6 ـ الطرح التّاریخی لأبی یوسف لحمایة السّجناء

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء العاشر)
تمهید:5 ـ التعامل الإنسانی مع المساجین

یعتبر العصر العباسی من فترات التّاریخ الإسلامی المظلمة، واحد الشّواهد الحیّة على ذلک هو ازدیاد عدد السّجون والضّغط الشدّید على السّجناء، واعتقال الأبریاء بتهم واهیة، وتعذیب القرون الوسطى.

لقد تسربت أخبار هذه السّجون الرهیبة إلى الخارج على الرّغم من التعتیم الشّدید من الحاکم فی ذلک العصر، حتى تعالت صرخات النّاس من هنا وهناک، وطالبت العلماء فی ذلک الوقت للتدّخل فی الأمر لوضع حد لهذا الإرهاب والظّلم.

ومن جملة الأمور الایجابیة التی تحققت فی هذا المجال، الطرح الذی قدمّهُ أبو یوسف الفقیه السّنی المعروف وتلمیذ أبی حنیفة، حیث إنّ هارون الرّشید ومن أجل أنْ یکمَّ أفواه المعارضین طلب من أبی یوسف أنْ یکتب طرحاً فی کیفیة التعامل مع السّجناء من وجهة النّظر الإسلامیّة والفقه الإسلامی، وقد أکدَّ هارون الرّشید على کیفیة التعامل مع السّارقین والأشرار والمخالفین عندما یلقی علیهم القبض، وإنّه هل یجب تهیئة الطّعام لهم؟ وإن کان واجباً فهل یجب أخذه من مورد الزکاة أم من محل آخر؟ وکیف یتعامل معهم بنحو کلی؟

ومن الواضح أنّ هارون الرشید لم یکن یهمه أمر السّجناء وإنّما اضطره الضّغط الجماهیری لذلک.

فکتب أبو یوسف طرحاً مفصلا وموسعاً فی هذا المجال وأرسله إلى هارون الرّشید وکان طرحه متسماً بالصّراحة والشّجاعة فی عدّة موارد من فقراته، وقرن ذلک بالإنتقاد الشّدید للوضع الرّاهن حینذاک من دون أن یحدد الإجابة بالموارد التی أرادها لهارون الرّشید، لإنّه کان یعلم جیداً بأنّ أکثر سجناء الحکم العباسی هم من السّیاسیین!

وتتلخص هذه الرّسالة التّاریخیة بإثنتی عشرة فقرة نذکرها هنا:

1ـ إذا لم یکن للسجناء شیء ممّا یأکلون منه، فیجب أن یُصرف علیهم من الزکاة أو «حق الفقراء» أو من بیت المال أو من «الأموال العامة».

2 ـ یجب أن یصرف على أی من السجناء مبلغ من بیت المال وذلک لتأمین قوتهم، ویحرم عدا ذلک.

3 ـ واعلم أنّ الأسیر من أسرى المشرکین لابدّ وأن یُطعم ویُحسن إلیه حتى یحکم فیه، فکیف برجل مسلم قد أخطأ أو أذنب أیترک لیموت جوعاً؟

4 ـ ولم تزل الخلفاء، یا أیّها الخلیفة تجری على أهل السجون ما یقوتهم فی طعامهم وکسوتهم فی الشتاء والصیف، وأول من فعل ذلک الإمام على بن ابی طالب(علیه السلام) وحذا من جاء بعده حذوه.

وحدثنى بعض الرواة، حیث قالوا: إنّ عمر بن عبدالعزیز کتب إلینا ما نصه: لا تدعن فی سجونکم أحداً من المسلمین فی وثاق لا یستطیع أن یصلی قائماً، ولا یبیتن فی قید إلاّ رجلا مطلوباً بدم.

 

5 ـ أوصی بأنّ تدفعوا للسجناء دراهم فی کل شهر، فإنّک إن أعطیتهم الخبز ذهب به ولاة السجن والقوام والجلاوزة فلایصل إلیهم شیء.

«و هنا کشف أبو یوسف اللثام عن فساد ولاة السجون فی زمان خلافة بنی العباس واوضح ذلک بکل جلاء».

6 ـ ووَلَّ رجلا من أهل الخیر والصلاح یثبت أسماء مَن فی السجن فتجری علیهم الصدقة وتکون الأسماء عنده ویدفع ذلک إلیهم شهراً بشهر، یقعد ویدعو باسم رجل رجل ویدفع ذلک إلیه فی یده ویکون للأجراء عشرة دراهم فی الشهر لکل واحد.

7 ـ سمعت أنّ بعض السجناء یغلون بالسلاسل کی یتصدق علیهم الناس، فإنّ هذا عظیم أن یکون قوم من المسلمین قد أذنبوا واخطأوا وقضى الله علیهم ما هم فیه فحبسوا یخرجون فی السلاسل یتصدقون، وما أظن أهل الشرک یفعلون هذا بأسارى المسلمین الذین فی أیدیهم فکیف ینبغی أن یفعل هذا بأهل الإسلام؟

وإنّما صاروا إلى الخروج فی السلاسل یتصدقون لما هم فیه من جهد الجوع فربّما أصابوا مایأکلون وربّما لم یصیبوا «وهذه من المصائب الکبرى».

8 ـ ومن مات منهم ولم یکن له ولی ولا قرابة یغسل ویکفن من بیت المال ویصلى علیه ویدفن.

وقد بلغنی وأخبرنی به الثقات أنّه ربّما مات منهم المیت الغریب فیمکث فی السجن الیوم والیومین حتى یستأمر الوالی فی دفنه وحتى یجمع أهل السجن من عندهم وما یتصدقون ویکنزون لمن یحمله إلى المقابر فیدفن بلا غسل ولا کفن ولا صلاة علیه، فما أعظم هذا فی الإسلام وأهله.

9 ـ ولو أمرت بإقامة الحدود لقل أهل الحبس ولخاف الفساق وأهل الدعارة ولتناهوا عمّا هم علیه، وإنّما یکثر أهل الحبس لقلة النظر فی أمرهم، فأمُر ولاتک جمیعاً بالنظر فی أمر المساجین، فمن کان علیه أدب أُدب وأُطلق، ومن لم یکن له قضیة خلی عنه.

10 ـ وعلیهم أن لا یسرفوا فی الأدب ولا یتجاوزوا بذلک إلى ما لا یحل ولا یسع، فإنّه بلغنی أنّهم یضربون الرجل فی التهمة وفی الجنایة الثلاثمائة والمائتین ضربة وأکثر أو أقل، وهذا ممّا لا یجوز ولا یحل فی الإسلام، فظهر المؤمن حمىً ولا یجوز أذیته.

11 ـ کل من أتى بما یجب علیه الحد أو القصاص وقامت علیه البیّنة بذلک، یجب أن تقام علیه الحدود الإسلامیة، فمن جُرح منهم جراحة فی مثلها قصاص، وقامت علیه البینة بذلک، قِیسَ جرحُه واقتُصَّ منه إلاّ أن یعفو المجنی علیه، فإن اِقتُصَّ منه أو عَفا عنه صاحب الدم، فیطلق سراحه ولا یبقى فی السجن.

12 ـ إذا لم یستطع الجانی تحمل القصاص حکم علیه بالأرش واُطیل حبسه حتى یحدث توبه ثم یخلى سبیله(1).

فهذه الرسالة التاریخیة تحکی عن رؤیة فقیه عاصر العباسیین عن أحکام الإسلام فی السجناء، ویمکن أن تکون نموذجاً صغیراً من مجموعة کبیرة من الشواهد والأدلة على التعلیمات الإسلامیة فی هذا المجال.

 


1. کتاب الخراج للقاضی أبی یوسف، ص 149 ـ بتصرُّف.

 

تمهید:5 ـ التعامل الإنسانی مع المساجین
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma