شرح و تفسیر: العلائم الثلاث للتوحید

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
الأقسام القرآنیة
التقدیر فی الرزق أو السعی للرزق؟ 6. قسم سورة الذاریات


ومن أجل إلقاء الضوء على تفسیر هذه الآیة، لابدّ من الرجوع إلى الآیات الثلاث التی سبقتها، وهی:
(وَفِى الاَْرْضِ آیَاتٌ لِّلْمُوقِنِینَ). فموضوع البحث فی هذه الآیات مسألة التوحید ومعرفة الله، ومن هنا فإنّ الله تعالى تحدّث فی هذا المجال عن علائم ثلاث تقرر هذه الحقیقة:
الأُولى: آیة الأرض، الثانیة: آیة النفس الإنسانیة، والثالثة: آیة السماء والرزق النازل منها.
وللأسف فإنّ الإنسان وبسبب اعتیاده على رؤیة هذه الآیات الإلهیّة لا یلتفت إلیها من موقع الاهتمام والتدبر، فالأرض تحت أقدامنا هی الملجأ والملاذ وموطن الراحة لجمیع أفراد البشر، وهی التی تؤمن غذاءنا ولباسنا ودواءنا. والکثیر من الناس لا یفکرون فی هذه النعمة العظیمة طیلة حیاتهم، فی حین أنّ الله تعالى یقرر فی هذه الآیة الشریفة أنّ الأرض تعتبر آیة إلهیّة لمن یتحرک فی خط الیقین والإیمان ومعرفة الله، والحقیقة أنّ الکرة الأرضیة تعتبر من عجائب الخلقة وتختزن الکثیر من الغرائب والعجائب والأسرار، ومن هنا فقد صنّف العلماء کتباً کثیرة فی البحث ودراسة هذه الأسرار والعجائب للأرض، وجمیع هذه الکتب فی نظر الإنسان الموحّد، دروساً لترکیز التوحید ومعرفة الله.
وأحد عجائب الأرض أنّها تنبت نباتات وأشجاراً وثماراً مختلفة، فبعضها حلو والآخر حامض وثالث مالح، وبعض الأطعمة زاخر بالدسومة، وبعضها یستخرج منه الأدویة، ونباتات أخرى تستخرج منها الألوان والعطور، أضف إلى ذلک اختلافها فی الشکل واللون والهیئة وما إلى ذلک، ألیس من العجیب أن تنبت مثل هذه الأنواع والألوان من الشجر والثمر فی أرض واحدة؟
من هو الذی جعل کل هذه الورود الملونة وذات العطور المختلفة والثمار الحلوة والحامضة، والخضروات المتنوعة، تنبت فی تراب واحد وتسقى بماء واحد؟
ما هو العنصر المشترک فی جذور النباتات والأشجار التی تمتص الماء والغذاء من التربة وتنقله إلى جمیع الأغصان والأوراق بالمقدار المناسب؟ إذا صنع البشر مصنعاً بحیث یؤتى إلیه بالمواد الأولیة من الماء والتراب من جهة، وینتج ثماراً ومحصولات متنوعة وتخرج من الجهة الاُخرى، فکیف سیکون إعجابنا بهذا العمل المدهش والمذهل؟ الأرض التی تحت أقدامنا تمارس هذه العملیة باستمرار وفی کل مکان وزمان.
عندما یفکر الإنسان فی عجائب الأرض وأسرارها، فسیتحرک فیه الشعور الإیمانی ویذعن لهذه الحقیقة الحاسمة، وهی «أنّ الأرض لیست فقط آیة إلهیّة، بل تتضمن آیات إلهیّة کثیرة فیما تعکسه من معالم التوحید للسالکین فی طریق الإیمان والمعنویات».
(وَفِى أَنفُسِکُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ). الآیة الإلهیّة الثانیة التی یؤکد علیها القرآن الکریم، النفس الإنسانیة، أجل ففی عالم الباطن وفی المحتوى الداخلی للإنسان آیات عدیدة على التوحید ومعرفة الله، ومما یؤسف له أننا اعتدنا على الحیاة مع هذه الآیات الإلهیّة بحیث باتت هذه العادة حجاباً یمنعنا من رؤیة هذه الآیات الإلهیّة على حقیقتها، وجمیع أعضاء وجوارح الإنسان عجیبة ومذهلة، فلو لم یکن فی الإنسان سوى العین أو الاُذن بل حتى شعرة واحدة فذلک یکفی علامة وآیة على معرفة الله، هل فکرتم یوماً بنسیج العین الدقیق ووظیفها الرائعة؟
ومن أجل توضیح الجواب عن هذا السؤال من المناسب إلفات النظر إلى ما یلی:
عندما یراد تصویر واقعة معینة، یتمّ نصب کامیرات من جهات متعددة لتأخذ فیلماً لهذه الواقعة من زوایا متعددة، ویقف عدد من أهل الخبرة وراء أجهزة التصویر هذه، وهناک عدد منهم مسؤولون عن تنظیم النور وبعض یتولى تنظیم الصوت، والخلاصة لابدّ من فریق کامل من أهل الخبرة یأخذون على عاتقهم تهیئة مقدمات العمل حتى یخرج الفیلم متناسباً ویتمّ تصویرالواقعة من جوانب متعددة، بیدا أنّ عین الإنسان تملک طبقات متعددة ونسیج عجیب، فهی تلتقط الصور والأفلام فی کل لحظة من الیمین والشمال ومن الأعلى والأسفل بدون توقف وبدون تهیئة المقدمات المذکورة.
إنّ العین تنقل التصاویر الکثیرة إلى الدماغ بلحظات من مسافات بعیدة وقریبة، لأنّ تنظیم المسافة والنور یتمّ بطریق اوتوماتیکی، وعندما تلتقط الصور بمختلف المقادیر من النور والضوء تقوم بإرسالها إلى الدماغ، فیحتفظ الدماغ بهذه الصورة التی یحتاج إلیها فی مخزن الحافظة بحیث یستطیع الإنسان استعادتها بعد عشرات السنین وتذکرها.
هذا عضو واحد من الأعضاء الکثیرة فی بدن الإنسان وله کل هذه العجائب، إنّ أجزاء بدننا متکوّنة من خلایا صغیرة جدّاً وتعتبر بمثابة الآجر لبناء البدن وتختزن أسراراً مدهشة، بحیث إنّ العلماء صنّفوا کتباً عدیدة فی عجائب وأسرار الخلیة الحیّة، بل استطاع علماء عصرنا من وضع خلیة واحدة فی رحم الاُنثى من حیوان وتهیئة ظروف مناسبة لنمو هذه الخلیة حتى تصیر بعد عدّة أشهر حیواناً کاملاً بدون تلقیح نطفة الذکر مع بویضة الاُنثى.
أجل، إنّ إلقاء نظرة على نسیج هذا البدن العجیب والزاخر بالأسرار یعکس فی ثنایاه عظمة الباری تعالى: «مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ»(1).
(وَفِى السَّمَاءِ رِزْقُکُمْ وَمَا تُوعَدُونَ).
سؤال: ما المقصود بالرزق الموجود فی السماء؟
الجواب: یعتقد المفسّرون بأن المقصود منه قطرات المطر، فعندما تنزل قطرات المطر تبعث على الحیاة ونمو المحاصیل الزراعیة فی تلک المنطقة، إنّ أهمیّة الماء فی عالم الوجود وفی بدن الإنسان إلى درجة بحیث إنّ _4_3_ الکرة الأرضیة تغطیها المیاه، کما أنّ _4_3_ بدن الإنسان یتکون من الماء، نعم، القطرات النازلة من السماء، هی منشأ رزق الإنسان وحیاته.
ولکن هل الرزق السماوی ینحصر بالمطر؟ ألیست أشعة الشمس والتی تتسبب فی حیاة جمیع الموجودات الحیة على الأرض، ولولا أشعة الشمس لما استطاعت الأحیاء من الاستمرار فی حیاتها، ألیست هذه الأشعة تأتینا من السماء؟
ألیس الهواء، الذی یحتاج إلیه الإنسان وسائر الکائنات الحیة فی کل لحظة، یعتبر من رزق السماء؟ فلماذا نحصر رزق السماء فی المطر فقط، وماالمانع من القول إنّ کل هذه الأمور والنعم الإلهیّة مصداق لرزق السماء.
التفسیر الآخر لقول تعالى (وَفِى السَّمَاءِ رِزْقُکُمْ) أنّ المراد بذلک، المقدرات الإلهیّة(2) أی أنّ الله تعالى قدّر أرزاقکم فی السماء، فلا ینبغی للإنسان أن یعیش الحرص والطمع ویتهافت على حطام الدنیا ویتناول الحلال والحرام لضمان رزقه وحیاته،لأنّ مقدرات الرزق عند الله، ویجب على الإنسان أن یقنع بما قدرّ له الله تعالى من رزق .
(وَمَا تُوعَدُونَ) وقد اختلف المفسّرون فی تفسیر هذه الجملة على أقوال:
1. المراد منها الجنّة، لأنّ الجنّة تقع فی السماء.
2. المقصود به الملائکة الذین ینتظرون الأوامر الإلهیّة فی السماء لیقوموا بتنفیذ هذه الأوامر الموکلة إلیهم.
3. الثواب والعقاب(3).
(مِّثْلَ مَا أَنَّکُمْ تَنطِقُونَ); أی قسماً بربّ السماء والأرض أنّ رزقکم مقدر فی السماء ولا شک ولا شبهة فی ذلک، کما لا شک ولا شبهة فی أنّکم تتکلمون، بمعنى أنّ عملیة الکلام والنطق بالنسبة لکم بدیهیة ولا غبار علیها، والتقدیر الإلهی بالنسبة للرزق والنعم الإلهیّة أیضاً بهذا المقدار من الوضوح والبداهة.
سؤال: لماذا شبّهت الآیة الشریفة تقدیر الرزق بالکلام والنطق من بین جمیع الأعمال والأفعال التی یقوم بها الإنسان فی الحیاة؟
الجواب: لأنّ الإنسان ربّما یخطیء فی رؤیته ونظره، أو ربّما یرتکب خطأ فی سماعه، ولکنّه لا یمکن أن یقع الخطأ فی کلامه، ومع الأخذ بالاعتبار أنّ الکلام واضح لدى جمیع الناس واحتمال الوقوع فی الخطأ قلیل جدّاً أو لا یحتمل الوقوع فی الخطأ فی عملیة التکلّم فقد ورد التشبیه به.
أضف إلى ذلک أنّ النطق یعتبر من امتیازات الإنسان ولیس کذلک النظر والسمع فلا تختص بالإنسان بل الحیوانات تملک السمع والنظر وربّما بقدرات أشد من الإنسان، ومن هنا فإنّ النطق یختص بالإنسان ومن امتیازاته، وعندما نسمع أنّ الببغاء تتکلّم فذلک لا یکون عن فهم وشعور بل على أساس التلقین فلا تفهم الببغاء ما تقوله.


(1) . ولهذا الحدیث الشریف تفاسیر مختلفة ذکرنا الکلام عنه بالتفصیل فی کتابنا: الأخلاق فی القرآن، ج 1،ص 328 فصاعداً.
(2) . مجمع البیان، ج 9، ص 260 .
(3) . المصدر السابق.

 

التقدیر فی الرزق أو السعی للرزق؟ 6. قسم سورة الذاریات
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma