1 ـ تأریخ السجن

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء العاشر)
2 ـ فلسفة وأقسام السجونتمهید:

لا یتأتى لأحد أن یحدد تاریخاً دقیقاً لتاسیس أول سجن فی تاریخ البشریة، لأنّ هذهِ المسألة تعود تقریباً إلى بدایات الحیاة الاجتماعیة للبشریة، ومنذ ذلک الیوم الذی وجدت فیه الحکومات فالسجون کانت موجودة، بل وحتى غیر الحکام کالملاّک الجبّارین والاقطاعیین الظالمین، قد اعدوا بعض الأمکنة لسجن عبیدهم ورعیتهم، حتى أنّ بعضهم کان یحبسهم فی اصطبلات الحیوانات!

وأمّا فی خصوص تاریخ تأسیس السجن فی الإسلام، فقد اتفق المؤرخون تقریباً على أنّه لم یکن فی عصر النبی(صلى الله علیه وآله)سجن بشکل رسمی، لا لأنَّ رسول الله(صلى الله علیه وآله)لم یکن یُجوِّز ذلک، بل لعدم اتساع المجتمع حینذاک وخاصة فی بدایة الإسلام حیث کان الناس یلتزمون بالقوانین الإلهیّة، وقلّما کان یوجد شخص متخلف عن تلک القوانین.

ولذا لا نرى فی القرآن الکریم عبارة أو جملة واحدة تدل على وجود السجن فی ذلک العصر مطلقاً.

ولکن وفی نفس الوقت کانوا یستعینون بطرق اُخرى بالنسبة إلى المجرمین الذین لابدّ من توقیفهم حتى یتعین التکلیف فیهم، أو المَدینین الذین یمتنعون عن أداء دیونهم مع امتلاکهم المال اللازم لذلک، أو الأسرى الذین یؤسرون فی حروب المسلمین، ومن جملة تلک الطرق:

1 ـ کان المجرمون یحبسون أحیاناً فی المسجد، ولّما لم یکن فی ذلک الوقت قفلٌ وقیدٌ ونحو ذلک، کانوا یوکلون شخصاً لمراقبة ذلک السجین کی لا یفَّر من المسجد، أو أنّهم کانوا یخطُّون دائرة حوله ویوصونه بعدم اجتیاز ذلک الخط المستدیر، وإلاّ فهو مسؤول عن ذلک! والمتهم أیضاً ولأسباب اجتماعیة خاصة ولأجل أن لا یتضاعف عقابه، لم یکن یتخطى ذلک الخط المرسوم حوله، ولعلَّ التعبیر «بالترسیم» فی بعض الروایات إشارة إلى هذا المطلب.

2 ـ الحبس فی دهلیز المنازل إذ إنّ أکثر المنازل کان لها دهلیز طویل بین باب الدار وباحتها وفی أکثر الأحیان کان لها باب یفصلها عن باحة الدار، فلو اُغلقت البابان تحوّل الدهلیز عملیاً إلى سجن.

3 ـ نفس المنازل کانت نوعاً آخر من السجون، وکما ورد فی القرآن الکریم الأمر بحبس النساء فی المنازل، یقول تعالى: (وَالَّلاَتِى یَأْتینَ الْفَاحِشَةَ مِن نَّسَائِکُمْ فَاستَشْهِدُوا عَلَیْهِنَّ اَربَعَةً مِّنْکُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَاَمْسِکُوهُنَّ فِى الْبُیُوتِ حَتَّى یَتَوَفَّاهُنَّ الْمُوتُ اَوْ یَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِیلا).   (النساء / 15)

ولا یخفى أنّ هذا الحکم کان قبل نزول حدِّ الزنا، وعندما نزل، نسخ الحکم المذکور.

 

4 ـ «الملازمة» وهی شکل آخر من السجون، وتکون بهذا الترتیب مثلا، بأن یلازم الدائنُ المدین المتمکن ولا ینفصل عنه حتى یأخذ حقه.

5 ـ مسألة «استرقاق الأسرى» تعتبر أیضاً قائمة مقام السجن، وقد وردت أحکامها مفصلا فی الفقه الإسلامی.

هذه أشکال بدائیة وبسیطة للسجون، وقد تغیرت وتعقّدت بمرور الزمن واتساع المجتمع الإسلامی وتعقید الحیاة وزیادة عدد المجرمین، وأصبح السجن على شکل بناء مخصص، وإن کان السجن موجوداً وبشکل کامل فی بلدان اُخرى وقبل قرون من الزمن.

أولُ سجن أُسّس زمن عمر بن الخطاب:

على الرغم من اصرار بعض المؤرخین على عدم وجود سجن بمعنى المحل الخاص لحجز المجرمین فی زمن الخلفاء الثلاثة الأُوَل، وإن السجن بُنی فی زمن أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السلام)، إلاّ أنّ هذا الادّعاء مخالف لکثیر من الروایات التی ورد فیها أنّ «عمر» کان أول من أقدم على تأسیس السجن فی الإسلام.

والشاهد على هذا الأمر هو ما ذکره «ابن همان» فی کتاب «شرح فتح القدیر» المصنف فی الفقه الحنفی حیث یقول:

«لم یکن السجن موجوداً فی زمن النبی(صلى الله علیه وآله) ولا زمن خلافة أبی بکر، بل کان المجرمون یُحجزون فی المسجد أو فی دهلیز المنازل، حتى جاء «عمر» فاشترى بیتاً فی مکة بأربعة آلاف درهم وجعله سجناً(1).

وقد ذکر هذا المطلب فی کتب أخرى أیضاً ککتاب «النظم الإسلامیة» وکتاب «الجنبات المتحدة بین القانون والشریعة» ، فقد صرّح هؤلاء أنّ «عمر» اشترى تلک الدار من «صفوان بن أمیّة» أحد زعماء مکة، وقد ذکر هذا المطلب أیضاً فی کتاب «المهذب» لأبی إسحاق الشیرازی، المصنف فی الفقه الشافعی، وأنّ عمر اشترى تلک الدار وبدّلها إلى سجن(2).

ومن هنا نجد أنّ بعض الشعراء فی زمن الخلیفة الثانی قد ضمنوا أشعارهم ببعض الأبیات التی لم ترق للخلیفة أو أنّها کانت مخالفة للشرع فکان عمر یأمر بحبسهم فی تلک السجون، ولذا نظم بعضهم بعض الأبیات معتذراً ومبیناً براءته من التهمة، ومن مجموع هذه الأمور یتضح الشاهد الحی على وجود السجن فی زمن خلافة عمر.

ومن جملة هؤلاء الشعراء، «الحطیئة» الذی حبسه عمر فانشد هذین البیتین وأرسلهما إلى عمر:

ماذا تقول لأفراخ بذی مرخ *** حُمرِ الحواصِل لا ماءٌ ولا شجرُ!

ألْقَیتَ کاسِبَهُمْ فی قَعرِ مُظلمة *** فارحَمْ علیک سلامُ الله یا عُمَرُ! ومن تعبیره «قعر مظلمة» بالخصوص یستفاد أنّ ذلک السجن کان عمیقاً ومظلماً فکأنّه کان طامورة.

وهناک قرائن اُخرى تدل على وجود مثل هذا السجن فی زمن عمر، إذ مع اتساع رقعة العالم الإسلامی یزداد عدد الجرائم والمجرمین لا محالة، فلا یمکن تصور عدم وجود سجن ومحبس للمجرمین.

السجن فی زمن أمیر المؤمنین علی(علیه السلام):

والوجه الوحید الذی یبقى للجمع بین کلام أولئک الذین نفوا وجود السجن فی زمن عمر وبین کلام أولئک الذین یصرّون على وجوده هو أنّ عمر لم یقدم على بناء السجن وإنّما اکتفى بشراء دار «صفوان بن أمیّة» بأربعة آلاف درهم واستفاد منه فی هذا المضمار.

وأمّا فی عصر أمیر المؤمنین علی(علیه السلام) فإنّه أقدم شخصیاً على بناء السجن (لکی تراعى المسائل الإنسانیة بشکل أفضل فی حق المسجونین، وللحِّد من فرارهم).

والظریف فی هذا المقام هو أنّ التواریخ نقلت أنّ الإمام(علیه السلام) بنى أولَّ سجن من «البواری» لتوفیر الاضاءة والتهویة الکافیتین وسمّاه «النافع» (ولعلّ هذه التسمیة لأنّ الحبس کان من أجل تربیة المجرمین وإصلاحهم)، ولکن وللاسف فإنّ بعض المجرمین استغلَّ شفقة الإمام(علیه السلام) وأساء الاستفادة من هذا السجن، فقام بعض اللصوص بثقب حائط ذلک السجن وهربوا منه، فاضطر الإمام(علیه السلام) إلى بناء سجن محکم من الطین وسمّاه «المخیَّس».

وکما أشرنا آنفاً فإنّ الدولة الإسلامیة کانت قد اتسعت رقعتها فی زمن عمر بن الخطاب بشکل لا یمکن معه إدارة المجتمع دون وجود سجن للمجرمین، والظاهر أنّ الاصرار على انکار هذا الموضوع یعود إلى الأوضاع السیاسیة والتوصیات القومیة، وإلاّ فإنّ التاریخ یشهد هو الآخر على هذا الأمر مضافاً إلى قرائن الأوضاع والاحوال.

وعلى أیّة حال کان السجن فی ذلک الوقت مجرد محلٍّ لحجز المجرمین والمدینین والسارقین وأمثال هؤلاء، ولم یکن ذلک السجن محلا للمخالفین السیاسیین أبداً، فلو صار وجودهم مضراً فی المجتمع فإنّهم کانوا یرسلون إلى المنفى کما هو الحال فی قضیة أبی ذر الغفاری التی نقرأها فی التاریخ، حیث إنّ عثمان وحاشیته لم یتحملوا صراحة لسان أبی ذر الذی کان على الدوام یأمر بالمعروف وینهى عن المنکر، فاضطروا إلى نفیه إلى أرض وعرة بلا ماء ولا کلأ باسم «الربذة» وبقی هناک إلى أن ودّع دار الفناء وانتقل إلى جوار ربّه، ولکن سنرى أنّ السجن قد تغیّر جدّاً فی عصر بنی أمیة وصار مقراً لاعتقال الخصوم السیاسیین والمعارضین المؤمنین والآمرین بالمعروف والناهین عن المنکر.


1. شرح فتح القدیر، ج5 ، ص471.
2. المهذب، ج 2، ص294.

 

2 ـ فلسفة وأقسام السجونتمهید:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma