اختلاف الزوجین فی الإعسار

موقع سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي(دام ظله).

صفحه کاربران ویژه - خروج
الترتيب على أساس
 
انوار الفقاهة - کتاب النکاح-3
جواز الفسخ عند إعسار الزوجلو کانت الزوجة حاملاً

 
اختلاف الزوجین فی الإعسار
(مسألة 18) : لو طالبته بالإنفاق، وادّعى الإعسار وعدم الاقتدار ولم تصدّقه، وادّعت علیه الیسار، فالقول قوله بیمینه إن لم یکن لها بیّنة، إلاّ إذا کان مسبوقاً بالیسار، وادّعى تلف أمواله وصیرورته معسراً وأنکرته، فإنّ القول قولها بیمین، وعلیه البیّنة.
 
اختلاف الزوجین فی الإعسار وعدمه
أقول: المسألة السابقة وإن قلّ بها الابتلاء، ولکنّ هذه المسألة ممّا یکثر بها الابتلاء بالنسبة إلى المهر والنفقة، ولاسیّما فی أیّامنا. وما ذکره المصنّف من قبول قول الزوج فی دعوى الإعسار ـ إلاّ مع سبق الیسار ـ موافق لما ذکره جماعة من عظماء الأصحاب، کالعلاّمة فی «القواعد»(1)، والفاضل الأصفهانی فی «کشف اللثام»(2)، وغیرهما.
وقال ابن قدامة فی «المغنی»: «وإن اختلفا فی یساره; فادّعته المرأة لیفرض لها نفقة الموسرین، أو قالت: کنت موسراً، وأنکر ذلک، فإن عرف له مال فالقول قولها، وإلاّ فالقول قوله، وبهذا کلّه قال الشافعی، وأبو ثور، وأصحاب الرأی»(3).
ویظهر من کتاب «مدوّنة الفقه المالکی وأدلّته» أنّ الزوج لو ادّعى الإعسار، طلب منه أن یثبت ذلک(4)، ولازم هذا القول عدم الاعتماد على قول الزوج فی المسألة.
وعلى کلّ حال: فقد تعرّض بعضهم للمسألة هنا فی بحث النفقات، وبعضهم فی باب القضاء، وبعضهم ـ مثل صاحب «الجواهر» ـ فی باب المفلّس.
والظاهر أنّه لم یرد نصّ خاصّ فی المسألة، فاللازم معالجتها بالقواعد والاُصول المعتبرة المعروفة، فنقول: لا ینبغی الشکّ فی أنّه إذا کان هناک بیّنة على الإعسار أو الیسار، أو إقرار بأحدهما، أو علم القاضی بأحدهما، کان الحکم على وفقه; لقیام الدلیل والأمارة المعتبرة، وفی الواقع هذه الصور الثلاث خارجة عن محلّ النزاع.
وإذا لم یکن هناک شیء من ذلک، فمقتضى القاعدة أنّ من کان قوله موافقاً للأصل، فهو منکر، ومخالفه مدّع، وفی المقام لمّا کانت الحالة السابقة فی جمیع الناس ـ إلاّ ما شذّ وندر ـ عدم الیسر، فتستصحب إلى أن یعلم خلافها، فالقول فیها قول الزوج.
نعم، قد یکون بعض الناس من لدن تولّدهم مالکاً لمیراث، فلیست له حالة عدمیة.
إن قیل: عند ما کان جنیناً لم یکن موسراً.
قلنا: هذا من قبیل الانتفاء بانتفاء الموضوع; لعدم قابلیة المحلّ للیسار والإعسار، وقد ذکرنا فی محلّه: أنّ استصحاب العدم الأزلی غیر مقبول عندنا.
وأمّا إذا کانت الحالة السابقة الیسر، فادّعى الزوج زوالها بزوال المال، کان قوله مخالفاً للأصل; فإنّ الأصل هو بقاء الیسر، فحینئذ یقبل قول الزوجة بیمینها.
ومن العجب أنّ بعض المعاصرین زعم: أنّ الأصل الجاری فی المقام هو أصالة بقاء الیسار، لا بقاء المال، لأنّه من الأصل المثبت! والحال أنّهما شیء واحد، ولیس الیسار إلاّ کونه واجداً للمال.
نعم، قد لا تکون هناک حالة سابقة، وهذا فی موارد توارد الحالتین; بأن علمنا بأنّه کان موسراً فی زمان، ومعسراً فی زمان آخر، ولکن لا نعلم أیّة الحالتین تقدّمت على الاُخرى، فالاستصحاب هنا لا یجری، ولو فرض جریانه تعارضا وتساقطا، وحینئذ یتحالفان، فإذا حلفا معاً یحکم بعدم إلزام الزوج بالنفقة; لأنّه مقتضى أصالة براءة الزوج منها.
بقیت هنا اُمور:
الأمر الأوّل: لا شکّ فی أنّ الفحص فی الشبهات الموضوعیة غیر واجب، وقد استوفینا البحث عنه فی کتابنا «أنوار الاُصول»(5) ولکن ذکر أنّه یستثنى منه موردان:
أوّلهما: ما أمکن حصول علمه بأدنى فحص، کما إذا کان عند التاجر دفاتر للدیون والمطالبات، فشکّ فی أنّه مدیون لفلان، فلم ینظر فی دفتره، وتمسّک بأصالة البراءة، فإنّ ذلک لا یجوز; لانصراف الأدلّة عنه.
وثانیهما: ما إذا کانت طبیعة الموضوع ممّا لا یمکن العلم بوجودها وعدمها إلاّ بعد الفحص والبحث، کالنصاب فی الزکاة، والاستطاعة فی الحجّ، وما زاد من الأرباح فی الخمس، فلا یجوز التمسّک بالبراءة بدون المحاسبة فی شیء من ذلک; فإنّ هذا هو مقتضى بناء العقلاء.
والظاهر أنّ الأمر فی الإعسار والیسار کذلک، فالواجب على القاضی أن یأمر أحداً بالبحث والفحص عن حال المدّعی; فإن ظهر له حاله فلا إشکال، وإن أبهم الأمر بعد ذلک یحکم لمنکر الیسار مع یمینه.
الأمر الثانی: قال السَرَخْسی: «إنّ الإقدام على بعض الاُمور بمنزلة الإقرار بالیسار، مثل جعل المهر للمرأة، وکذا الکفالة فی الدیون»(6).
ونضیف إلیه: أنّ الإقدام على التزویج، إقرار منه، بقدرته على النفقة.
والإنصاف: أنّ مثل هذه الاُمور لا تکون بمعنى الإقرار، ولا سیّما بالنسبة إلى المهر، وهکذا النفقة; قال الله تعالى: (وَأَنْکِحُوا الاَْیَامَى مِنْکُمْ وَالصَّالِحِینَ مِنْ عِبَادِکُمْ وَإِمَائِکُمْ إِنْ یَکُونُوا فُقَرَاءَ یُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِیمٌ)(7)، فکثیر من الشباب یتزوّجون برجاء القدرة فی المستقبل. ولعلّ ما ذکره السَرَخْسی، هو الدلیل على ما عرفت من ذهاب بعض العامّة إلى قبول قول المرأة على کلّ حال، کما مرّ من «مدونة الفقه المالکی».
الأمر الثالث: قال السَرَخْسی أیضاً: «إنّ بعض مشایخنا یقولون: یحکم فی ذلک بمقتضى زیّه; فإن کان علیه زیّ الأغنیاء، لا یقبل منه دعوى الإعسار، وقد قال الله تعالى: (تَعْرِفُهُمْ بِسِیَماهُمْ)(8) أی الفقراء یعرفون بسیماهم.
وقال تعالى: (إِنْ کَانَ قَمِیصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُل فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْکَاذِبِینَ)(9).
وقوله تعالى: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لاََعَدُّوا لَهُ عُدَّةً)(10)، إشارة إلى أنّ ظاهر حالهم هو عدم الخروج إلى الجهاد»(11).
ونضیف إلیها موارد اُخرى من الکتاب العزیز:
قال الله تعالى حکایة عن بنت شعیب(علیه السلام) مشیرة إلى موسى: (إِنَّ خَیْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِىُّ الاَْمِینُ)(12)، وقد ورد فی بعض الروایات: أنّها عرفت أمانته من عدم رضاه بمشیها قدّامه.
وکقوله تعالى فی حکایة ضیف إبراهیم: (فَلَمَّا رَأَى أَیْدِیَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَیْهِ نَکِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِیفَةً)(13)، فإنّ ظاهر هذا العمل، إمکان وصول الخطر من ناحیتهم إلیه وإن ارتفع هذا الوهم بعده.
ومثل اعتراض موسى(علیه السلام) فی سورة الکهف(14) على الخضر فی تخریب السفینة، أو قتل الولد، أو بناء الجدار، فإنّها کلّها من القضاء بحسب ظاهر الحال... إلى غیرذلک ممّا یعثر علیها المتتبعّ، وکلّها شاهدة على جوازالأخذ بظاهر الحال.
وفی الواقع لیس هنا أمر تعبدّی، بل هو من الأمارات العقلائیة; فإنّهم یرون ظاهر الحال حجّة، کما یرون ظاهر الکلام ذلک، ففی الواقع لا فرق بین ظهور الکلام، وظهور الحال، ولذا ذهبنا إلى الأخذ بظاهر الحال فی أبواب مختلفة، فإنّه أمارة عقلائیة، فلو کان محلّ الکلام من مصادیقه أحیاناً، یؤخذ به، کما إذا کان للزوج دار واسعة، وسیّارة، ومحلّ للکسب أو التجارة، ثمّ ادّعى الإعسار، فإنّه لا یقبل منه إلاّ بإقامة البیّنة، ولکن قد لا یوجد هناک ظاهر الحال، فیرجع إلى ما سبق منّا.
الأمر الرابع: إذا لم یکن الزوج معسراً، بل کان مالکاً للنفقة بحسب حاله، لابحسب شأن المرأة، فهل یلزم بتحصیل أکثر من ذلک ویکون الزائد ـ على تقدیر عدم تحصیله ـ فی ذمّته، أو یکفی منه ما قدر علیه بحسب حاله؟
لم یتعرّض المصنّف(قدس سره) للمسألة فی شیء من أبواب النفقات، ولکن تعرّض لها فی «کنز العرفان» وفی «الجواهر» قال فی «الکنز»: «قال المعاصر: فی هذه الآیة دلالة على أنّ المعتبر فی النفقة، حال الزوج، لا الزوجة، ولذلک أکّده بقوله تعالى: (لاَ یُکَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا) إذ لو کان المعتبر حال الزوجة لا حال الزوج، لأدّى فی بعض الأوقات إلى تکلیف ما لا یطاق; بأن تکون ذات شرف، والزوج معسر».
ثمّ قال: «وعندی فیه: أمّا أوّلا: فلفتوى الأصحاب أنّه یجب القیام بما تحتاج إلیه المرأة... وثانیاً: فلأنّ قوله تعالى: (لاَ یُکَلِّفُ اللهُ...) قابل للتقیید; أی فی الحالة التی قدّر فیها الرزق، وحینئذ جاز أن یکون الواجب علیه ما هو عادة أمثالها، فیؤدّی ما قدر علیه الآن، ویبقى الباقی دیناً علیه، فلذلک اتّسع الکلام بقوله تعالى: (سَیَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْر یُسْراً).
وقال صاحب «الجواهر»(قدس سره) بعد نقل هذا الکلام:
«قلت: هوصریح فیما قلناه، بل ظاهره الإجماع على ذلک» أی ملاحظة حال المرأة «على أنّه یمکن تنزیل الآیة على نفقة غیر الزوجة التی تسقط بالإعسار»(15).


(1). قواعد الأحکام 3 : 110.
(2). کشف اللثام 7 : 585.
(3). المغنی، ابن قدامة 9 : 254.
(4). مدونة الفقه المالکی 3 : 17.
(5). أنوار الاُصول 3 : 197.
(6). المبسوط، السرخسی 5 : 193.
(7). النور (24): 32.
(8). البقرة (2): 273.
(9). یوسف (12): 26.
(10). توبه (9): 46.
(11). المبسوط، السرخسی 5 : 193.
(12). القصص (28): 26.
(13). هود (11): 70.
(14). الکهف (18): 71 ـ 77.
(15). جواهر الکلام 31 : 333.
 
 
جواز الفسخ عند إعسار الزوجلو کانت الزوجة حاملاً
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma