الدّعوة إلى أصل أساسی مشترک:

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
نفحات القرآن (الجزء العاشر)
العیش المشترک مع أتباع الأدیان الاُخرى فی الرّوایات:إختیار الأسلوب الأفضل فی النقاش:

والآیة الرابعة تخاطب أهل الکتاب وتدعوهم إلى أصل أساسی مشترک وهو التّوحید وفروعه، یقول عزّوجلّ:

(قُلْ یَا اَهْلَ الْکِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى کَلِمَة سَوَاء بَیْنَنَا وَ بَیْنَکُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَ لاَ نُشْرِکَ بِهِ شَیْئاً وَ لاَ یَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَاباً مِّنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِاَنَّا مُسْلِمُونَ).

والدعوة إلى القدر المشترک خیر طریق للعیش بین مذهبین مختلفین، إذ لا یمکن عادة أنْ نطلبَ من طرف واحد أن یتخلى عن معتقداته ویتبع الطّرف الآخر، وحتّى لو کان ذلک مقبولا ومنطقیّاً فإنّه غیر ممکن عملیاً، فالأفضل أن نترک أتباع الأدیان الاُخرى على معتقداتهم إذا رفضوا قبول الإسلام بعد بیان الأدلة على حقانیته، وأنّ نعمل ضمن القدر المشترک بیننا وبینهم، وخیر مشترک بین کلّ الأدیان السماویة هو أصل «التوحید» فی الذات والصفات.

وحتّى أنصار التّثلیث (وینبغی التّنبیه هنا إلى أنّ الإعتقاد بثالث ثلاثة لم یکن موجوداً فی عصر المسیح والقرن الأوّل بعده، کما صرح بهذا المعنى علماء المسیحیّة) فإنّهم یفسرِّون التّثلیث بشکل یتلائم مع التّوحید، ویسمّونَهُ بــ «الوحدة فی التثلیث»، وعلى الرغم من أنّ ذلک تناقض واضح، ولکنه فی نفس الوقت دلیل على أنّ هؤلاء یرغبون فی بقائهم أوفیاء لأصل التّوحید.

وهذه الدّعوة إلى الحیاة السّلمیّة المشترکة المستمرة من المعتقدات المشترکة یعتبر فی الحقیقة مصداقاً واضحاً «للمجادلة بالّتی هی أحسن» الذی ورد فی الآیة السّابقة، ویدلّ بوضوح على أنّ الإسلام لا یرغب أبداً فی إجبار أتباع الأدیان الاُخرى بالقوة على اعتناق الشّریعة الإسلامیّة.

والظّریف هنا، هو أنّ النّبیّ(صلى الله علیه وآله) بعد صلح الحدیبیّة فی السّنة السابعة للهجرة وعندما أرسل کتباً إلى زعماء وملوک الدّول العظمى فی ذلک الوقت مثل «المقوقس» ملک مصر و«هرقل» ملک الرّوم، و«کسرى» ملک إیران، دعاهم فیها إلى الإسلام، ذکر هذه الآیة المبارکة فی ذیل تلک الکتب ودعاهم على الأقل إلى الأصل المشترک بین کل الأدیان السّماویّة، أی أصل «التّوحید»، ثُمّ العیش بسلام جنباً إلى جنب.

وهذا بنفسه خیر دلیل على روح السّلام والصّلح فی الإسلام والرّغبة فی العیش السّلیم مع أتباع سائر الأدیان السّماویة، والذی لها جذور منذ عصر النّبیّ(صلى الله علیه وآله).

وفی خامس وآخر آیة من الآیات الّتی ذکرناها فی صدر البحث، إشارة إلى اختلاف مواقف أتباع الأدیان الاُخرى تجاه المسلمین، فتتحدث الآیة عن کل من هؤلاء بحسب حاله، یقول تعالى:

 

(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِینَ آمَنُوا الْیَهُودَ وَ الَّذِینَ اَشْرَکُوا وَ لَتَجِدَنَّ اَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِلَّذِینَ آمَنُوا اَلَّذِینَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى).

ثُمّ تبین الآیة الکریمة دلیل محبة المجموعة الثّانیة للمؤمنین وتقول:

(ذَلِکَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسّیِسیِنَ وَ رُهْبَاناً وَ اَنَّهُمْ لاَ یَسْتَکْبِرُونَ).

وهذا التّعبیر یدلّ بوضوح على أنّ الإسلام مضافاً إلى أنّه یرفض مواجهة من لا یکنُّ للإسلام العداء والبغضاء، فإنّه یعتبر هؤلاء من أقرب الأصدقاء إلى الإسلام، ویثنی على زعماء هؤلاء ویعتبرهم من أهل العلم والمعرفة وترک الدّنیا والإستکبار وبهذا یستقبل هؤلاء بصدر رحب ویفتح لهم ذراعی المحبّة والصّداقة ویکنُّ لهم احتراماً خاصاً.

وإذا کان موقف الإسلام تجاه الیهود والنّصارى متفاوتاً، فإنّ ذلک لیس لعداوة خاصة یکنّها للیهود، بل من أجل مواقفهم العدائیّة ضدّ المسلمین واتفاقهم مع المشرکین العرب السّفاکیّن، على العکس من النّصارى، ولذا جمع فی الذکر بین الیهود والمشرکین فی هذه الآیة، وأمّا المسیحیین فکانوا على صلة حسنة بالمسلمین.

والملفت للنّظر هنا هو أنّ المسیحیین کانوا أبعد من الیهود عن المسلمین لاعتقادهم بالتّثلیث بینما کان الیهود یقولون بالتّوحید صراحة، ولکن لما کان الیهود عملیاً یضمرون العداء ویحیکون المؤامرات ضدّ المسلمین بخلاف المسیحیین فإنّ الإسلام یهتم بالعیش بسلام مع النّصارى أکثر من الیهود.

وللأسف، فإن وضع الیهود الیوم هو الإستمرار فی میولهم العدوانیّة السّالفة، حیث نجد أنّ الیهود الیوم قد جنّدوا کلّ قدراتهم ضدّ الإسلام والمسلمین، فی حین أنّ بین المسیحیین أفراد أو دول تربطهم روابط حسنة مع المسلمین.

ومن مجموع ما ذکر، یتّضح تماماً أنّ سعة صدر الإسلام وعظمته تمیل إلى الرّغبة فی العیش بسلام مع الأدیان السّماویّة الاُخرى بشرط أن یدخل هؤلاء من باب الصّلح والصّفاء والصّداقة والإحترام المتقابل ـ ویأمر المسلمین بالتّعامل الحسن معهم، وأن یجادلوهم بالموعظة الحسنة وإتباع المنطق والأدب والإنصاف، وبهذا الطّریق یرشدونهم إلى تعالیم

شریعة الإسلام، لا عن طریق ممارسة الخشونة والشّدّة والتّصرفات المرفوضة إسلامیاً.

 

العیش المشترک مع أتباع الأدیان الاُخرى فی الرّوایات:إختیار الأسلوب الأفضل فی النقاش:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma