کان جابر بن عبدالله الأنصاری من صحابة رسول الله(صلى الله علیه وآله) ومن أنصار أهل البیت(علیهم السلام)المخلصین. وکان أبوه عبدالله بن عمرو بن حرام الأنصاری من جملة الأشخاص الأوائل الذین لبّوا دعوة النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) للهجرة إلى المدینة، وکان عبدالله بن عمرو قد اشترک فی بیعة العقبة فی مکة، واشترک فی واقعة بدر واُحد مع رسول الله(صلى الله علیه وآله) واستشهد فی معرکة اُحد(1).
وقد اشترک جابر فی بیعة العقبة الثانیة وکان صبیّاً مع والده، وأضحى فیما بعد من خلّص أصحاب رسول الله(صلى الله علیه وآله) وقد اشترک مع النبیّ فی ثمانیة عشر غزوة واشترک فی معرکة صفّین مع الإمام أمیرالمؤمنین(علیه السلام). وقد کفّ بصره فی أواخر عمره، وتوفّی فی عام 74 أو 77 للهجرة وقد بلغ من العمر 94 سنة(2).
یقول عطیّة العوفی(3): خرجت مع جابر بن عبدالله الأنصاری زائراً قبر الحسین(علیه السلام)فلمّا وردنا کربلاء دنا جابر من شاطیء الفرات فاغتسل ثم ائتزر بإزار وارتدى آخر، ثم فتح صرّة فیها سُعد(4) فنثرها على بدنه ثم لم یخط خطوة إلاّ ذکر الله حتى إذا دنا من القبر قال: ألمسنیه ـ لأنّه کان آنذاک ابن 75 سنة مکفوف البصر ـ فألمسته فخرّ على القبر مغشیاً علیه فرششت علیه شیئاً من الماء فأفاق وصاح: «یا حُسینُ، یا حُسینُ، یا حُسینُ»(5). ثم قال: «حَبیبٌ لا یُجیبُ حَبیبَهُ؟!»
ثم قال: «وأنّى لَکَ بِالجَوابِ وَقَد شَحطتْ أوداجُکَ عَلى أثباجُکَ وَفُرّق بَین بَدنِکَ وَرأسکَ فَأَشْهَدُ أَنَّکَ ابْنُ خَیْرِ النَّبِیِّینَ، وَابْنُ سَیِّدِ الْمُؤْمِنینَ، وَابْنُ حَلیفِ التَّقْوى، وَسَلیلُ الْهُدى، وَخامِسُ أصْحابِ الْکِساءِ، وَابْنُ سَیِّدِالنُّقَباءِ، وَابْنُ فاطِمَةَ سَیِّدَةِ النِّساءِ، وَمالَکَ لاتَکُونُ هکَذا وَقَدْ غَذَّتْکَ کَفُّ سَیِّدِ الْمُرْسَلینَ، وَرُبِّیتَ فِی حِجْرِ الْمُتَّقینَ، وَرَضَعْتَ مِنْ ثَدْىِ الاِْیمانِ، وَفُطِمْتَ بِالاِْسْلامِ، فَطِبْتَ حَیّاً، وَطِبْتَ مَیِّتاً، غَیْرَ أَنَّ قُلُوبَ الْمُؤْمِنینَ غَیْرُ طَیِّبَة لِفِراقِکَ، وَلا شاکَّة فِی الْخِیَرَةِ لَکَ، فَعَلَیْکَ سَلامُ اللهِ وَرِضْوانُهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّکَ مَضَیْتَ عَلى ما مَضى عَلَیْهِ أَخُوکَ یَحْیَى بْنُ زَکَرِیّا».
ثم طاف حول القبر وخاطب الشهداء وقال:
«أَلسَّلامُ عَلَیْکُمْ أَیَّتُهَا الاَْرْواحُ الَّتی حَلَّتْ بِفِناءِ الْحُسَیْنِ، وَأَناخَتْ بِرَحْلِهِ، أَشْهَدُ أَنَّکُمْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ، وَآتَیْتُمُ الزَّکاةَ، وَأَمَرْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَیْتُمْ عَنِ الْمُنْکَرِ، وَجاهَدْتُمُ الْمُلْحِدینَ، وَعَبَدْتُمُ اللهَ حَتّى أَتاکُمُ الْیَقینُ».
ثم أضاف: «وَالَّذی بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ لَقَدْ شارَکْناکُمْ فیما دَخَلْتُمْ فیهِ».
قال عطیة: فقلت لجابر: «کیف! ولم نهبط وادیاً ولم نعلُ جبلاً ولم نضرب بسیف والقوم قد فُرّق بین رؤوسهم وأبدانهم واُوتمت أولادهم، ورُمّلت الأزواج!».
فقال لی جابر: «یا عَطیَّةُ! سَمِعْتُ حَبیبی رَسُولَ اللهِ(صلى الله علیه وآله) یَقُولُ: «مَنْ أَحَبَّ قَوْماً حُشِرَ مَعَهُمْ، وَمَنْ أَحَبَّ عَمَلَ قَوْم أُشْرِکَ فی عَمَلِهِمْ»، وَالَّذی بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ نَبیّاً إنَّ نِیَّـتی وَنِیَّةَ أَصْحابی عَلى ما مَضَى عَلَیْهِ الْحُسَیْنُ وَأَصْحابُهُ»(6).
إنّ مجیء الصحابی الکبیر جابر بن عبدالله الأنصاری إلى کربلاء فی یوم أربعین الإمام الحسین(علیهما السلام) لزیارة قبره الطاهر وسائر شهداء کربلاء، یهدف فی الحقیقة إلى کسر حاجز الصمت والجمود وفتح الطریق أمام زوّار الإمام الحسین(علیه السلام) لتبقى رایة عاشوراء خفّاقة من خلال حرکة الزوار المتوالیة إلى کربلاء وحفظ ذکرى الشهداء وتأجیج المشاعر ضدّ الحکومة الجائرة للأمویین.
أضف إلى ذلک أنّ زیارة هذه الصحابی الکبیر تعطی درساً لمن ینهى عن زیارة قبور أولیاء الله بسبب اعوجاج فهمهم وضیق اُفقهم وعدم درکهم لحقیقة تعالیم الإسلام.