مغزى الأقسام طبقاً للتفسیر الثانی

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأقسام القرآنیة
بطل الجهاد والشهادة! التفسیر الثانی: المجاهدون فی سبیل الله


وقد نستوحی من الأقسام المذکورة أنّ الجهاد فی الرؤیة الکونیة للإسلام یحضى بأهمیّة کبیرة، فالجهاد یوجب للمسلمین العزّة والمنعة والتفوق على قوى الشر والظلام، ویؤدی إلى ضعف الأعداء وتحقیرهم وانهزامهم أمام قوى الحق والإسلام، ومن هنا فإنّ أعداء الإسلام یبذلون جهوداً کبیرة للحیلولة دون امتداد ثقافة الجهاد فی وعی المسلمین وفی ثقافتهم، ومن ذلک سعیهم الحثیث للضغط على البلدان الإسلامیة لحذف الآیات القرآنیة التی تتصل بالجهاد والشهادة وذم الیهود، وتطهیر الکتب الدراسیة منها، وهذا یبیّن مدى أهمیّة ثقافة الجهاد والشهادة فی الفکر الدینی لدى المسلمین.
ویتضمن القرآن الکریم آیات کثیرة تتصل بالجهاد، ولکن هناک ثلاث آیات منها تحضى بأهمیّة فائقة فیما توحیه للمسلمین من مفاهیم سامیة وتعالیم سماویة:
1. یقول تبارک وتعالى فی الآیة 169 و 170 من سورة آل عمران مخاطباً نبیّه الکریم(صلى الله علیه وآله):
(وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْیَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ یُرْزَقُونَ * فَرِحِینَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَیَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِینَ لَمْ یَلْحَقُوا بِهِمْ مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلاَ هُمْ یَحْزَنُونَ).
إنّ طلاّب المدارس المسلمین عندما یتلون هذه الآیات الزاخرة بالأمل والحرکة والحیاة فإنّهم یتسابقون إلى میادین الجهاد بشرف بالغ وینتظرون اللحظة الحاسمة التی تکتب لهم فیها الشهادة أو النصر على الأعداء، ولهذا فإنّ الأعداء اقترحوا حذف هذه الآیات من الکتب الدراسیة.
2. ویرسم القرآن الکریم فی الآیة 111 من سورة التوبة صورة جذابة ورائعة عن حقیقة الجهاد والمغزى العمیق فی هذا المفهوم القرآنی:
(إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ یُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللهِ فَیَقْتُلُونَ وَیُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَیْهِ حَقّاً فِی التَّوْرَاةِ وَالاِْنجِیلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَیْعِکُمُ الَّذِى بَایَعْتُمْ بِهِ وَذَلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ).
إنّ العبارات الواردة فی هذه الآیة الشریفة تعکس مفهوم الجهاد من موقع الدقّة والتصویر الفنی الجذاب، ففی هذه التجارة الرابحة نرى أنّ الله تعالى هو المشتری، والبضاعة تتمثّل فی أموال ونفوس المجاهدین، وأمّا ثمن هذه البضاعة فهی الجنّة الخالدة والنعیم الأبدی، وهذه المعاملة تملک رصیداً رسمیاً فی ثلاثة کتب سماویة مهمّة، التوراة والانجیل والقرآن، فهل رأیتم مثل هذه المعاملة العجیبة والتجارة الرابحة؟
إنّ المشتری لهذه البضاعة هو الذی وهبها لنا، وفی ذات الوقت یشتریها منّا بأغلى الأثمان، ولیس فقط یمنحنا سند هذه البضاعة والوثیقة التی کتبها لنا، بل یؤکد هذه الوثیقة بأنّ وعده لا یتخلف.
ومع القلیل من التأمل والتدبر فی سیاق هذه الآیة الشریفة یستوحی القارىء لها الکثیر من المعانی العمیقة والمفاهیم العالیة، والمسلمون فی صدر الإسلام نالوا النجاح والتوفیق فی حرکة الحیاة وحققوا النصر على الأعداء من خلال معطیات هذه الآیة وتأثیرها فی قلوبهم واستطاعوا فی مدّة قلیلة تسخیر قلوب الناس فی أغلب بلدان العالم.
3.  والمورد الثالث فی مایتصل بهذا الموضوع،الآیات 10 إلى 13 من سورة الصف:
(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّکُمْ عَلَى تِجَارَة تُنجِیکُمْ مِّنْ عَذَاب أَلِیم * تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللهِ بِأَمْوَالِکُمْ وَأَنفُسِکُمْ ذَلِکُمْ خَیْرٌ لَّکُمْ إِنْ کُنتُمْ تَعْلَمُونَ * یَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ وَیُدْخِلْکُمْ جَنَّات تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الاَْنْهَارُ وَمَسَاکِنَ طَیِّبَةً فِی جَنَّاتِ عَدْن ذَلِکَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِیبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِینَ).
لو لم یکن فی جمیع آیات القرآن الکریم ما یصف الجهاد ویتحدث عن أهمیّة القتال فی سبیل الله سوى هذه الآیات الثلاث، فإنّ ذلک یکفی لبیان عظمة هذا الواجب الإلهی والإنسانی وأهمیّته، والآن نحن نفهم لماذا أقسم الله تعالى بطوائف المجاهدین وبحالاتهم المختلفة فی میادین القتال.
إنّ الجهاد فی الثقافة الإسلامیة وفی ذهنیة المسلمین إلى درجة من الأهمیّة بحیث إنّ الشخص الذی یدافع عن أمواله ویقاتل الأعداء دفاعاً عن ممتلکاته ویقتل فی هذا السبیل فإنّه یحسب شهیداً: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فَهُوَ شَهیدٌ»(1).
لو أنّ المسلمین، وبخاصّة الشبّان الشجعان والغیورین، یقرؤون هذه الآیات والروایات الشریفة فسوف لا یقفون أمام هجوم المستعمرین وأمام نهب ثرواتهم من قِبل الأجانب موقف الخنوع، وسوف لا یسمحون لهؤلاء الأجانب بانتقاص خیراتهم ونهب ثرواتهم.
إنّ الإسلام وسّع من دائرة الجهاد بحیث إنّ الشخص الذی یتحرک من موقع الدفاع عن أرضه وناموسه فی مقابل من یرید به سوءً أو یرید أن یعتدی على شرفه ولا یجد بداً من قتل هذا المهاجم والمعتدی فإنّه یجوز له قتله(2).
هذه التعالیم الإسلامیة وضعت الأعداء فی زاویة حرجة وأرعبت قلوبهم، فنراهم یتحرکون دائماً من موقع التآمر على الإسلام فیما یمثّله من تعالیم حیّة وأحکام سامیة وآفاق واسعة.
وعلى هذا الأساس فإذا سمعنا یوماً أنّ العدو یوصی بحذف آیات الجهاد والشهادة والآیات التی تتصل بذم الیهود من الکتب الدراسیة لطلاّب المدارس، فلا ینبغی العمل بهذه التوصیة بل یجب العمل على تکریس هذه الآیات فی وعی الاُمّة، وتعمیقها فی وجدان الشبّان، وبذل الجهد لیتعرف المسلمون علیها أکثر، وکما قال الإمام الخمینی(قدس سره): «إننا نعمل بعکس ما یریده منّا الأعداء».
سؤال: ألا یعتبر الجهاد لوناً من ألوان العنف واستخدام أسالیب القهر والخشونة؟
الجواب: إنّ الأعداء عندما وجدوا أنفسهم عاجزین عن مواجهة القیم الإسلامیة بشکل مباشر وأحسوا بفشلهم وإحباطهم أمام هذه التعالیم السماویة، فإنّهم تحرکوا من جانب آخر لتلویث هذه القیم السامیة حتى یمکنهم التغلب على هذا الفکر المتحرک فی واقع الحیاة لدى المسلمین.
وبما أنّهم لم ینجحوا فی حذف مفهوم الجهاد من قلوب المسلمین، فإنّهم سعوا لتقبیح الصورة المشرقة للجهاد فی أنظار المسلمین، ومن هنا أطلقوا علیه مختلف النعوت السلبیة کالعنف والارهاب، فی حین أنّ الأمر لیس کذلک، فالجهاد فی الآیة 190 من سورة البقرة التی تقدّم ذکرها آنفاً یعکس هذه الحقیقة، وعلیکم أن تحکموا بأنفسکم فی هذه الموارد:
(وَقَاتِلُوا فِی سَبِیلِ اللهِ الَّذِینَ یُقَاتِلُونَکُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ یُحِبُّ الْمُعْتَدِینَ).
أی أنّ إسرائیل إذا اعتدت على البلدان الإسلامیة واحتلت مناطق واسعة من أراضی المسلمین واستولت على القبلة الأُولى للمسلمین وطردت أهالی تلک المدن والمناطق من دورهم ومساکنهم وهدمت بیوتهم على رؤوسهم، فیجب على المسلمین أن یتصدوا لهذا العدو الغاشم ویدافعوا عن أنفسهم وأرضهم بکل ما أُتوا من قوّة، فإنّهم إنّما یدافعون عن حقّهم، ولکن فی ذات الوقت لا ینبغی لهم تجاوز حدودهم المشروعة ویجب علیهم معاملة الأسرى باللطف والرفق، و لا ینبغی لهم تلویث میاه الأعداء أو إحراق أشجارهم أو العدوان على أطفالهم ونسائهم وشیوخهم، فهل یعتبر مثل هذا الجهاد من جملة الارهاب واستخدام العنف؟!
إذا نظرنا بدقّة إلى نظام الخلقة، فسوف نرى أنّ الجهاد یعتبر قانوناً طبیعیاً، لأنّ جمیع الکائنات الحیّة وفی جمیع أرجاء العالم تدافع عن نفسها ولا تستسلم أمام الأعداء بسهولة، فالأشجار التی تقع فی مناطق العواصف الشدیدة، فإنّها تمد بجذورها إلى عمق الأرض لتتحمل ضغط هذه العواصف والأعاصیر، وبذلک تحتفظ بحیاتها وتدافع عن نفسها، ولو دققنا النظر فی بعض أوراق الأشجار التی تعیش فی المناطق الصحرائیة المحرقة فسوف نجدها أفخم بالنسبة لأوراق الأشجار التی تعیش على شواطیء الأنهار والجداول، ویغطیها الشوک أیضاً، وهذا بمثابة عنصر دفاعی لهذه الأشجار أمام ظاهرة الجفاف والتصحّر، وفی مقابل الحرارة الشدیدة فی الصحراء حیث تستطیع المقاومة والاستمرار فی الحیاة مع شحة المیاه، وعلى هذا الأساس فإنّ هذه الأشجار وبهذه الطریقة تدافع عن حیاتها أمام هذه الظروف الصعبة.
وجمیع الکائنات الحیّة تملک نوعاً من السلاح الطبیعی للدفاع عن نفسها، مثلاً الغزال یملک قدرة عالیة على الفرار، والذئب یملک أسناناً حادّة قویة للدفاع، وبعضها تملک قروناً قویة تدافع بها عن نفسها، أو القنفذ یدافع عن نفسه بالأشواک المحیطة ببدنه، وبعضها الآخر تحافظ على نفسها بامتلاک الأنیاب السامة واللسعات المؤذیة، والخلاصة فإنّ کل حیوان یمتلک وسیلة دفاعیة متناسبة للحفاظ على حیاته.
وقد وهب الله تعالى لأبداننا قوى دفاعیة تتولى المحافظة على حیاة البدن فی مواجهة الأخطار والأمراض المختلفة، ولولا هذه الوسائل والأدوات الدفاعیة لتفشت الأمراض المختلفة بین الناس فی واقع الحیاة.
إنّ الملایین من الجنود المضحین فی الدم یطلق علیهم بالخلایا البیض ووظیفتهم الدفاع عن بدن الإنسان فی مقابل الجراثیم والمکروبات، وهذه المکروبات والفیروسات ترد إلى أبداننا خلال ساعات اللیل والنهار عن طریق الماء والغذاء والهواء وتدخل إلى أنسجة وخلایا البدن وتتسبب فی أنواع الأمراض کالملاریا والحصبة والسرطان وأمثال ذلک، والسبب فی أننا لا نبتلی بهذه الأمراض یعود إلى تضحیة هذه الخلایا البیض فی الدم، فهل عمل هذه الخلایا یسمى عملاً إرهابیاً؟ وهل یتهم العقل والمنطق هذه الخلایا بتهمة الإرهاب والعنف؟
إنّ الأشخاص الذین تجرى علیهم عملیة زرع الکلیة یجب أن یکونوا فی غرف نقیة تماماً من المکروبات، وحتى بالنسبة للأشخاص الذین یریدون زیارتهم وعیادتهم ینبغی أن یلبسوا لباساً واقیاً وقناعاً خاصاً لکی یتسنى لهم عیادتهم، والسبب فی ذلک أنّ البدن یقاوم هذا النزیل الغریب، وهی الکلیة الجدیدة، ولا یتقبله بسهولة، فیجب أن تمضی مدّة من الزمان لیعتاد البدن على هذا الضیف وتزول منه الحساسیة تجاهه، ویقوم الأطباء فی تلک الفترة بتزریق هذا المریض بأدویة خاصة لمنع مقاومة الخلایا البیض تجاه هذا العضو الجدید، ولذلک فإنّ الجهاز الدفاعی لبدن هؤلاء یغدو ضعیفاً ویحتاج لمراقبة وعنایة خاصّة.
إنّ أهمیّة عمل الخلایا البیض کبیرة إلى درجة أنّ یوماً واحداً من تعطیل عمل هذه الخلایا، فإنّ العدو «الذی یتمثّل فی المکروبات والفیروسات» یتسلط على بدن الإنسان. ففی کل وقت تضعف القدرة الدفاعیة لدى الشخص أو المجتمع فهذا یعنی سیطرة الأعداء والقوى المضادة علیه، ومن هنا ینبغی لنا ومن أجل منع نفوذ الأعداء وسیطرتهم على مجتمعاتنا الإسلامیة، أن نضع نصب أعیننا الآیات المتعلقة بالجهاد والشهادة ونجعلها أمامنا فی واقع الحیاة، فیما تمثّله هذه الآیات من اندفاع وقوّة وحیاة للمسلمین، وبذلک نکون مستعدین دائماً للدفاع أمام الأعداء وصد عدوانهم.
والخلاصة، إنّ الدفاع یعتبر قانوناً طبیعیاً وبعیداً عن مفهوم الإرهاب والعنف فیما یختزنه من مفهوم سلبی.
 


(1) . وسائل الشیعة، ج 18، الباب 1 من أبواب الدفاع، ح 1 و 2.
(2) . المصدر السابق، الباب 3 من أبواب الدفاع، ح 1 .

 

بطل الجهاد والشهادة! التفسیر الثانی: المجاهدون فی سبیل الله
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma