الحکومة تنصیب أم انتخاب:

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء العاشر)
حقیقة الحکومة الإسلامیةدراسة ونقد لأنواع الحکومات

الجواب عن هذا السؤال یختلف باختلاف وجهات النظر فالذین لاینتمون إلى دین معین، أو ینتمون إلى دین، لکن انتمائهم محدود بالاُمور والمسائل الشخصیة ولیس له أی نفوذ فی الاُمور الاجتماعیة، مثل «الکثیر من المسیحیین» فإنّ جوابهم عن هذا السؤال واضح.

فهم یقولون: إنَّ أفضل أشکال الحکومات هی التی تکون منبثقة عن الشعب، ولأنّ اتفاق الآراء غیر ممکن غالباً، فلذلک یجب انتخاب الحکّام عن طریق الأکثریة.

 

ولکن ما هو جدیر بالذکر أنّ الموالین لهذه الفکرة یؤیدون الحکومات التی تصل إلى دفّة الحکم عن طریق الانقلابات واستخدام القوة من قِبلَ العسکریین ویقیمون معها نفس العلاقات التی یقیمونها مع الحکومات الشعبیة، ولا یهمّهم کیف وصلت هذه الحکومة إلى سدة الحکم! المهم هی على کرسی الحکم وتستطیع تثبیت حکمها وسیادتها.

ولهذا السبب نراهم یتریثون قلیلا حینما یقع انقلاب عسکری فی أی بقعة من بقاع العالم لیروا هل ینتصر ویستلم مقالید الحکم؟ فاذا انتصر وثبّت دعائم حکمه ووطّد أرکانه فعندئذ تتبارى الحکومات المادیة للإعتراف به.

والاعجب من ذلک أنّ جمیع فقهاء المذاهب الأربعة من السنّة، حسب قول مؤلف کتاب (الفقه الإسلامی وادلّته) یتفقون على أنّ الإمامة والحکومة یمکن حیازتهما بالقوّة والغلبة، وکلّ من یصل إلى الحکم بالقوّة! دون الحاجة إلى بیعة الناس أو خلافة امام ومجیء خلیفة من بعده(1). وقد ورد هذا المعنى بصراحة أکثر على لسان الفقیه السنّی المعروف «أحمد بن حنبل»، حیث لا یعتبر الإمامة مشروطة بالعدل ولا بالعلم ولا الفضیلة، وینقل حدیثاً یتضمن معناه أنّ کلّ من تغلّب على الحکم بالسیف فهو خلیفة وأمیر للمؤمنین ولا یجوز لأحد انکار إمامة ذلک الغالب سواء کان بارّاً أم فاجراً(2).

وورد نظیر هذا المعنى فی کتاب (منهاج السنن)(3).

وربّما خطر على بال البعض اَن القول بهذا المعنى لا یصدر إلاّ من أولئک الذین لا یؤمنون بأی اله أو دین، ولکن لماذایصدر هذا القول وتلک الفتوى ممّن یدّعی الإیمان والإسلام ویتمسّک بالقیم الخاصة للحکومة کالإیمان والعدالة؟

ولکننا وبعد فهمنا لهذه الحقیقة وهی أنّهم کانوا غالباً بصدد تبریر موقف الخلفاء من بنی اُمیة وبنی العباس ومسایرتهم، حینئذ لا یعترینا العَجَب من اعترافهم بالحکومات الظالمة والفاجرة التی وصلت إلى سدّة الحکم بالقوة والبطش.

 

على أیّة حال، فإننا وکلّما نظرنا بمنظار القرآن الکریم إلى هذه المسألة یتّضح لنا بجلاء أنّ الحکومة هی من حقّ الذات المقدّسة للخالق ثم لمن یراه عزّ وجلّ صالحاً لذلک.

فقد ذکر القرآن الکریم هذه الآیة فی أکثر من مکان: (إِنِ الحُکْمُ إِلاَّ للهِ). (الانعام / 57) (یوسف / 40 ـ 67)

ونرى نفس هذا المضمون فی آیات اُخرى.

إنَّ کلمة «حُکم» تتضمّن معنىً واسعاً حیث تشمل (الحکومة) و(القضاء) کذلک.

والواقع أن توحید الخلقة ملازمٌ لتوحید الحکم، بمعنى أننا عندما نُسَلِّم أنّ العالَم بأجمعه مخلوق من مخلوقات الله سبحانه، علینا أن نقبل أنَّه ملکٌ تامٌ له أیضاً، وطبیعی أن یکون الحکم المطلق لهذا العالم بید الله کذلک، لذا وجب أن نسیر حسب أوامره، واعتبار من یجلس على کرسی الحکم دون اذنه وأمره متعدیاً وغاصباً.

هذه الفکرة النابعة من (التوحید الافعالی للخالق) (توحید المالکیة والحکم)، معروفة کاملا للموحدین کما أنّ عقائد المذاهب الالحادیة معروفة للجمیع، (تأمل جیداً).

ولهذا السبب فإننا نعتبر الأنبیاء حکّاماً حقیقیین من قبل الله، ولهذا السبب أیضاً بدأ الرسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) بتشکیل الحکومة فی أول فرصة سنحت له، أی عند هجرته إلى المدینة حیث کان الوقت مناسباً لذلک.

وبعد ذلک فالحکومة من حقّ الذین عُینّوا من قِبَلهِ بواسطة أو بدونها.

وهناک روایات کثیرة تحدد الأمراء والأئمّة بعد الرسول(صلى الله علیه وآله) بإثنى عشر إماماً وقد أوردنا المصادر لذلک فی المجلد التاسع من نفحات القرآن بأن هذا الحقّ من نصیب الأئمّة الاثنی عشر من آل البیت(علیهم السلام)، (إذ لم یظهر أیّ تفسیر مقبول لتلک الرّوایات غیره).

وعلى هذا الأساس، فإنّ الأشخاص الذین لهم حق الخلافة والحکومة فی زمن غیبة الإمام المهدی (عج) هم الذین ینصّبهم الإمام بصورة مباشرة أو غیر مباشرة.

ویتبیّن لنا ممّا قیل أعلاه أنّ الحکومة من وجهة نظر المسلم الموحِّد یجب تعیینها من قبل الله تعالى، بل وحتى تلک الحقوق التی نقر بها للشعب فهی أیضاً تتعین من قبله تعالى، ولا یتمکن الموحِّد ابداً ان یجعل إرادة الخلق اساساً للحکومة دون أن تنتهی إلى إرادة الخالق. (تأمل جیداً).

وما کتبه بعض المغفلین من أنّ : «هناک حقیقة یدرکها الجمیع وهی أنّ کل من حاز على أکثریة الأصوات وأیده الشعب فهو الحاکم لأنّ القوّة الحقیقیة للمجتمع هو الشعب... الشعب هو الذی یمنح الولایة لشخص ویجسّد حاکمیته على الآخرین» لا یتلاءم مع النظرة التوحیدیة.

نحن نقول: إنّ النظرة التوحیدیة هی عکس هذا الأمر، أی: إنّه الله تعالى هو الذی یمنح الولایة لشخص ما ویجسِّد حاکمیته على الآخرین، ولو کان للشعب حق فی هذا المجال فهو أیضاً من الله تعالى.

زبدة الکلام هی أنّ الحکومة وحسب النظرة التوحیدیة تکون من السماء، بینما حسب الأفکار الالحادیة فهی من الأرض!.

 


1. الفقه الإسلامی وأدلّته، ج 6، ص 682.
2. الأحکام السلطانیة، ص 20.
3. کتاب المنهاج السنّة کتاب البغاة، ص 518.

 

حقیقة الحکومة الإسلامیةدراسة ونقد لأنواع الحکومات
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma