والحقّ أنّه لا إشکال فی کون إتیان المأمور به فیها مجزیاً عنها، والدلیل علیه هو العقل; لأنّ الإمتثال بعد الإمتثال مع حصول الغرض تحصیل للحاصل.
ولکن قد خالف فیه أبو هاشم وعبدالجبّار من قدماء المتکلّمین من أهل السنّة فقالا: بأنّه یمکن القول بعدم الإجزاء فیها(1)، ولعلّ منشأ خطأهما وجود بعض الأمثلة فی الفقه الّتی قد اُمر فیها بإتمام العمل مع الأمر بإعادته کالحجّ الفاسد الذی أمر الشارع بإتمام مناسکه مع إیجابه الإعادة فی السنة القابلة.
والمسألة عندنا ممّا لا إشکال فیها ولا غبار علیها لما مرّ من حکم العقل بالإجزاء وأمّا ما اُشیر إلیه من مثال الحجّ ونحوه فالمستفاد من جملة من الروایات
الواردة عن طریق أئمّة أهل البیت(علیهم السلام) أنّها لیست من قبیل الإمتثال بعد الإمتثال بالنسبة إلى أمر واحد، بل هناک أمران یطلب کلّ واحد منهما من المکلّف امتثالا یخصّ به، أمر واقعی أوّلی وأمر واقعی ثانوی من باب العقوبة مثلاً(2)، فلا تکون من باب الإمتثال بعد الإمتثال بالنسبة إلى أمر واحد حتّى یستفاد منها عدم إجزاء الإتیان بالمأمور به عن الأمر الأوّل.
تنبیه حول جواز الإمتثال بعد الإمتثال
ذهب جمع إلى جواز الإمتثال بعد الإمتثال ومنعه آخرون(3).
والحقّ جوازه; لأنّ الغرض المترتّب على الأمر یکون على نحوین: غرض یترتّب على فعل المکلّف وهو غرض ابتدائی کإتیان الماء ووضعه بین یدی المولى، وغرض نهائی یترتّب على فعل المولى وهو رفع العطش الذی یترتّب على شرب المولى الماء، وما لم یحصل الثانی کان المحلّ باقیاً لتبدیل الإمتثال ویقوم الإمتثال الثانی مقام الإمتثال الأوّل، فالإتیان الأوّل یعدّ إمتثالا لأنّه یوجب سقوط الأمر، ویکون الإتیان الثانی إمتثالا آخر ـ بدل الإمتثال الأوّل ـ لأنّه محصّل للغرض الذی لم یحصل بالإمتثال الأوّل.
هذا فی مقام الثبوت، أمّا فی مقام الإثبات فیشهد له مثل ما رواه حفص بن البختری عن أبی عبدالله(علیه السلام) فی الرجل یصلّی الصلاة وحده ثمّ یجد جماعة، قال: «یصلّی معهم ویجعلها الفریضة»(4)، فإنّ ظاهر قوله(علیه السلام): «ویجعلها الفریضة» أیضاً أنّ الجماعة تقوم مقام الفرادى ویتقبّل الله الجماعة بعنوان الفریضة مقام الفرادى، وأنّ الإمتثال بالفرادى یتبدّل إلى الإمتثال بالجماعة.