القسم الأول: القسم بالقمر

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأقسام القرآنیة
القسم الثانی: القسم باللیل الأقسام الثلاثة


إنّ الله تبارک تعالى یقسم فی البدایة بالقمر لکی یثیر عناصر التفکیر والتأمل فی أذهاننا، ویدعونا للتأمل فی عظمة هذا المخلوق النافع وکثرة برکاته، وهنا نشیر إلى بعض هذه البرکات والآثار الإیجابیة للقمر:
1. التقویم الطبیعی: بالرغم من أننا بحثنا هذا الموضوع سابقاً، ولکننا نفصل البحث حول هذا الموضوع لأهمیّته، إنّ القمر یعد آیة من الآیات الإلهیّة العظیمة وله نظام دقیق، ففی طیلة سبع وعشرین أو ثمان وعشرین یوماً یدور القمر حول الکرة الأرضیة دورة کاملة، وفی هذه المدّة أیضاً یدور حول نفسه دورة کاملة، لهذا فنحن نواجه القمر فی جانب واحد منه، وهذا النظام الدقیق أنتج تقویماً طبیعیاً لحساب الأیام والشهور للبشر کافة، فحیاة الإنسان بحاجة لمعرفة الوقت وتقویم الأیّام والشهور، وحرکة القمر بإمکانها أن تمنح الإنسان هذا التقویم وبذلک یستطیع الإنسان استخدامه فی حیاته ومعرفة أیّامه وشهوره، والشمس بدورها تستطیع أن تمنحنا تقویماً مماثلاً، ولکنّ التقویم الشمسی لا یدرکه جمیع الناس، ویحتاج إلى دراسة دقیقة وخبرة تجریبیة، بخلاف التقویم الطبیعی للقمر الذی یدرکه جمیع الأفراد، الاُمی والمتعلم، القروی والمدنی، الرجل المرأة، والأبیض والأسود، ویمکن الاستفادة منه فی جمیع الحالات، فمع ظهور القمر کهلال فی الاُفق نعرف من ذلک انقضاء شهر وحلول شهر جدید، وعند اکتمال القرص وصیرورة القمر بدراً نعرف أنّ هذه اللیلة هی لیلة الرابع عشر من الشهر، وحتى نستطیع من خلال التأمل فی المقدار المنیر من القمر تحدید الیوم من الشهر، وأنّ هذه اللیلة هی اللیلة الفلانیة من الشهر، وهذا التقویم الطبیعی ناتج من حرکة القمر بشکل منظم ودائم، وفی ضوء ذلک وعندما یقسم الله تعالى بالقمر فکأنّه یقسم بالنظام المخطط والمدروس لحرکات القمر، ویقسم بهذا النظام الحاکم على جمیع أجزاء عالم الوجود، وینبغی أن یتحرک الإنسان فی حیاته من موقع التخطیط المدروس والمنظم، فالنظام الحاکم على القمر وعلى الکرة الأرضیة إلى درجة من الدقّة والنظم أنّ علماء الفضاء بإمکانهم فی حال السفر إلى القمر أن یحسبوا فی أیة ساعة وفی أی مکان یستطیع رائد الفضاء من الهبوط على سطح القمر، وبالرغم من أن سفر السفینة الفضائیة یستغرق ثلاثة أیّام بلیالیها، ولکنّ هؤلاء العلماء یحسبون زمان ومکان هبوط السفینة الفضائیة على القمر قبل انطلاقها، وذلک من خلال الدقّة فی حرکة الأرض والقمر دون أن تثیر هذه الحرکة الدائریة خللاً فی حساباتهم، ولا یمثّل ذلک فخراً للإنسان بل یشیر إلى عظمة الخالق الذی خلق هذه الحرکات للأجرام السماویة بهذه الدقّة بحیث یستطیع الإنسان التنبؤ بالمستقبل من خلال هذه الحسابات الدقیقة، ومن هنا ورد أنّ الإمام زین العابدین(صلى الله علیه وآله) عندما رأى الهلال قال:
«أَیُّهَا الْخَلْقُ الْمُطیعُ، الدّائِبُ السَّریعُ، الْمُتَرَدِّدُ فِی مَنـازِلِ التَّقْدیرِ، الْمُتَصَرِّفُ فِی فَلَکِ التَّدْبیرِ. آمَنْتُ بِمَنْ نَوَّرَ بِکَ الظُّلَمَ، وَاَوْضَحَ بِکَ الْبُهَمَ، وَجَعَلَکَ آیَةً مِنْ آیاتِ مُلْکِهِ، وَعَلامَةً مِنْ عَلاماتِ سُلْطـانِهِ، فَحَدَّ بِکَ الزَّمانَ، وَامْتَهَنَکَ بِالْکَمـالِ وَالنُّقْصـانِ، وَالطُّلُوعِ وَالاُْفُولِ وَالاِْنـارَةِ وَالْکُسُوفِ، فِی کُلِّ ذلِکَ أَنْتَ لَهُ مُطیعٌ، وَإِلى إِرادَتِهِ سَریعٌ. سُبْحـانَهُ مـا أَعْجَبَ مـا دَبَّرَ فِی أَمْرِکَ، وَأَلْطَفَ مـا صَنَعَ فِی شَأْنِکَ، جَعَلَکَ مِفْتـاحَ شَهْرِ حـادِث لاَِمْر حـادِث...»(1).
فهنا نرى أنّ الإمام زین العابدین(علیه السلام) عندما رأى الهلال صرّح بهذه الکلمات الجذابة على شکل دعاء، وفی ذلک الوقت کانت الهیئة الفلکیة لبطلیموس هی السائدة على المحافل العلمیة فی العالم، وفی هذه النظریة فإنّ القمر لا یتحرک بل هو موجود فی فلک شفاف، والفلک هو الذی یتحرک ولیس للقمر حرکة مستقلة عن الفلک، ولکنّ الإمام زین العابدین(علیه السلام) فی ذلک العصر والزمان أشار بشکل إجمالی إلى حرکة القمر المستقلة وآثاره وبرکاته الأخرى، فالإمام زین العابدین(علیه السلام) کان یدرک أنّ النظام الحاکم على القمر یمتد فی أعماق التاریخ إلى ملایین السنین وهو آیة على قدرة وتدبیر الصانع العلیم، وینبغی أن یقف الإنسان أمام هذا الصانع المدبّر من موقف الخشوع والخضوع.
نور القمر: إنّ القمر فی الحقیقة بمثابة مرآة یعکس علینا ضوء الشمس، ویتمیز نور القمر باللطافة والجذابیة، فنوره لیس بالمقدار الذی یدفع بالإنسان الحریص والطماع إلى ساحة الکسب والعمل، ولیس بمقدار ضعیف بحیث لا ینتفع به الإنسان ولا یرى مسیره على الأرض، بل إنّه یستطیع أن یمنح الإنسان حالة من الراحة النفسیة والهدوء الروحی فی اللیالی المقمرة، وکذلک بإمکانه أن یمنح القوافل التی تسیر فی اللیالی نوراً کافیاً لهدایتها إلى مقاصدها.
3. سقی المزارع: إنّ المساحات الشاسعة من بساتین النخیل التی تتضمن ملایین من أشجار النخیل الواقعة على سواحل البحار والبحیرات، وخاصّة فی مصب الأنهار فی البحر، هذه المناطق تسقى بواسطة القمر، ففی مناطق التقاء النهر بالبحر فإنّ المیاه الحلوة والعذبة للأنهار لا تختلط بسرعة مع المیاه المالحة للبحر، بل تبقى المیاه العذبة على عذوبتها لمدّة معینة وهی متوغلة فی البحر، ویتولى القمر إیجاد ظاهرة المدّ والجزر فی اللیل والنهار، فجاذبیة القمر تؤدی إلى إیجاد ظاهرة المدّ فی میاه البحر ویجذب القمر میاه البحر نحوه قلیلاً، فعندما یصعد ماء البحر ویرتفع فإنّ المیاه العذبة التی دخلت البحر من الأنهار ستعود إلیها، وهکذا تسقی مزارع النخیل الواقعة على ضفاف الأنهار، فعندما یبدأ الجزر وینخفض ماء البحر فإنّ تلک المیاه ستعود إلى البحر مرّة ثانیة وهکذا تتکرر هذه العملیة مرّة أخرى فی کل لیل ونهار، وبذلک تسقى مزارع النخیل یومیاً، فمن یصدق أنّ کرة سماویة تعمل عمل ملایین الفلاحین والخبراء والمضخات فی کل یوم؟ هنا یقول الإمام زین العابدین(علیه السلام): «وَجَعَلَکَ آیَةً مِنْ آیـاتِ مُلْکِهِ، وَعَلامَةً مِنْ عَلاماتِ سُلْطـانِهِ».
ما تقدّم آنفاً یمثّل فقط ثلاثة موارد من منافع وبرکات القمر الذی أقسم الله تعالى به فی هذه السورة، وطبعاً فإنّ برکات القمر لا تنحصر بما ذکر.
 


(1) . مفاتیح نوین (بالفارسیة) لسماحة آیة الله العظمى الشیخ ناصر مکارم الشیرازی، فی أعمال الأشهر الإسلامیّة.

 

القسم الثانی: القسم باللیل الأقسام الثلاثة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma