لما بلغ أهل المدینة خروج الإمام الحسین(علیه السلام) إلى العراق کتب عبد الله بن جعفر (زوج العقیلة زینب) کتاباً یقول فیه:
أمّا بعد، فإنّی أسألک بالله لما انصرفت حین تنظر فی کتابی هذا فإنّی مشفق علیک من هذا التوجه الذی توجهت له أن یکون فیه هلاکک واستئصال أهل بیتک إن هلکت الیوم طفئ نور الأرض فإنّک علم المهتدین ورجاء المؤمنین ولا تعجل بالسیر فإنّی فی أثر کتابی والسلام.
فکتب الإمام(علیه السلام) فی جوابه:
«أَمّا بَعْدُ! فَإِنَّ کِتابَکَ وَرَدَ عَلَیَّ فَقَرَأْتُهُ وَفَهِمْتُ ما ذَکَرْتَ، وَأُعْلِمُکَ أَنِّی رَأَیْتُ جَدّی رَسُولَ اللهِ(صلى الله علیه وآله) فِی مَنامِی فَخَبَّرَنِی بِأَمْر وَأَنَا ماض لَهُ، لِی کانَ أَوْ عَلَیَّ، وَاللهِ یَا ابْنَ عَمِّی لَوْ کُنْتُ فِی جُحْرِ هامَّة مِنْ هَوامِّ الاَْرْضِ لاَسْتَخْرَجُونِی وَیَقْتُلُونِی; وَاللهِ یَا ابْنَ عَمّی لَیَعْتَدُنَّ عَلَیَّ کَمَا اعْتَدَتِ الْیَهُودُ عَلَى السَّبْتِ وَالسَّلامُ»(1).
تشیر هذه العبارات إلى أنّ الإمام(علیه السلام) رأى نفسه أمام مفترق طرق; الإستسلام لیزید والإقرار بجنایات وجرائم بنی أمیة، أو الشهادة المشرفة، فاختار الإمام(علیه السلام)الطریق الثانی، وإن أشار علیه البعض بالطریق الأول. وقد أثبت الإمام(علیه السلام)برسائله الحماسیة وتحذیراته الشدیدة التی ساقها على عهد معاویة ـ ومضى شرحها ـ مدى صلابته، فعزم الخصم على ممارسة الضغوط علیه بغیة حمله على الإستسلام أو القتل، لکنهم لم یعلموا بعمق معطیات ذلک القتل والآثار ـ على المدى القریب والبعید ـ التی سینالها العالم الإسلامی.