140 . دفن الأجساد الطاهرة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
عاشوراء جذورها، أهدافها، حوادثها، معطیاتها
1 . دخول السبایا إلى الکوفة139 . عبور قافلة الأسرى على مقتل الشهداء

یذکر المرحوم الحاج الشیخ عباس القمی فی «نفس المهموم»: «لم یرد فی کتب المعتبرة کیفیة دفن الحسین(علیه السلام) وأصحابه بالتفصیل»(1).

ولکن حسب الروایات المشهورة أنّ الأجساد الطاهرة بقیت ثلاثة أیّام ملقاة على الأرض تحت أشعة الشمس المحرقة، إلى أنّ جاءت طائفة من بنی أسد یقطنون فی الغاضریة على مقربة من کربلاء إلى هذه المنطقة بعد نزوح جیش عمر ابن سعد عن کربلاء وشاهدوا تلک الأجساد الطاهرة ملقاة فی الصحراء مرملة بالدماء.

فارتفع العویل والصراخ من نسائهم ورجالهم، وعندما عزموا على دفن الأجساد الطاهرة لم یعرفوا أیّ واحد منها لأنّها کانت بلا رؤوس وبلا ثیاب، ولذلک تحیّروا فی أمرهم، وفجأة شاهدوا الإمام زین العابدین(علیه السلام) وهو مقبل علیهم من الصحراء فعرّفهم بهؤلاءالشهداء وقام قبل کلّ شیء بدفن الجسد الطاهر لأبیه الإمام الحسین(علیه السلام).

وفی جانب من أرض کربلاء عندما أزال الإمام زین العابدین التراب قلیلاً عن وجه الأرض فإذا بقبر محفور ولحد مشقوق وقد اُعدّ سلفاً، فوضع الإمام زین العابدین(علیه السلام) یده تحت الجسد الطاهر لأبیه سیّدالشهداء(علیه السلام) وحمله لوحده ووضعه داخل القبر وقال: «إنّ مَعی من یُعِینُنی»، وعندما أنزل الجسد الطاهر فی القبر وضع وجهه المبارک على منحر أبیه الحسین وأخذت الدموع تنهمر من عینیه کالمطر وقال:

«طُوبى لاَِرْض تَضَمَّنَتْ جَسَدَکَ الطّاهِرَ، فَإنّ الدُّنْیا بَعْدَک مُظْلِمَةٌ وَالاْخِرَةَ بِنُورِکَ مُشْرِقَةٌ، أَمَّا اللَّیْلُ فَمُسَهَّدٌ وَالْحُزْنُ فَسَرْمَدٌ، أَوْ یَخْتارَ اللهُ لاَِهْلِ بَیْتِکَ دارَکَ الَّتی أَنْتَ بِها مُقیمٌ وَعَلَیْکَ مِنّی السَّلامُ یَاابْنَ رَسُولِ الله وَرَحْمَةُ اللهِ وَ بَرَکاتُهُ».

ثم إنّ الإمام زین العابدین(علیه السلام) خرج من القبر وأهال التراب علیه وکتب على القبر: «هذا قَبْرُ الحُسَیْنِ بنِ عَلِیِّ بنِ أبی طالِب اَلَّذِی قَتَلُوهُ عَطْشاناً غَریباً».

ثم دفن البدن الطاهر لأخیه علی الأکبر(علیه السلام) عند رجلی والده(علیه السلام)، ودفن الأجساد الطاهرة لشهداء کربلاء جمیعاً فی مقبرة أسفل قدمی الإمام الحسین(علیه السلام)أیضاً(2).

ثم إلتفت الإمام السجاد إلى بنی أسد وقال: انظروا هل بقی أحد، فقالوا: نعم، یا أخا العرب بقی بطل مطروح على المسنّاة وحوله جثّتان وکلّما حملنا جانباً منه سقط الآخر لکثرة ضرب السیوف والسهام، فقال الإمام زین العابدین(علیه السلام): امضوا بنا إلیه.

فلّما رأه انکبّ علیه یقبّله وهو یقول: «عَلَى الدُّنْیا بَعْدَکَ الْعَفا یا قَمَرَ بَنی هاشِم وَعَلَیْکَ مِنّی السَّلامُ مِنْ شَهید مُحْتَسَب وَ رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَکاتُهُ»(3).

وجاء فی خبر آخر: فلمّا فرغ الإمام السجاد(علیه السلام) مع بنی أسد فی مواراة الأبدان الطاهرة لشهداء کربلاء مشى إلى جثّة العباس بن علی(علیهما السلام) فانحنى علیها وجعل ینتحب ویقول:

«یا عمّاه لیتکَ تَنظرُ حالَ الحرمِ والبناتِ وهُنَّ یُنادین واعطشاهُ واغربتاه».

ثم إنّ بنی أسد دفنوا رئیس قبیلتهم «حبیب بن مظاهر» فی الموقع الذی فیه القبر الآن(4).

وهنا یثار هذا السؤال: کیف جاء الإمام زین العابدین(علیه السلام) إلى کربلاء وهو أسیر فی الکوفة؟

لقد وردت روایات کثیرة تقرر هذه الحقیقة على أساس المبانی العقائدیة للشیعة وهی أنّ المتولّی لتغسیل وتکفین کلّ إمام هو الإمام الذی یأتی بعده، ومن ذلک ما ورد فی روایة الإمام الرضا(علیه السلام) فی الإشارة إلى هذا المعنى فی جوابه لعلیّ بن حمزة الذی قال: إنّا رُوِّینا عن آبائک(علیهم السلام) أنّ الإمام لا یلی أمره إلاّ إمام مثله.

فقال أبوالحسن الرضا(علیه السلام): «فَأخبرنِی عَنِ الحُسین بنِ علی کَانَ إمَاماً أو کَان غیرَ إمام؟».

قال ابن حمزة: کان إماماً.

فقال الإمام الرضا(علیه السلام): «فمن ولیّ أمره؟».

قال: علیّ بن الحسین.

قال الإمام الرضا(علیه السلام): «وأینَ کان علیُّ بنُ الحُِسین؟»

قال ابن حمزة: کان محبوساً فی ید عبیدالله بن زیاد. ثمّ قال: خرج وهم لا یعلمون حتّى ولی أمر أبیه ثم انصرف.

فقال أبوالحسن الرضا(علیه السلام): «إنّ هَذا أمَکَنَ عَلیّ بنَ الحُسین(علیه السلام) أنْ یَأتی کَربَلاء فَیَلِی أمَر أبِیهِ، فَهو یُمکّن صَاحِبَ الأمرِ أنْ یَأتی بَغدادَ فَیلِی أمرَ أبیهِ (موسى بن جعفر الکاظم(علیه السلام)) ثُمَّ یَنصرِف وَلیسَ فِی حَبْس وَلا فِی أسار»(5).

وتمضی الشهور والسنین على هذه الحادثة المفجعة والدامیة، الحادثة التی تبلورت فیها من جهة جمیع القیم الأخلاقیة والمُثل الإنسانیة، ومن جهة أخرى تجسّدت فیها جمیع معالم الوحشیّة والبربریّة فی الطرف المقابل، ولکن على العکس ممّا تصوّره الجیش المنتصر فی کربلاء، فکلّما مرّ الزمان على هذه الواقعة الألیمة تبیّنت آثار هزیمة الطرف المنتصر عسکریّاً وتجلّت ملامح الانتصار الحقیقی للحسین وأصحابه المخلصین.

وهذه الحادثة، وخلافاً للحوادث الطبیعة الواقعة فی التاریخ البشریّ التی یصیر فیها الجدید قدیماً ویطوى سجلّ الحوادث القدیمة فی زاویة النسیان، فإنّ هذه الحادثة تزداد إشراقاً فی کلّ یوم وتتجدّد على مرور السنین والدهور، إلى أن أضحت نموذجاً یقتدى به واُسطورة خالدة تعکس معالم العزّة والشرف لحیاة الاُمّة وتفرض على الوعی العام حقیقة أنّ الموت مع العزّة أشرف وأفضل من الحیاة مع الذلّة، وهکذا کسبت هذه القضیة صبغة الخلود طیلة المسار التاریخی للبشریة.

وکیف لا تکون کذلک؟ مع أنّ حیاة وشهادة هؤلاء العظماء اقترنت مع المفاهیم الإنسانیة الخالدة، أی مفاهیم العزّة، والکرامة، والعدالة، والتصدّی للظالمین، والاستقامة فی طریق التضحیة من أجل الأهداف المقدّسة والسیر فی خط الرسالة والإیمان والانفتاح على الله.

إنّ آلاف الکتب والمقالات والقصائد الشعریة التی اُلّفت واُنشِدت على امتداد تاریخ الإسلام تعکس هذه الحقیقة الحاسمة، وهی أنّ واقعة کربلاء تجسّد فی طیّاتها معالم الإیثار والإنسانیة لجمیع الأجیال البشریة.

وفی عالمنا المعاصر الذی تهیمن علیه قوى الظلم والاستکبار والانحراف التی تسیر فی خط یزید وحکومته وترتکب من الجرائم بحقّ البشریّة أکبر بکثیر ممّا ترتکبه قوى الظلام فی الماضی، فإنّ طریق النجاة من سیطرة هذه القوى الجائرة والاستکباریة هو طریق الإمام الحسین وأنصاره، فصلوات الله وبرکاته فی کلّ صباح ومساء على روّاد تلک النهضة الإلهیّة.


1. نفس المهموم، ص 213 .
2 . انظر: إرشاد المفید، ص 470-471; مقتل الحسین، المقرّم، ص 320 .
3 . مقتل الحسین، المقرّم، ص 320; إرشاد المفید، ص 471.
4 . قصة کربلاء، ص 418 .
5 . بحار الأنوار، ج 48، ص 270 .

 

1 . دخول السبایا إلى الکوفة139 . عبور قافلة الأسرى على مقتل الشهداء
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma