الفصل الثانی

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
عاشوراء جذورها، أهدافها، حوادثها، معطیاتها
الفصل الثالثالفصل الأول

ربّما یبدو أنّ بعض العوامل أسهمت فی تحقیق هذه الثورة الدمویة من قبیل امتناع الإمام الحسین(علیه السلام) عن مبایعة یزید وتلبیة دعوة أهل الکوفة، إلاّ أنّ أحد الدوافع الأساسیة لهذه الثورة العملاقة والذی ورد کراراً فی کلمات الإمام(علیه السلام)إصلاح الأُمّة وممارسة الفریضة المهمّة التی عزى القرآن هلاک الأقوام السابقة إلى نسیانها فقال تعالى:

(فَلَوْلاَ کَاَنَ مِنَ القُرونِ مِنْ قَبلِکُم أُولُوا بَقِیة یَنهَوُنَ عَنِ الفَسَادِ)(1).

وقال تعالى بشأن طائفة من بنی إسرائیل لعنت من بعض الأنبیاء کداود وعیسى(علیهما السلام):

(کَانُوا لاَ یَتَناهُونَ عَنْ مُنکَر فَعلُوهُ لَبِئْسَ مَا کَانُوا یَفْعَلُونَ)(2).

فالواقع أنّ مساومة هذه الطائفة ولا مبالاتها أدت إلى تشجیع العناصر الآثمة وبالتالی أدّى ذلک إلى هلکة الجمیع. وقال تعالى فی آیة أخرى بشأن إجراء هذه الفریضة بصورة شاملة لیعده من خصائص الأمة الإسلامیة بصفتها الأمة الفضلى:

(کُنْتُمْ خَیْرَ أُمَّة أُُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنکَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ)(3).

والذی یجدر الإلتفات إلیه فی هذه الآیة أن سبب أفضلیة الأُمّة یعزى إلى «الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر والإیمان بالله» والأجدى من ذلک أنّه قدم «الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر» على «الإیمان بالله» لیشیر إلى هذا المعنى فی تقطع عرى الإیمان بالله وانهیار دعائمه دون تلک الفریضتین، بعبارة أخرى إنّ الإیمان بالله یستند إلى تلک الفریضة(4)، کما یتوقف علیها إصلاح شؤون المجتمع کافّة. قال الإمام الباقر(علیه السلام):

«إِنَّ الاَْمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْیِ عَنِ الْمُنْکَرِ فَرِیضَةٌ عَظِیمَةٌ بِها تُقامُ الْفَرائِضُ وَتَأْمَنُ الْمَذاهِبُ وَتَحِلُّ الْمَکاسِبُ وَتُرُدُّ الْمَظالِمُ وَتُعْمَرُ الاَْرْضُ وَیَنْتَصِفُ مِنَ الاَْعْداءِ وَیَسْتَقِیمُ الاَْمْرُ»(5).

کما قال أمیر المؤمنین علی(علیه السلام):

«قِوامُ الشَّریعَةِ الاَْمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْیُ عَنِ الْمُنْکَرِ وَإِقامَةِ الْحُدُودِ»(6).

فالذی یستفاد من هذه الروایات أنّ هذه الفریضة، أی المسؤولیة العامة إن غیبت فی المجتمع إنهارت دعائم الشریعة وانقرض الدین شیئاً فشیئاً وأنحدر المجتمع إلى الفساد والإنحراف. وعلى هذا الضوء وصف رسول الله(صلى الله علیه وآله) الآمر بالمعروف والناهی عن المنکر بخلیفة الله فی الأرض وخلیفة رسوله(صلى الله علیه وآله) وخلیفة کتابه:

«مَنْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهى عَنِ الْمُنْکَرِ فَهُوَ خَلِیفَةُ اللهِ فِی أَرْضِهِ وَخَلِیفَةُ رَسُولِ اللهِ وَخَلِیفَةُ کِتابِهِ»(7).

وقال علی(علیه السلام) فی مقارنته لهذه الفریضة بسائر الفرائض:

«وَما أَعْمالُ الْبِرِّ کُلُّها وَالْجِهادُ فِی سَبِیلِ اللهِ عِنْدَ الاَْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْیِ عَنِ الْمُنْکَرِ إِلاَّّ کَنَفْثَة فِی بَحْر لُجِّیّ»(8).

وندرک من هذه العبارة الأهمیة القصوى والقیمة الفریدة لهذا الموضوع فی الإسلام. وأشار علی (علیه السلام) فی موضع آخر إلى المراحل الثلاث للأمر بالمعروف والنهی عن المنکر فقال:

«أَیُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، إِنَّهُ مَنْ رَأى عُدْواناً یُعْمَلُ بِهِ وَمُنْکَراً یُدْعى إِلَیْهِ فَأَنْکَرَهُ بِقَلْبِهِ فَقَدْ سَلِمَ وَبَرِئَ، وَمَنْ أَنْکَرَهُ بِلِسانِهِ فَقَدْ أُجِرَ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ صاحِبِهِ، وَمَنْ أَنْکَرَهُ بِالسَّیْفِ لِتَکُونَ کَلِمَةُ اللهِ هِیَ الْعُلْیا، وَکَلِمَةُ الظّالِمِینَ هِیَ السُّفْلى، فَذلِکَ الَّذِی أَصابَ سَبِیلَ الْهُدى، وَقامَ عَلَى الطَّریقِ، وَنَوَّرَ فِی قَلْبِهِ الْیَقِینُ»(9).

حقّاً ینبغی اعتبار الإمام الحسین(علیه السلام) بطل هذا المیدان. فقد بلغ الإمام الحسین(علیه السلام)بالأمر بالمعروف العملی ذروته فضلاً عن القلب واللسان وأتى بأرفع مراحله العملیة، فأعلن ببسالة للجمیع:

«أَیُّهَا النّاسُ! فَمَنْ کانَ مِنْکُمْ یَصِبرُ عَلى حَدِّ السَّیْفِ، وَطَعْنِ الاَْسِنَّةِ، فَلْیَقُمْ مَعَنا وَإِلاَّ فَلْیَنْصَرِفْ عَنَّا»(10).

وطبق الروایات فإنّ النهوض بالسیف (فی موضعه) أسمى وأفضل مرحلة من مراحل الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر والتی قام بها الإمام الحسین(علیه السلام). وقال أمیر المؤمنین(علیه السلام)بعد بیانه لمراحل الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر الثلاث (القلبی واللسانی والعملی): «وأفْضَلُ مِنْ ذلِکَ کُلِّهِ کَلِمَةُ عَدْل عِندَ إمام جائِر»(11).

فالأمام الحسین(علیه السلام)لم یقتصر بالکلام على فضح جرائم بنی أمیة، بل شهر سیفه بوجوههم واستمات فی الصمود ونعت حرکته هذه بالأمر بالمعروف والنهی عن المنکر وإصلاح الأُمّة، وکان لا ینفک عن ذکر هذه الفریضة المقدسة ویراها صراحة أحد دوافع نهضته.

ونشنف أسماعنا الآن بأهم المقاطع من کلماته وخُطبهِ بهذا الشأن.

1. خطب الإمام(علیه السلام) قبیل عامین من وفاة معاویة فی جمع کثیر من المهاجرین والأنصار فی منى، ذم فیها کبار المسلمین آنذاک لتهاونهم فی فریضة الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر وإصلاح الأُمّة فقال: «لم لا تتعظون بذم الله للأحبار؟ إذ قال (لَوْلاَ یَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِیُّونَ وَالاَْحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الاِْثْمَ وَأَکْلِهِمْ السُّحْتَ)(12).

ثم قال(علیه السلام):

«وَإِنَّما عابَ اللهُ ذلِکَ عَلَیْهِمْ، لاَِنَّهُمْ کانُوا یَرَوْنَ مِنَ الظَّلَمَةِ الَّذِینَ بَیْنَ أَظْهُرِهِمُ الْمُنْکَرَ وَالْفَسادَ، فَلا یَنْهَوْنَهُمْ عَنْ ذلِکَ».

ثم قال بشأن أهمیة هذه الفریضة:

«إِذا أُدِّیَتْ وَأُقِیمَتْ، اسْتَقامَتِ الْفَرائِضُ کُلُّها هَیِّنُها وَصَعبُها»(13).

فهذه الخطبة المهمة فی تلک الظروف العصیبة وذلک الجمع الکثیر تفید أنّ الإمام(علیه السلام)کان ینتظر الفرصة للقیام عملیا بهذه الفریضة المقدسة. فقد کتب فی رسالته لمعاویة:

«... وَما أَظُنُّ أَنَّ لِی عِنْدَ اللهِ عُذْراً فِی تَرْکِ جِهادِک»(14).

أی أنّی أتطلع إلى الفرصة المناسبة لمواجهتک.

2. بعد هلاک معاویة حین دعی الإمام(علیه السلام) من جانب والی المدینة لمبایعة یزید، فرفضها الإمام(علیه السلام) وقصد قبر جدّه لیلاً لیتضرع إلى الله قائلاً:

«اَللّهُمَّ هذا قَبْرُ نَبِیِّکَ مُحَمَّد(صلى الله علیه وآله) وَأَنَا ابْنُ بِنْتِ نَبِیِّکَ وَقَدْ حَضَرَنِی مِنَ الاَْمْرِ ما قَدْ عَلِمْتَ، اَللّهُمَّ إِنِّی أُحِبُّ الْمَعْرُوفَ وَأُنْکِرُ الْمُنْکَرَ ...»(15).

والواقع أنّ الإمام(علیه السلام) بیّن دوافعه الأصلیة للنهضة بهذه العبارة القصیرة وفی أقدس مکان عند قبر جدّه(صلى الله علیه وآله) لیسطر ذلک فی ذاکرة التاریخ.

3. لعله یمکن اعتبار أبلغ عبارة للإمام(علیه السلام) فی بیانه للدافع الأصلی لنهضته تلک التی وردت فی وصیته لأخیه محمد بن الحنفیة. فبعد أن استبعد خروجه على أساس الأشر والبطر قال:

«وَإِنَّما خَرَجْتُ لِطَلَبِ الاِْصْلاحِ فِی أُمَّةِ جَدِّی، أُرِیدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهى عَنِ الْمُنْکَرِ، وَأَسِیرَ بِسِیرَةِ جَدِّی وَأَبِی عَلِیِّ بْنِ أَبِی طـالِب»(16).

حیث بیّن الإمام(علیه السلام) بهذه العبارات القصیرة والبلیغة منذ البدایة هدفه من النهضة والذی لا یتمثل فی فتح البلدان وجنی الأموال والمقامات الدنیویة، بل هدفه یتلخص فی إصلاح شؤون المجتمع الإسلامی وإحیاء الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر.

4. بعد أن قبض رجال ابن زیاد غدراً على مسلم بن عقیل(علیه السلام) سفیر الإمام إلى الکوفة وأُدخل المجلس وإتهموه بإثارة الفتنة قال(علیه السلام):

«ما لِهذا أَتَیْتُ، وَلکِنَّکُمْ أَظْهَرْتُمُ الْمُنْکَرَ، وَدَفَنْتُمُ الْمَعْرُوفَ ... فَأَتَیْناهُمْ لِنَأْمُرَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْکَرِ»(17).

5. حین واجه الإمام(علیه السلام) جیش الحر واتضح غدر أهل الکوفة ورأى الإمام(علیه السلام) نفسه مقتولاً، خطب فی أصحابه قائلاً:

«أَلا تَرَوْنَ أَنَّ الْحَقَّ لا یُعْمَلُ بِهِ، وَأَنَّ الْباطِلَ لا یُتَناهى عَنْهُ، لِیَرْغَبَ الْمُؤْمِنُ فِی لِقاءِ اللهِ مُحِقّاً»(18).

فالذی یستفاد من کلام الإمام(علیه السلام) وجوب التضحیة فی ظل تلک الظروف; أی فی المرحلة التی تهدد کیان الدین والمذهب، ولا یسع الضرر فی المال وفی النفس أن یحول دون الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر.

6. نقل المؤرخون أن الحرّ منع الإمام الحسین(علیه السلام) من الحرکة، فکتب(علیه السلام)رسالة لأشراف الکوفة.

«... فَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ(صلى الله علیه وآله) قَدْ قالَ فِی حَیاتِهِ: مَنْ رَأى سُلْطاناً جائِراً مُسْتَحِلاًّ لِحُرُمِ اللهِ، ناکِثاً لِعَهْدِ اللهِ، مُخالِفاً لِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ، یَعْمَلُ فِی عِبادِ اللهِ بِالاِْثْمِ وَالْعُدْوانِ، ثُمَّ لَمْ یُغَیِّرْ بِفِعْل وَلا قَوْل، کانَ حَقِیقاً عَلَى اللهِ أَنْ یُدْخِلَهُ مُدْخَلَهُ»(19).

فقد أعلن الإمام عزمه الحاسم على إصلاح الأمور ومواجهة ظلمة بنی أمیة بعد أن ذکّر المسلمین سیما أشراف الکوفة بوظائفهم، على أنّه لا یشترط دعمهم فی تلک المواجهة، وأنّه مستعد للتضحیة بنفسه، ومن هنا نخاطبه الیوم قائلین:

«أَشْهَدُ أَنَّکَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلاةَ وَآتَیْتَ الزَّکاةَ وَأَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَیْتَ عَنِ الْمُنْکَرِ»(20).

والجدیر بالذکر أن تلک الشهادة لیست فی محکمة القضاء، ولا حضور القاضی، بل تعنی أنی أذعن بأن نهضتک إنما هی نهضة الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر وإصلاح شؤون الأُمّة الإسلامیة.


1 . سورة هود، الآیة 116.
2 . سورة المائدة، الآیة 79.
3 . سورة آل عمران، الآیة 110.
4 . راجع تفسیر الأمثل ذیل الآیة.
5 . وسائل الشیعة، ج 11، ص 315 ح6; وراجع تفسیر الأمثل، ج 2، ص 386.
6 . غرر الحکم، الحکمة 6817.
7 . مجمع البیان، ذیل تفسیر الآیة 79 من سورة المائدة، راجع الأمثل، ج2، ص 386.
8 . نهج البلاغة، الکلمات القصار، الحکمة 374.
9 . المصدر السابق، الحکمة 372.
10 . ینابیع المودة، ص 406.
11 . نهج البلاغة، الکلمات القصار، الحکمة 374 وللوقوف على المزید بشأن المراحل الثلاث للأمر بالمعروف والنهی عن المنکر راجع، جواهر الکلام، ج 21، ص 374 وما بعدها.
12 . سورة المائدة، الآیة 63.
13 . تحف العقول، ص 168-170; بحار الأنوار، ج 97، ص 79، ح 37.
14 . مختصر تاریخ دمشق، ج 7، ص 137; سیرة الإمام الحسین (علیه السلام) وجاء فی احتجاج الطبرسی، ج 2، ص 89، ح164 «ما أرید لک حرباً ولا علیک خلافاً، وأیم الله إنّی لخائف من الله فی ترک ذلک ...» راجع بحار الأنوار، ج 44، ص212.
15 . فتوح ابن الأعثم، ج 5، ص 27; مقتل الحسین للخوارزمی، ج 1، ص 186; بحار الأنوار، ج 44، ص 328.
16 . فتوح ابن الأعثم، ج 5، ص 33; بحار الأنوار، ج 44، ص 329.
17 . فتوح ابن الأعثم، ج 5، ص 101; اللهوف، ص 71; وراجع أنساب الأشراف للبلاذری، ص 82.
18 . بحار الأنوار، ج 44، ص 381; تاریخ الطبری، ج 4، ص 305; ومقتل الحسین للخوارزمی، ج 1، ص 237.
19 . فتوح ابن الأعثم، ج 5، ص 143; مقتل الحسین للخوارزمی، ج 1، ص 234; بحار الأنوار، ج 44، ص 381.
20 . زیارة وارث.

 

 

 

الفصل الثالثالفصل الأول
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma