عظمة القرآن الکریم

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأقسام القرآنیة
وصف النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) للقرآنثمار البحث

وقبل أن نتطرق لأصل الموضوع، نرى من المناسب أن نتحدث بشکل مختصر عن عظمة هذا الکتاب الکریم المحفوظ من التحریف.
إنّ الإنسان إنّما یستطیع استثمار النعم والمواهب الإلهیّة فی واقع الحیاة عندما یملک معرفة کافیة بها، فلو أعطینا جواهر ثمینة للأطفال فسوف تتحول إلى لعبة لهم ولا یمکنهم الاستفادة منها بشکل سلیم، لأنّ الأطفال لا یعلمون بقیمة هذه الجواهر ولا یعرفون شیئاً عنها، ولکن إذا وقعت هذه الجواهر بید بائع مجوهرات فإنّه سیقوم بالاحتفاظ بها فی مکان أمین ویبالغ فی المحافظة علیها والاهتمام بها ویسعى لبیعها بأغلى الأثمان، لأنّه یعرفها جیداً ویعرف قیمتها. وقد قرأت فی إحدى الصحف القدیمة: «أنّ إحدى أثمن جواهر العالم تمّ العثور علیها فی أیدی الأطفال، وذلک عندما کان تاجر مجوهرات یمرّ فی زقاق وفجأة إنتبه إلى وجود جوهرة ثمینة جدّاً فی أیدی الأطفال یلعبون بها فاشتراها منهم بثمن بخس ثم باعها بأغلى الأثمان».
إذا لم نعرف قدر وقیمة عمرنا وشبابنا وصحتنا وسائر النعم والمواهب الإلهیّة التی وهبنا الله تعالى إیّاها مجاناً وبدون ثمن، فسوف لا نتمکن من استثمارها والاستفادة منها بشکل صحیح.
ومن جملة هذه المواهب الإلهیّة علینا، شهر رمضان المبارک الذی یعتبر من الجواهر الثمینة التی ینبغی لنا الاستفادة منها بعد معرفتها، ومن المناسب فی هذا الشأن أن نستوحی من الآیات القرآنیة ما یرشدنا لأهمیّة هذا الشهر الکریم، حیث یقول القرآن الکریم:
(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِی أُنزِلَ فِیهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَیِّنَات مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ...)(1).
إنّ الله تعالى یقرر أهمیّة وقیمة شهر رمضان المبارک فی هذه الآیة بسبب نزول القرآن فیه، ومعنى هذا الکلام أنّ أهمیّة وعظمة القرآن إلى درجة أنّه یعطی القیمة والاعتبار للظرف الزمانی الذی حلّ فیه، وهو شهر رمضان ویمنحه بُعداً متعالیاً وشرفاً سامیاً.
ثم تبیّن الآیات الکریمة معطیات القرآن فی ثلاث عبارات:
1 . هدى للناس; 2 . بیّنات من الهدى; 3 . والفرقان.
وعندما راجعت تفاسیر القرآن لم أجد شرحاً وافیاً یبیّن الفرق بین هذه العبارات الثلاث، بل إننی غفلت عن هذا الموضوع فی التفسیر الأمثل أیضاً، وفی تقدیری أنّ الفرق بین هذه الأمور الثلاثة کما یلی:
إنّ القرآن الکریم یتضمن ثلاث مراحل، ففی المرحلة الأولى: (هدىً للناس) حیث یمنح أفراد البشر کافة على اختلاف مشاربهم وثقافاتهم، معارف وعلوم على جمیع الصعد والمستویات، وبذلک یقودهم إلى مشارف الهدایة ویمنحهم الوضوح فی الرؤیة (فیما لو امتلکوا القابلیة على الهدایة) وهذه هی مرحلة الهدایة العامة وتستوعب جمیع أفراد البشر.
أمّا المرحلة الثانیة: (بیّنات من الهدى) فناظرة إلى بعض الأفراد بالخصوص، وهم الذین یملکون رؤیة عمیقة ونظراً ثاقباً، فالقرآن الکریم یعرض على هذه الطائفة من الناس بیّنات ودلالات واضحة لسلوک الطریق القویم، والتحرک فی خط الرسالة والمسؤولیة، فالبیّنات من الهدى عبارة عن الشواهد وأشکال الدلالة التی تختص بفئة معینة من الناس.
والمرحلة الثالثة: (الفرقان) ویختص بأخص الخواص، وهم الذین وصلوا إلى مراحل عالیة من الإیمان والتقوى وحصلوا بذلک على نورانیة وشفافیة خاصة بحیث یستطیعون تشخیص الحق من الباطل من موقع الوضوح ولا یسقطون فی مهاوی الضلالة ومتاهات الضیاع.
هؤلاء وصلوا إلى مرحلة سامیة من الکمال المعنوی بحیث إنّهم یستطیعون بنور القرآن تمییز الحق من الباطل فی مختلف المسائل الثقافیة والسیاسیة والاعتقادیة حتى فی حالات تشابک الأمور واختلاط المعالم، فهم یتحرکون فی مسلک الانفتاح على الله والحق دون أن یواجهوا الضبابیة فی أفکارهم والتشویش فی أذهانهم، والتلوث فی أفئدتهم، ویشیر القرآن الکریم إلى هذه المرحلة الدقیقة فی الآیة 29 من سورة الانفال:
(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ یَجْعَلْ لَّکُمْ فُرْقَاناً وَیُکَفِّرْ عَنکُمْ سَیِّئَاتِکُمْ وَیَغْفِرْ لَکُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِیمِ).
وهذا یعنی أنّ الله تعالى یجعل لهؤلاء المتقین رؤیة خاصّة یستطیعون بواسطتها تمییز عناصر الخیر من الشر، والحق من الباطل، والصواب من الخطأ.
إنّ نیل هذه المرتبة من الإیمان وتحصیل الفرقان لا یمثّل مجرّد فرضیة وحالة طارئة یعیشها الإنسان فی مشاعره الداخلیة، بل إنّ بعض الأشخاص من صحابة النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) والأئمّة الأطهار(علیهم السلام) کانوا یعیشون هذه المرتبة والحالة من انکشاف الحقائق وکانوا یرون أهل النار فی هذه الدنیا ویتأسفون على مصیرهم السیء.
أجل، بإمکان الإنسان ومن خلال التقوى والإیمان والعمل بالقرآن، الصعود إلى مدارج الکمال الإلهی والسیر فی آفاق المعنویات والمُثل العلیا.
النتیجة، إنّ القرآن الکریم بمثابة ینبوع متدفق ومنهل زلال لا یتسنى لجمیع الأفراد التواصل معه والارتواء منه بشکل متساو، بل إنّ کل شخص ینتفع بمعطیاته بمقدار استیعابه وسعیه ومعرفته وتفکّره وتقواه وعبودیته لله تعالى، کما أنّ طلاّب الماء عندما یلجون المشرعة فإنّهم یحملون من الماء کل على قدر سعة إنائه، وعلى هذا الأساس فإنّ هذا التفاوت فی الاقتباس من منهل الأنوار الإلهیّة لا یعود إلى طبیعة العطاء الإلهی، بل یعود إلینا نحن ومقدار ما یمکننا أن نستلهمه ونستوحیه من المعارف القرآنیة.
 


(1) . سورة البقرة، الآیة 185 .

 

وصف النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) للقرآنثمار البحث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma