الثالث: دلیل العقل

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
طریق الوصول إلى مهمّات علم الاُصول ج2
الرابع: الإجماع5 . حدیث الإطلاق


و هو عبارة عن قاعدة «قبح العقاب بلا بیان» المعروف بین الاُصولیین أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بیان والمؤاخذة بلا برهان من المستقلاّت العقلیّة بعد الفحص والیأس عن الدلیل، بل قال شیخنا العلاّمة الحائری(رحمه الله)فی درره: «إنّ هذه قاعدة مسلّمة عند العدلیة لا شبهة لأحد فیها»(1).
لکن یمکن التشکیک فی هذه القاعدة بوصف أنّها قاعدة عقلیّة محضة بعد ذکر مقدّمة فی ملاک وجوب إطاعة الله وقبح معصیته.
وهی أنّ الملاک فی وجوب الإطاعة إمّا أن یکون وجوب شکر المنعم فتجب طاعته تبارک وتعالى بالإطلاق من باب أنّها من مصادیق شکر المنعم الحقیقی، أو یکون الملاک الحکمة فإنّ حکمة الباری تعالى تقتضی وجود مصلحة فی أوامره ومفسدة فی نواهیه، فیحکم العقل بوجوب الإطاعة عن أوامره ونواهیه، أو یکون الملاک المالکیّة والمولویّة فالعقل یحکم بأنّ ترک الطاعة بالنسبة إلى الموالی العرفیّة فضلا عن المولى الحقیقی ظلم قبیح.
أمّا الملاک الأوّل: فیمکن النقاش فیه بأنّ مردّه إلى قولنا: هل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان، أی وجوب الإحسان فی مقابل الإحسان، وهو لا یتصوّر بالنسبة إلى الباری تعالى لأنّه یتوقّف على وجود الفقر والحاجة، تعالى الله عن ذلک علوّاً کبیراً.
ولذلک أرجع علماء علم الکلام هذه القاعدة إلى قاعدة وجوب دفع الضرر ببیان أنّ عدم شکر المنعم قد یکون سبباً لسلب النعمة وحصول الضرر على المنعَم (بالفتح) وحینئذ لا تکون هذه القاعدة من المستقلاّت العقلیّة ومن مصادیق قاعدة حسن العدل وقبح الظلم.
وأمّا الملاک الثانی: فیناقش فیه بأنّ لازمه إرشادیة جمیع الأوامر والنواهی الشرعیّة کأوامر الطبیب ونواهیه، فیتوجّه إلى المکلّف العاصی نفس المفسدة الموجودة فی متعلّق النهی فحسب أو سلب المصلحة اللازمة فی الأوامر منه مع أنّا نقول بالمولویّة واستحقاق ثواب وعقاب اُخرویّین یترتّبان على الفعل والترک.
وأمّا الملاک الثالث: فهو الصحیح فی وجوب الإطاعة وقبح المعصیة لرجوعه إلى قبح الظلم بمعناه الواسع وهو وضع الشیء فی غیر موضعه.
فظهر أنّ ملاک وجوب طاعة الله وقبح معصیته إنّما هو مولویته ومالکیته فلله تعالى حقّ الطاعة على العبد لأنّه مولاه ومالک لجمیع شؤونه.
إذا عرفت هذا یقع البحث فی حدود هذا الحقّ ودائرته.
فنقول: العقل حاکم على أنّ قیمة أغراض المولى لیست أقلّ من قیمة أغراض العبد، فکما أنّه یهتمّ بأغراضه حتّى فی المحتملات والمشکوکات فیسلک فیها سبیل الاحتیاط، کذلک یجب علیه الاحتیاط فی طریق النیل إلى أغراض المولى المحتملة والمشکوکة، ففی صورة الشک وعدم البیان الذی هو محلّ النزاع فی المقام یحکم العقل بوجوب الاحتیاط وقبح المعصیة وحسن العقاب عکس ما هو المشهور من قبح العقاب بلا بیان.
والحاصل: أنّ العقل لا یحکم بقاعدة قبح العقاب بلا بیان بل یحکم بخلافه، نعم إنّها قاعدة عقلائیّة استقرّ علیها بناء العقلاء من أنّهم لا یأخذون العبید بالعقاب قبل البیان، والفرق بین الصورتین أنّه إذا کانت القاعدة عقلیّة فلا معنى لتحدیدها والاستثناء منها بالنسبة إلى مورد دون مورد; لأنّ القاعدة العقلیّة لا استثناء فیها ولا تخصیص لها مادام الموضوع باقیاً بخلاف القاعدة العقلائیّة، فإنّه لابدّ من تعیین حدودها وقیودها، وهی فی المقام أربعة على الأقلّ:
أحدها: أن یکون المولى قادراً على البیان وإلاّ لو کان المولى غیر قادر على بیان غرضه والعبد یعلم به أو یحتمله فلا یکون عند العقلاء مرخّصاً بالاعتذار بعدم البیان.
ثانیها: أن لا یکون المورد من المسائل الهامّة الأساسیّة کما إذا دخل فی دار المولى من یحتمل أن یکون هلاک المولى بیده، فعلى العبد منعه بکلّ ما یقدر علیه وإن لم یصدر من المولى بیان فیه.
ثالثها: أن یکون المورد من الموارد الّتی ممنوعها أقلّ من مجازها، وواجبها أقلّ من مباحها، وإلاّ لو کان مشکوک الحرمة من الحیوانات البحریة مثلا الّتی أکثرها حرام، فلعلّ بناء العقلاء لم یستقرّ على البراءة فی أمثالها، فإنّ الظاهر أنّ بناء العقلاء نشأ من کون الواجبات والمحرّمات فی مقابل المباحات قلیلا جدّاً فالمحتاج إلى البیان إنّما هو الواجبات والمحرّمات، ولو انعکس الأمر فی مورد وکانت محرّماته أکثر من مباحاته لم یکن لهم بناء على البیان فیه، ولا أقلّ من الشکّ وعدم ثبوت بناء فی أمثال المقام، ومعه لا یصحّ الاستدلال به.
رابعها: أن یکون من المسائل المبتلى بها، فلو کان الابتلاء نادراً فی مورد لکان الحکم باستقرار بنائهم علیه مشکل.
ثمّ إنّ هاهنا إشکالا معروفاً، وهو أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بیان مورودة لقاعدة وجوب دفع الضرر، فیکفی فی البیان حکم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل، فإنّ الشکّ فی التکلیف یلازم الشکّ فی الضرر، والعقل یستقلّ بلزوم دفع الضرر المحتمل فهو بیان عقلی فیرتفع موضوع حکم العقل بقبح العقاب بلا بیان.
واُجیب عنه: بأنّ المراد بالضرر الذی هو موضوع القاعدة إمّا الضرر الدنیوی وإمّا الضرر الاُخروی، والمقصود بالضرر الاُخروی إمّا العقاب الموعود من جانب الشارع جزاءً للأعمال، وإمّا الآثار الوضعیّة القهریّة للعمل الّتی یعبّر عنه بتجسّم الأعمال.
فإن کان المراد العقاب الاُخروی بالمعنى الأوّل فلا موضوع لهذه القاعدة فی المقام; لأنّ احتمال التکلیف لا یلازم احتمال العقاب بل الملازمة إنّما هی ثابتة بین التکلیف الواصل واستحقاق العقوبة على مخالفته، فتکون قاعدة قبح العقاب بلا بیان واردة على قاعدة دفع الضرر عکس ما توهّمه المستشکل.
وإن کان المراد من الضرر العقاب الاُخروی بالمعنى الثانی فاُجیب عنه بأنّ هذه الآثار لیست مترتّبة على نفس الأعمال بل إنّها تترتّب على الإطاعة والعصیان لا غیر، والأفعال الطبیعیة الّتی لم توجب إطاعة أو معصیة وبعداً أو قرباً لا أثر لها من هذه الجهة.
وإن اُرید بالضرر، الضرر الدنیوی، فاُجیب عنه أیضاً بأنّ الکبرى والصغرى کلتیهما ممنوعتان:
أمّا الکبرى: فلأنّه لیس کلّ ضرر ممّا یحکم العقل بلزوم دفعه بل هناک أضرار طفیفة یتحمّلها العقلاء لأجل أغراض دنیویة غیر ضروریّة وإن کان الضرر من المقطوع فضلا عن المحتمل.
وأمّا الصغرى: فلأنّه لیس مناطات الأحکام دائماً هی الضرر، بل المصالح والمفاسد الّتی تکون مناطات الأحکام غالباً، لا تکون من سنخ الضرر، والذی یلازم احتمال الحرمة إنّما هو احتمال المفسدة لا احتمال الضرر، ولا ملازمة بین الضرر والمفسدة، بل ربّ مفسدة توجب المنفعة فضلا عن الضرر کما فی أکل الربا، وربّ مصلحة توجب الضرر فضلا عن المنفعة کما فی الإنفاق فی سبیل الله تعالى.
لکن الإنصاف أنّ الکبرى والصغرى کلتیهما تامّتان فی الجملة لا بالجملة:
أمّا الکبرى: فلأنّ الأضرار الدنیویة على قسمین: مهمّة وغیر مهمّة، والعقل یحکم فیما إذا کان الضرر المحتمل مهمّاً بلزوم الدفع کضرر النفس أو العرض أو المال الکثیر فلا محالة یستکشف منه حکم شرعی مولوی بلزوم الاجتناب عنه بقاعدة الملازمة، ویصیر هذا بنفسه بیاناً یرفع موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بیان وتکون قاعدة دفع الضرر المحتمل فی مثل هذا المورد واردة على هذه القاعدة، ولکن لا تجری هذه القاعدة بالنسبة إلى الأضرار غیر المهمّة، فلا یثبت بها مراد المستشکل.
هذا بناءً على القول بکونها قاعدة عقلیّة، وأمّا بناءً على ما اخترناه من کونها قاعدة عقلائیّة فالأمر أوضح لأنّ بناء العقلاء جار على عدم الاعتناء باحتمال الضرر إلاّ أن یکون ضرراً هامّاً کما مرّ نظیره فی حکم العقل بناءً على مبنى القوم.
وأمّا الصغرى: فلوجود الملازمة بین المفسدة والضرر وبین المصلحة والمنفعة فی جمیع الموارد; لأنّ مثل الإنفاق فی سبیل الله یوجب رفع العداوة والبغضاء ودفع الفوضى فی المجتمع الانسانی، وعدم الإنفاق وبالنتیجة وجود الفقر یوجب اختلال النظام وضیاع جمیع الأموال حتّى أموال الممتنع من الإنفاق.
ولذلک قد ورد فی الحدیث: «حصّنوا أموالکم بالزکاة»(2) وفی حدیث آخر «إذا بخل الغنی بمعروفه باع الفقیر آخرته بدنیاه»(3) ومن المعلوم أنّ من باع آخرته بدنیاه لا یمتنع عن أیّ جرم من السرقة وقتل النفوس وإضاعة الأموال وغیرها.


1. درر الفوائد، ج 2، ص 427.
2. وسائل الشیعة، ج 6، کتاب الزکاة، أبواب ما تجب فیه، الباب 1، ح 5.
3. بحار الأنوار 2، ص 36، الحدیث 44.


 

 

 

الرابع: الإجماع5 . حدیث الإطلاق
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma