالى فی ذیل الآیة التی جاءت فی سورة البقرة : (وَإِنَّ فَرِیقاً مِّنهُم لَیَکتُمُونَ الحَقَّ وَهُم یَعلَمُونَ) . (البقرة / 146)

وینقل عن (عبد الله بن سلام) الذی یعد من علماء الیهود الکبار ثم أعتنق الإسلام ـ (أنا أعلم به منی بابنی)(1) .

وجاء فی روایة اُخرى : أنّ النبی (صلى الله علیه وآله) عندما جاء إلى المدینة قال (عمر) لعبد الله بن سلام : إنّ الله أنزل آیة على نبیّه تقول : إنّ أهل الکتاب یعرفون کما یعرفونه أبناءهم ، فما هی هذه المعرفة ؟ ، فقال عبد الله بن سلام : «إننا نعرفه بصفاته التی بینها الله ، وعندما نراه فیکم نشخصه من بینکم کما یشخص أحدنا ابنه عندما یراه بین الأولاد»(2) .

والتفسیر المشهور للآیة والذی ینطبق جیداً مع ظاهرها هو هذا التفسیر الذی بیّناه ، ولکن تمّ عرض احتمالین آخرین فی تفسیر الآیة وهم :

الأول : إنّ الضمیر فی (یعرفونه) یعود إلى (الاطلاع على النبوة).

والثانی : إلى (مسألة القبلة) ، وبناءً على ذلک فإنّ الأول هو إشارة لاطلاع ومعرفة أهل الکتاب بمسألة (النبوّة) ، أمّا الثانی فهو إشارة لمعرفتهم بأمر (تغییر القبلة) عند المسلمین من (بیت المقدس) إلى (الکعبة) . وکلا الاحتمالین ضعیفان جدّ .

فی الآیة الثانیة ـ ورد ذکر تسعة أوصاف من صفات النبی (صلى الله علیه وآله) التی هی فی الواقع دلائل على حقانیته من زوایا مختلفة ـ بعضها إشارة إلى المضمون الرفیع لدعوته وبرامجه ، وبعضها إشارة إلى قرائن اُخرى مثل أمّیته وعدم تعلیمه ، وشفقته ورحمته ، وأمثال ذلک ، وتستند فی قسم آخر من هذه الدلائل إلى مسألة أوصافه وعلاماته وسماته فی الکتب السماویة السابقة (التوراة والانجیل) ـ یقول تعالى :

(الَّذِینَ یَتَّبِعُونَ الَرّسُولَ النَّبِىَّ الأُمِّیَّ الَّذِى یَجِدُونَهُ مَکتُوباً عِندَهُم فی التَّورَاةِ وَالإِنجِیلِ... اُولَئِکَ هُمُ المُفلِحُونَ) .

ومع عدم ذکر اسم النبی (صلى الله علیه وآله) فی هذه الآیة صراحة ولکن الأوصاف التی ذکرتها ترمی بوضوح إلى أنّ المقصود هو نفسه .

فکیف یمکن القبول بأنّ القرآن یتحدث مع الیهود والنصارى بهذه الصراحة ، ویخبرهم بوجود دلائل وعلامات النبی (صلى الله علیه وآله) فی کتبهم ولکن هذه المسألة لا تطابق الحقیقة وأنّهم یسکتون ؟ ویقینا إذا لم تکن هذه الإشارات والعلامات موجودة فی کتبهم فإنّهم سیتخذونها حجة وذریعة مهمة ضد النبی (صلى الله علیه وآله) ، ولصرّحوا بها فی کل مکان ، وإذا کان ذلک قد حصل لنقله التاریخ لن .

وبناءً على هذا فعلى الأقل أنّ سکوتهم یعتبر دلیلاً ساطعاً على وجود هذه القرائن والأوصاف فی کتبهم ، وعلاوة على ذلک على حد قول الفخر الرازی : إذا لم تکن لهذا الأمر حقیقة واقعیة لکان موجباًلنفرة الیهود والنصارى من الإسلام ، والشخص العاقل لا یقدم مطلقا على ما یوجب تنفر الناس (خاصةً فی مجال الدعوة)(3) ، وکما سیمر علینا لاحقاً فإنّ قسماً من هذه الدلائل والإشارات موجودٌ حتى فی کتبهم المحرّفة الحالیة .

والملفت للنظر هو أنّ القرآن لایقول : (یجدون علائمه ودلائله) ، بل یقول : (یجدونه) ، أی یجدون نفس ذلک النبی (صلى الله علیه وآله) فی التوراة والانجیل ، وهذا التعبیر الذی یعنی حضور النبی (صلى الله علیه وآله) فی کتبهم هو تأکید على منتهى وضوح هذا الأمر .

وفی البعض من الروایات الإسلامیة جاء فی ذیل الآیة : إنّ بعض المسلمین سألوا شخصین من المطلعین على التوراة کلاً على حدة وأنّهما ذکرا أوصاف النبی (صلى الله علیه وآله) بدقة متطابقة(4) .

فی الآیة الثالثة نقرأ عن لسان عیسى بن مریم أنّه أعطى البشارة أمام بنی اسرائیل (وَاِذْ قَالَ عِیسَى ابنُ مَریَمَ یَابنَىِ اِسرَائِیلَ اِنَّى رَسُولُ اللهِ اِلیَکُم مُّصَدِّقاً لِمَا بَینَ یَدَىَّ مِنَ التَّورَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُول یَاَتى مِن بَعدِى اسمُهُ اَحمَدُ) ، ویقول فی نهایة الآیة : (فَلَمَّا جَاَءَهُم بالبَیَّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحرٌ مُبِّینٌ) .

والمثیر للاهتمام هو أنّ القرآن ینقل أقوال هؤلاء فی مخالفتهم ومعارضتهم للمعجزات واتهامهم عیسى (علیه السلام) بالسحر ، ولکنه لم یتحدث عن معارضتهم حول إخبار (المسیح (علیه السلام)) بمسألة مجیء (أحمد (صلى الله علیه وآله)) ، وهذا دلیل واضح على أنّهم لاینکرون هذا الخبر .

فی الآیة الرابعة نواجه نقطة جدیدة تقول : (وَلَمَّا جَآءَهُم کِتَابٌ مِّن عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّما مَعَهُم وَکَانُوا مِن قَبلُ یَستَفِتحُونَ عَلَى الَّذِینَ کَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّاعَرَفُوا کَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الکَافِرِینَ).

إنَّ هذه الآیة جاءت لتشیر إلى السبب الذی استوجب نزولها من أن (الیهود) هاجروا من أرضهم ودیارهم إلى المدینة لرؤیتهم علامات نبی الإسلام (صلى الله علیه وآله) التی فی کتبهم ، ولأنّهم قرأوا فیها أنّ محل هجرة هذا النبی (صلى الله علیه وآله) بین جبلی (عیر) و(اُحد) ـ وهما جبلان على طرفی المدینة ، ولهذا فقد جاءوا وسکنوا المدینة وکتبوا حتى لإخوانهم بإننا وجدنا الأرض الموعودة فتعالوا إلین .

فقال أولئک الذین لیسوا بعیدین جدّاً عنه : إنّه لا تفصلنا فاصلة کبیرة عن تلک المنطقة وحین یهاجر إلیها النبی الموعود نلتحق بکم! وعندما یصطدمون مع سکان المدینة الأصلیین من قبیلتی (الأوس) و(الخزرج) یقولون : «نحن فی ظل النبی الجدید سوف ننتصر علیکم»(5).

ولکنهم للأسف عندما ظهر هذا النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) نهضوا لمخالفته ، لأنّهم لم یروه ملبیاً لمیولهم وأهدافهم غیر المشروعة .

وهذه کلها تدلل على أنّ مسألة ظهور نبی الإسلام (صلى الله علیه وآله)جاءت واضحة فی کتبهم إلى حد ما.

النقطة الجدیرة بالتأمل أن عبارة «مصدقٌ لما معهم» أو مایشابهها من تعبیر وردت فی القرآن الکریم أکثر من عشر مرات ، ولیس مفهومها أنّ النبی(صلى الله علیه وآله) یؤید کتبهم السماویة مع ما حدث فیها من تحریف) ، بل المقصود أنّ أوصاف النبی(صلى الله علیه وآله) موافقة ومتطابقة مع العلامات والإشارات التی فی أیدیهم ، وبتعبیر آخر أنّ للنبی(صلى الله علیه وآله) وکتابه السماوی نفس الأوصاف التی کانوا یعرفونها من قبل بالضبط وکان فی الحقیقة تصدیقاً لکتبهم السماویة من ناحیة تطابقها تماماً مع صفاته(صلى الله علیه وآله) .

وبهذا الترتیب تعتبر کل الآیات التی جاء فیها هذا التعبیر فی زمرة الآیات التی نحن بصددها فی هذا البحث .

وختاماً فإنّ الآیة الأخیرة التی تخاطب الیهود حول الموضوع ـ ضمن تأکیدها على وجوب الإیمان بالکتاب السماوی للنبی(صلى الله علیه وآله) الذی یتطابق ومالدیهم من علامات ، تقول : (وآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَّا مَعَکُم وَلاََتَکُونُوا اَوَّلَ کَافِر بِهِ) .

أی أنّ عبدة الأوثان من العرب إذا کفروا به فلا عجبَ فی ذلک ، بل العجب کل العجب هو أن تنکروه أنتم وتکفروا به، لأنّ المتوقع منکم أن تکونوا أولّ المؤمنین به ، وإلاّ ألستم الذین هجرتم مدنکم ودیارکم وجئتم إلى المدینة شوقاً للقائه أوَ لَم تعدوا الأیّام واللیالی انتظاراً لظهوره ؟ ... إذن لِمَ تنعکس القضیة وتکونون أنتم أوّل الکافرین به ؟!

ثم تشیر الآیة إلى الباعث لـ«تغییر أسلوبهم» هذا وتقول لهم: لا تکتموا الحقائق من أجل المنافع المادیة: (وَلاَ تَشتَرُوا بِآیَاتِى ثَمَناً قَلِیلاً وَاِیَّاىَ فَاتَّقُونِ) .

و هذه إشارة إلى أنّ أیَّ ثمن یأخذونه مقابل ذلک فهو لا شیء ، حتى ولو کان العالم کله ، ولکنکم یا أصحاب الهمم الدنیة ، من أجل مصالحکم المادیة التافهة (أحیاناً من أجل ضیافة سنویة) کتمتم الآیات التی تحمل علامات وأوصاف النبی(صلى الله علیه وآله) .

ثم تقول الآیة تأکیداً للمراد : (وَلاَ تَلبِسُوا الحَقَّ بِالبَاطِلِ وَتَکتُمُوا الحَقَّ وأَنتُم تَعلَمُونَ) .

وفی الحقیقة فإنّ الیهود ارتکبوا عدّة مخالفات فی هذا المجال :

الاولى : إنّهم تعاهدوا على أن یکونوا أول المؤمنین بالنبی (صلى الله علیه وآله) فی حین کانوا أول الکافرین به .

الثانیة : إنّهم لبسوا الحق بالباطل حتى یطمسوا وجهه ویوقعوا الناس فی المتاهات .

الثالثة : إنّهم کتموا الحق وهم یعلمون بأنّه حق واشتروا بالآیات الإلهیّة ثمناً قلیل .

وهناک فی القرآن الکریم آیات متعددة اُخرى بنفس المعنى (أی تحکی عن «کتمان الحقائق» من قبل الیهود) والظاهر أنّ تلک الآیات کلها تشیر إلى نفس مسألة کتمان آیات النبوة .

ویستفاد من مجموع ماجاء فی الآیات الآنفة بأنّ اوصاف وعلامات نبی الإسلام(صلى الله علیه وآله)وحتى اسمه المبارک قد وردت فی الکتب السابقة ، وقدمت بشارات وإشارات کثیرة بالنسبة لظهوره .

ونتجه الآن صوب کتب العهدین الموجودة فی متناول أیدینا (التوراة والانجیل) ، لنبحث فی نماذج من هذه العلامات والإشارات :


1. التفسیر الکبیر للفخر الرازی ; وتفسیر المنار فی ذیل الآیة مورد البحث .
2. تفسیر روح المعانی ، ج7، ص 103; وتفسیر مجمع البیان ، ج 3، ص 282; وتفسیر روح البیان ، ج3، ص 18 .
3. تفسیر الکبیر، ج 15 ، ص 23 .
4. تفسیر القرطبی ، ج4 ص 2735 (الملخّص) .
5. اقتباس عن سبب النزول الذی جاء فی الدر المنثور من تفاسیر أهل السنة . وتفسیر العیاشی عن الإمام الصادق((علیه السلام)) (وذکره الکثیر من مفسری الشیعة وأهل السنة أیضاً فی ذیل الآیة المذکورة) ـ ومع أنّ البعض من المفسرین مثل الفخر الرازی اعطوا احتمالات متعددة لعبارة (وکانوا من قبل یستفتحون على الذین کفروا) ولکن أغلبها ترجع إلى نفس المعنى الذی ذکر أعلاه .
التبشیر بظهور النبی(صلى الله علیه وآله) فی الکتب السماویة :تمهید :
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma