وهنا ینبغی الإلتفات إلى عدّة نکات ضروریة:

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء العاشر)
جهاز الحسبة والمحتسب فی الحکومة الإسلامیّة:الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر فی الروایات:

1 ـ إنّ أحسن أنواع الحکومات، تلک الحکومة التی یشترک فیها کلّ النّاس، وبتعبیر آخر الحکومة التی یحمل أرکانها أکتاف النّاس، والأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر فی الواقع تصمیم لمسألة الحکومة وتثبیت لاشتراک عامة الناس فیها، إذ عن هذا الطّریق یمکن الحدّ من الکثیر من المخالفات، وتعریف النّاس بوظائفهم الفردیة والاجتماعیّة، ومع الأخذ بنظر الاعتبار قلّة المأمورین الحکومیین (کالشّرطة وقوى الأمن الداخلی) قیاساً إلى عدد المتخلفین، تتضح لنا أهمیّة هذه الوظیفة الإسلامیّة أکثر فأکثر، إذ لا یمکن نظم المجتمع والحدِّ من وقوع المخالفات والجرائم إلاّ عن هذا الطّریق.

وما قیل من أنّه لو کان فی داخل البیت ولد مجرم فإن أباه وأُمّه مسؤولان تجاهه، وأنّ الولد البالغ مسؤول عن أبیه وأُمهُ إذا ما ارتکبا ذنباً، وأنّه إذا صدر ذنبٌ فی شرق العالم وکان فی غربه رجل یمکنه الحدَّ من ارتکابه، فلم یفعل کان شریکاً له، هذا القول، له تأثیر عمیق بلا شک فی الحدِّ من ارتکاب الذّنوب والمخالفات والدّعوة إلى القیام بالفرائض والمسؤولیات.

هذا فی حین أنّ مجتمع الیوم والحکومات الالحادیة، قد أوکلت مسؤولیة الحدّ من المخالفات والمفاسد على عهدة مجموعة صغیرة خاصّة فقط، ولذا فإن نتاج هذه

 

المجموعات محدود جدّاً وقلیل.

ومن هنا یتضح لنا عظمة وأهمیّة هذه الفریضة الإسلامیّة من جهة، وجماهیریة الحکومة الإسلامیة من جهة أخرى.

ولکن هذا لا یعنی أن یتصرف جمیع النّاس وکأنّهم رجال شرطة، بل إنّ وظیفتهم على مستوى الدّعوة إلى الخیرات ومکافحة المنکرات والشّرور عن طریق النّصح والموعظة، وأحیاناً عن طریق قطع الرّوابط والعلاقات الاجتماعیّة مع الفاسدین والمفسدین.

2 ـ قد أشرنا فی بحث التعزیرات إلى أنّها قسمٌ من أقسام الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر، وهو نفس القسم الذی یجرى من قبل الحاکم الشرعی والذی لا یحق للآخرین التدّخل فیه، وکما جاء هناک، فإنّ التّعزیر بمعنى المنع من ارتکاب الذنب أو الحدّ من الاستمرار على ارتکابه أو تکراره، وفی هذه الطریق لابدّ من الإستفادة من قاعدة الاسَهَل فالأسَهل: أی ینبغی البدء بالمراحل البسیطة أولا، فإن لم تقع مؤثرة انتقل إلى المراحل المعقدة والخشنة.

فیبدأ بالتذکیر الأخوی أو الأبوی، ثّم العتاب الخفیف، ثُمّ الشّدید، ثُمّ عدم الإکرام وقطع الرّوابط، وفی النّهایة الحبس والجلد والغرامات المالیة والتوبیخات الاجتماعیّة وأمثال ذلک، فهذه هی المراحل فی طریق التعزیر عن المنکر، وبعبارة أُخرى المصادیق المختلفة للأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر.

ولهذا فإنّ العلماء یعتمدون على أدلة الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر فی الفقه عندما یبحثون الحدود والتّعزیرات لإثبات مشروعیتها.

3 ـ لا یمکن إنکار تأثیر فریضتی «الأمر بالمعروف» و«النّهی عن المنکر» فی تأمین العدالة الاجتماعیّة وإجراء القوانین ومحاربة المنکرات والحدِّ من الجنایات وتقلیل عدد السّجناء، وتطویر الثّقافة الاجتماعّیة، وقد أثبتت التجارب أنّ المجتمعات التی تؤدّی هاتین الوظیفتین بشکل صریح وقاطع ومدروس، تکون عادة مجتمعات نظیفة وسلیمة ویعم الأمن والأمان فیها، وبالعکس فإنّ المجتمعات الّتی نسیت هاتین الوظیفتین والتی وقفت

مکتوفة الأیدی قبال التخّلفات والمعاصی، ابتلیت بعواقب سیئة، فدخل الفساد حتّى فی المنازل والبیوت، وفی هذا المجتمع لا یأمن أی فرد من أفراده من المخاطر، وبالضبط کما ورد فی الحدیث الشّریف عن النّبیّ الأکرم(صلى الله علیه وآله)فإنّ البلاء والعذاب سیعم الجمیع، وکما ورد عن أمیر المؤمنین(علیه السلام): «فیُولّى علیکُم شَرارکم ثُمّ تَدعُونَ فلا یُستجاب لَکُمْ»(1).

4 ـ إنّ الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر، یبدءان عادة کما نعلم من العمل الثّقافی، وعلیه، فإن کلّ أجهزة الإعلام الجماعیّة، وکلّ مراکز الإذاعة والتلّفزیون لها دخل فی رفع مستوى الإطلاع والثّقافة الجماهیریة وتوجیه النّاس نحو الخیر والصلاح والطهر والأخلاق الإنسانیّة الرفیعة والفضیلة، والتنّفر من الفساد والقبائح، فلکل من هؤلاء موقعه فی دائرة الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر، وحتّى مراکز التّربیة والتّعلیم بمستویاتها المختلفة والّتی تُعرِّف الشُبّان والصّبیان أُصول العقائد الصّحیحة والموازین الإنسانیّة والقوانین والأداب الاجتماعیّة، والتی تخطو من أجل التّعلیم والتّربیة الصّحیحین، لها موقعها الخاص فی تلک الدّائرة، وذلک لأنّ کل هذه الأمور یمکن أنْ تساهم فی الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر، وعلیه فإنّ دور هذه المراکز فی تحقیق هذین الأصلین الاجتماعیین المهمین، واضح وجلّی.

والنّکتة المهمّة الاُخرى هی أنّ الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر، وإنِ اعتبرا قسمین من فروع الدّین، إلاّ أنّهما من جهة أخرى، بدرجة من السّعة والأهمیّة بحیث یشملان قسماً عظیماً من أصول العقائد، لأنّ تلک الأمور مؤثرة فی هذا المسیر وعن طریق تحکم أُسس الإعتقادات یمکن محاربة المفاسد الاجتماعیة، کما أنّ العبادات أیضاً تعتبر مقدمة لها.

5 ـ خلافاً لما یراه البعض، فإنّ الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر لیسا وظیفة عبادیة، بل فلسفة عقلیة واضحة (التفتوا جیداً).

وتوضیح ذلک:

بالإلتفات إلى العلاقات الاجتماعیّة، وأنّ أی عمل خیر أو شرّ فی المجتمع الإنسانی لا یتحدد بنقطة خاصة، بل یسری بأی صورة إلى النقاط الاُخرى، فکل عمل قبیح یعتبر کالنار التی إذا لم تطفأ فإنّها ستسری وتحرق کل ما فی طریقها وتحیله إلى رماد، فمحاربة الفساد حقٌ اجتماعی.

وأفضل تعبیر عن هذا المطلب هو ما ورد فی الحدیث النبوی حیث یقول:

«إنّ مثل الفاسق فی القوم کمثل قوم رکبوا سفینة فی البحر فاقتسموها فصار لکل واحد منهم ] مکان[ فعمد أحدهم الى مکانه لخرقه تعالى فقالوا أترید أن تهلکنا فقال وما انتم من مکانى فإن ترکوه غرقوا وغرق معهم و إن أخذوا على یدیه نجوا ونجا فذلک مثل الفاسق»(2).

ومن هنا یتضح لنا، أنّ الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر، لیسا تدخلا فی حیاة الآخرین الخاصّة، فلا شک فی أنّ الإسلام یعتبر التدّخل فی حیاة الآخرین والتجسس علیهم حراماً، والقرآن الکریم تحدث عن هذه الحقیقة فی (سورة الحجرات)، ولکن حدود الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر هی الإضطرابات والمفاسد الاجتماعیّة الفاضحة، والتی لها مدخلیة مباشرة فی تحدید مصیر المجتمع، وأنّ مصیر المجتمع معقود علیها، والتّخلف والانحراف فی کلّ فرد من أفراد المجتمع له أثر بالغ على المجتمع ککلّ.

وبناءً على هذا، فإنّه لا یحق لأحد أن یعترض على أولئک الذین یأمرون بالمعروف وینهون عن المنکر فی مثل هذه الموارد ویقول لهم: إنّ هذا الأمر لا یهمکم فلا تتدخلوا فیه، فإن جواب هذا الشخص، هو أنّ هذا الأمر یخصّنا جمیعاً، فإنّ مصیرنا مرتبط بنا جمیعاً، فهل یحق لأحد أن یعترض على الدولة إذا ما عینت مأمورین للتلقیح ضد الأمراض المسریة إذا ما سرت تلک الأمراض فی المجتمع ویقول لمسؤولی الدولة: إنّ هذا الأمر لا یعنیکم؟ فأنا الذی أتمرّض وأنا الذی أعرّض نفسی للخطر فلماذا تتدخلون فی حیاتی الشخصیة؟!

فلا شک فی أنّ الجمیع سیجیبون ذلک الشّخص بأنّ سلامتک لیست منفصلة عن سلامة المجتمع، ومرضک سیسری إلى أفراد المجتمع الآخرین، ولذا فإن الأمر یهمّ الجمیع.

وعلیه فلابدّ من الإذعان بأنّ هاتین الوظیفتین (الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر) تعتبران من أثار الحیاة الاجتماعیّة للإنسان ومن الحقوق والواجبات الاجتماعیة.

کان هذا ملخصاً لبحث الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر، وأثرهما فی تحقیق أهداف الحکومة الإسلامیّة.

 


1. نهج البلاغة، الرسالة 47.
2. راجع تفسیر روح الجنان، ج3، ص142; المعجم الاوسط، ج 3، ص 149.
جهاز الحسبة والمحتسب فی الحکومة الإسلامیّة:الأمر بالمعروف والنّهی عن المنکر فی الروایات:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma