قصّة «الجزیة»:

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء العاشر)
إختیار الأسلوب الأفضل فی النقاش:جمع الآیات و تفسیرها

والآیة الثّانیة وهی من سورة التّوبة أیضاً، وبعد بیان الأحکام الخاصّة بالنّسبة للمشرکین وعبدة الأوثان، تتعرض لبیان موقف المسلمین من کفار أهل الکتاب (الیهود والنّصارى) وتقول:

(قَاتِلُوا الَّذِینَ لاَ یُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْیَومِ الآخِرِ وَ لاَ یُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَ رَسُولُهُ وَ لاَ یَدیِنُونَ دِینَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِینَ اُوتُوا الْکِتَابَ حَتَّى یُعْطُوا الْجِزْیَةَ عَنْ یَد وَهُمْ صَاغِرُونَ)

ولا شکَّ فی أنّ لهجة الآیة فی خصوص أهل الکتاب «شدیدة» وذلک لأنّ أهل الکتاب وخاصة «الیهود» کانت لهم مواقف سلبیة جدّاً تجاه الإسلام والمسلمین، فقد وافقوا الأعداء فی حرب الأحزاب وبعض الحروب الاُخرى، مضافاً إلى أنّهم وقفوا فی وجه الإسلام فی بعض الحروب کحرب «خیبر» وتآمروا على قتل رسول الله(صلى الله علیه وآله)، وکانوا یتجسسون على المسلمین لصالح الأعداء.

وبالنظر لأن الآیة أعلاه من آیات سورة التّوبة، ونعرف أنّ سورة التوبة نزلت فی السّنة التّاسعة للهجرة، حیث کان المسلمون قد غزو غزوات عدیدة، وکان من الضّروری أن یحددوا موقفهم من کل القوى المخالفة لهم.

ففی البدء تحذر المشرکین وتطلب منهم تحدید موقفهم، فتعلن الحرب ضد أولئک الذین نقضوا عهدهم إلاّ إذا أذعنوا للحق، وأمّا أولئک الذین وفوا بعهدهم فتطلب منهم الاستمرار بالوفاء حتّى النّهایة (وهذا المعنى ذکر فی الآیات الأولى من السّورة).

ثُمّ تعلن الحرب على أهل الکتاب الّذین لا زالوا یُنسّقون مع المشرکین ضد المسلمین، فتصفهم بثلاثة أوصاف، الأولى: (لا یُؤمِنُونَ بِاللهِ ولاَ بِالیَومِ الآخِرِ)، فصحیح أنّ الیهود والنّصارى کانوا فی الظّاهر یقبلون المبدأ والمعاد، ولکنّهم من جهة اُخرى کانوا قد دنّسوا هذا الإعتقاد بالخرافات، فأداروا ظهورهم للتّوحید الصّحیح وتمسّکوا بالتثلیث والشّرک، وقالوا بانحصار المعاد غالباً فی المعاد الرّوحانی، والأهم من ذلک هو أنّ إیمانهم بالمبدأ والمعاد لم ینعکس على أعمالهم وأفعالهم، وانغماسهم فی الخرافات والضّلال کان إلى درجة یمکن القول معها أنّهم لیسوا بمؤمنین بالمبدأ والمعاد.

والصّفة الثّانیة هی: (وَلاَ یُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ).

وتاریخ هؤلاء یشهد بأنَّهم لم یلتزموا عملیّاً باجتناب المحرمات وکانوا یرتکبون الذّنوب المحرمة فی کلّ الشّرائع السماویّة، فکان الدین عندهم مجرد طقوس خاویة صوریّة (کما أن الدین عندهم الیوم عبارة عن مسألة شخصیّة تقتصر على الدّعاء الأسبوعی وذکر بعض الأمور الأخلاقیّة التی لیس لها أی أثر على حیاتهم عملیاً، مثالهم الصهیونیّة التی لا تتورع عن القیام بأی جریمة نکراء من أجل تحقیق أغراضها).

والصفة الثّالثة هی: (وَلاَ یَدِینُونَ دِینَ الحَقِّ).

لأنّهم غیّروا مفهوم الدّین کلیّاً وعزلوه عن هموم البشریّة وخلطوه بالخرافات.

وهذه الأوصاف الثّلاثة، تعتبر متلازمة لهم فی الواقع، وهی التی کانت تدعوهم مجتمعة لمواجهة الإسلام ومخالفته.

ولکن مع کلّ ذلک فإنّ الآیة تفتح باباً للصّلح أمامهم وتقول: (حَتَّى یُعْطُوا الْجِزْیَةَ عَنْ یَد وَهُمْ صَاغِرُونَ).

یقول الرّاغب فی مفرداته: «الجزیة» ما یؤخذ من أهل الذّمة (وهم غیر المسلمین الذین یتعاهدون معهم للعیش جنباً إلى جنب داخل الدّول الإسلامیّة)، وتسمیته بذلک لإنّه بمنزلة الجزاء والأجر الّذی یدفعونه لحفظ أنفسهم (وأموالهم).

وجاء فی کتاب التّحقیق، أنَّ الجزیّة نوع من الجزاء والأجرة، وهو نفس ما یؤخذ من غیر المسلمین.

 

وعلى کلّ حال، فإنّ أصل «الجزیة» هو «الجزاء»، لأنّ ما یدفعونه من مال لا یکون مجاناً وبلا عوض، بل عوضه هو أنّ الحکومة الإسلامیّة تکون مسؤولة عن الدّفاع عن أموالهم وأنفسهم وأعراضهم وتوفیر الأمن اللازم لهم.

وقد احتمل البعض أنّ «الجزیّة» مأخوذة من «الجزء» لأنّ الجزیة عادة مبلغ قلیل من المال یدفعه کلّ فرد منهم سنویاً.

والتّعبیر بـ«عن ید» إشارة إلى أنّ «المعاهد» لابدّ أنّ یدفع «الجزیّة» بیده شخصیّاً، ولا یحق له توکیل شخص آخر للقیام بذلک، ولکن البعض یعتقد أنّ هذا التّعبیر إشارة إلى أنّ الجزیة لابدّ أن تکون نقداً، وعلیه فیحق للذّمی أنْ یُوَکِّل عنه شخصاً آخر لدفع الجزیّة ولکن یجب أن تکون نقداً لا نسیئة، أو أن المراد من ذلک هو أنّ «الجزیة» تؤخذ من الأغنیاء فقط، وأمّا الفُقراء فیعفون عن أداء الضرائب الإسلامیّة.

وأیّاً کان المعنى من هذه الثّلاثة فلا یؤثر على أصل المسألة مع أنّه یمکن جمعها جمیعاً.

وأمّا تعبیر (صاغِرُونَ) والذی ذکرت له معان وتفاسیر غیر مناسبة، فهو فی الأصل مأخوذ من مادة «صِغَر» بمعنى الاستصغار والخضوع، فیکون المراد هنا هو خضوع هؤلاء واحترامهم للإسلام والمسلمین ولمقررات الحکومة الإسلامیّة، وبعبارة اُخرى علامة على العیش بسلام وقبول أنَّهُم أقلیة مسالمة ومحترمة فی قبال الأکثریة.

وماذکره بعض المفسرین من أنّه بمعنى «التّحقیر والإهانة والسّخریة بأهل الکتاب» لا یمکن استفادته لا من المفهوم اللّغوی للکلمة ولا من روح التّعالیم الإسلامیّة، ولا من أحکام التّعامل مع الأقلیات الدّینیّة الواصلة إلینا، وفی الواقع فإنّ هؤلاء المفسرین یفرضون عقیدتهم الخاصة على الآیة.

ومن هنا تتضح لنا حقیقة تلک (الزوبعة) التی یثیرها البعض حول هذه الکلمة من هذه الآیة، وأنّها مخالفة لکرامة الإنسانیة ونهج العیش المشترک المسالم، فهی ضجَّةٌ وزوبعة لا أساس لها من الواقع.

والنکتة المهمّة هنا هی أنّ «الجزیة» عادة مبلغ قلیل من المال کان أهل الکتاب یدفعونه

فی قبال تعهد الحکومة الإسلامیّة على حفظ أموالهم وأنفسهم ونوامیسهم، وطبقاً لما ورد فی بعض الرّوایات فإنّ مقدار الجزیّة کان دیناراً واحداً فی السنة!!

حتى أنّ بعض أهل الکتاب الذین کانوا یعجزون عن دفعه کانوا یعفون من الجزیة (وقد أشرنا سابقاً إلى أنّ البعض یرى أنّ جملة «عن ید» إشارة إلى ذلک).

إختیار الأسلوب الأفضل فی النقاش:جمع الآیات و تفسیرها
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma