الحالة الثانیة: النفس اللوّامة

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأقسام القرآنیة
الحالة الثالثة: النفس المطمئنّة الحالة الاُولى: النفس الأمّارة


وأحیاناً یتحرّک وجدان الإنسان ویخرج من أجواء الضعف والاهتزاز إلى حیث النشاط والحیاة والحرکة ولا یستسلم للأهواء والشهوات ولا یسلّمها زمام قیادة الإنسان، بل یتخّذ فی مقابلها موقفاً حاسماً ویعمل على تحویل باطن الإنسان إلى محکمة تحاکمه على ما یصدر منه من مخالفات وأخطاء وتلومه على ما بدر منه من ذنوب وآثام، وعندما یتحرّک الإنسان فی خطّ الخیر والصلاح فإنّ هذه القوة الخیّرة ستتحرّک فی ترغیبه وتشویقه، وهذه المرحلة تسمّى بمرحلة النفس اللوّامة، وما أجمل بالإنسان أن یخرج من ظلمات النفس الأمّارة ویصل إلى موقف النفس اللوّامة.
وأحیاناً تتحرّک النفس اللوّامة بشکل مؤقت وعابر وتمثّل حالة طارئة على الإنسان وتکتفی بلومه على تصرفه الخاطئ، وبعد مدّة قصیرة تنسحب إلى العمق وترقد فی سبات عمیق، وبذلک تخلی مکانها للنفس الأمّارة وتفسح لها المجال فی العودة إلى أجواء الوعی والفکر والعاطفة فی الإنسان، کما تشیر إلى هذه الحقیقة الآیات التی تتحدّث عن قصة إبراهیم وعبادة الأوثان، بعدما حطّم إبراهیم أصنامهم، فقالوا له: (قَالُوا ءَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا یَا إِبْرَاهِیمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ کَبِیرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ کَانُوا یَنطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّکُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ)(1).
وهکذا نرى هؤلاء القوم لم یتمکّنوا من الإصغاء مدّة طویلة لنصائح النفس اللوّامة، لأنّهم إذا ساروا فی هذا الخطّ واقتنعوا بأنّ هذه الأصنام لا تضرّ ولا تنفع ولا تنطق، فإنّ أصل وأساس عبادتهم لها ستتعرض للسؤال والاهتزاز، وإذا ادّعوا أن هذه الأصنام تستطیع الکلام والنطق، فإنّهم بأنفسهم یعلمون أن هذا الادّعاء کاذب وسیفضحون أنفسهم بسرعة، ومن هنا فإنّهم تناسوا نصیحة الوجدان وتلک النفس اللوّامة، وأسدلوا علیها ستار الغفلة واللامبالاة والتمرّد:
(ثُمَّ نُکِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاَءِ یَنطِقُونَ * قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لاَ یَنفَعُکُمْ شَیْئاً وَلاَ یَضُرُّکُمْ * أُفّ لَّکُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ * قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَکُمْ إِنْ کُنتُمْ فَاعِلِینَ)(2).
أجل فإنّ وجدان عبّاد الأوثان هؤلاء قد استغرق فی النوم مرّة ثانیة ولذلک تحرکوا فی منطقهم وحدیثهم من مواقع القوّة وأخذوا یهددون إبراهیم واستخدموا معه آلیات بعیدة عن المنطق والعقلانیة، وأخیراً اصدروا أمرهم بإعدام إبراهیم حرقاً.
إنّ الأشخاص الذین یعیشون الاهتزاز فی المنطق والقصور فی العقلانیة یعتمدون على لغة القوّة، والآن نرى أنّ القوى الاستکباریة التی تبسط هیمنتها على سائر الدول الاُخرى وتتعامل معها من موقع التهدید بالحصار الاقتصادی والسیاسی وحتّى التهدید بالحرب أیضاً، یعیشون هذه الحالة، ولو أنّ وجدانهم استیقظ للحظة واحدة فإنّهم سرعان ما یتغافلون عن توصیات عقولهم ونصائح وجدانهم ولا یجدون فی أنفسهم استعداداً لمواجهة الحقیقة من موقع الإذعان والتسلیم.
وطبعاً، فأحیاناً تتحول النفس الأمّارة تماماً إلى نفس لوّامة وتقوم بلوم صاحبها على ما ارتکبه من أخطاء وذنوب، وینقل أنّ الطیّار الذی ألقى بأوّل قنبلة ذریة على مدینة هیروشیما الیابانیة وحوّلها إلى رماد وقد استلم جوائز عدیدة على هذه الجریمة، استیقظت نفسه اللوّامة فی آخر عمره وأخذت تلومه وتوبخه على هذا العمل الشنیع حتّى ادّى ذلک إلى جنونه، بحیث یقال إنّه کان یصرخ ویقول : «أنا الذی قتلت بقنبلة واحدة ثلاثمائة ألف إنسان». ولکن هیهات فقد فات الأوان.
وهنیئاً لمن تستیقظ نفسه اللوّامة فی واقعه وتبدأ بلومه وتوبیخه، لأنّ ذلک من شأنه أن یفتح أبواب النجاة على هذا الإنسان وتقوده هذه النفس اللوّامة فی خطّ الصلاح والخیر وجبران ما فات.


(1) . سورة الأنبیاء، الآیات 62 ـ 64.
(2) . سورة الأنبیاء، الآیات 65 ـ 68.

 

الحالة الثالثة: النفس المطمئنّة الحالة الاُولى: النفس الأمّارة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma