الحلقة الأولى.. علائم الإيمان

الحلقة الأولى.. علائم الإيمان


بحث سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي (مدّ ظله)، طائفة من الروايات الشريفة المتعلقة بالمسائل الأخلاقيّة في كتاب أصول الكافي في المجالس الأخلاقيّة التي كان يقيمها لأعضاء مكتبه، وقد ارتأينا أن نقدم لحضراتكم أيها القراء الكرام خلاصة هذه المحاضرات في حلقات، سائلين البارئ تعالى أن يوفقنا وإياكم للعمل بهذه الروايات الكريمة والتعاليم الأخلاقيّة الواردة في هذا الكتاب القيم.‌

بحث سماحة آية الله العظمى مكارم الشيرازي (مدّ ظله)، طائفة من الروايات الشريفة المتعلقة بالمسائل الأخلاقيّة في كتاب أصول الكافي في المجالس الأخلاقيّة التي كان يقيمها لأعضاء مكتبه، وقد ارتأينا أن نقدم لحضراتكم أيها القراء الكرام خلاصة هذه المحاضرات في حلقات، سائلين البارئ تعالى أن يوفقنا وإياكم للعمل بهذه الروايات الكريمة والتعاليم الأخلاقيّة الواردة في هذا الكتاب القيم.

وفيما يلي نص الحلقة الأولى:

علائم الإيمان

قال الإمام الباقر(ع): بينما رسول الله(ص) في بعض أسفاره (ولم ينقل جزئيّات هذه الرواية ) إذ لقيه ركب، فقالوا: السلام عليك يارسول الله، فقال: ما أنتم؟ فقالوا :

«نَحْنُ مُؤْمِنوُنَ يا رَسُولَ اللّه قالَ: فَما حَقيقَةُ ايمانِكُم؟ قالُوا: اَلرِّضا بِقَضاءِ اللّهِ، وَالتَّفْويضُ اِلَى اللّهِ، وَالتَّسْليمُ لاَِمْرِ اللّهِ. فَقالَ رَسُولُ اللّهِ: عُلَماءٌ حُكَماءٌ كادُوا اَنْ يَكُونُوا مِنَ الْحِكْمَةِ اَنْبياءَ، فَاِنْ كُنْتُمْ صادِقينَ فَلاتَبْنُوا مالا تَسْكُنُونَ وَلا تَجْمَعُوا مالا تَأْكُلُونَ وَاتَّقُوا اللّهَ الَّذى اِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»[1] .

 

 مقام الرضا

الاشخاص الذين التقوا مع رسول الله(ص) كما جاء في هذه الرواية، ادّعوا لأنفسهم مقامات كريمة كلّ واحد منها أعلى من الآخر وأغلى قيمة، والمقام الأوّل هو مقام الرضا بقضاء الله، وهذا المقام يعني أنّ الإنسان يملك سلسلة من المباني الاعتقاديّة، ويعلم بأنّ الله تعالى عالم، وحكيم، ورحمان ورحيم، ويريد الخير والصلاح لعباده، وهو غنيّ عن كلّ شيء وعن أي مخلوق، وبالتالي فإنّ كلّ مصير يواجهه الإنسان في حركة الحياة فسوف يكون بصلاحه، وبكلمه واحدة: أن يعتقد هذا الإنسان بأنّ نظام العالم مبنيّ على الوجه الأحسن، فلو كان للإنسان مثل هذا المبنى الأعتقادي، فإنّه يرى في كلّ حادثة يواجهها في حياته (التي ليس له دخل في حدوثها، وهي خارجة عن إرادته واختياره)، فإنّ مثل هذه الحوادث تصبّ في النهاية في خيره وصلاحه ولا يرى فيها سوى المنفعة والخير، وطبعآ فإنّ هذا المقام يعني مقام الرضا يمثّل المرتبة الاُولى الإيمان.

 

مقام التفويض

وأعلى من مقام «الرضا» هو أنّ هذا الإنسان المؤمن، ليس فقط يكون راضياً بقضاء الله وقدره ويرى الخير بما قدّر الله تعالى له في حياته، بل إنّه يفوّض جميع أعماله إلى الله تعالى ويخاطبه بالقول: إلهي! أنت وكيلي في الحياة وأنت ولييّ وناصري فيما اُواجهه من صعوبات وتحديات، فأسألك أن تقدّر ليّ ما ترضاه في حياتي، وهكذا يكون منطق هذا الشخص هو منطق مؤمن آل فرعون الذي قال : (وَأُفَوِّضُ أَمْرِى إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)[2] .

ويقول هذا الإنسان المؤمن: إلهي! إنني أبذل جهدي وأسعى سعيي في هذه الحياة بعيدآ عن حالات الكسل واليأس والاخفاق، ولكن ما لا أستطيع الحصول عليه وما يكون خيرآ لي فإنّ يدي قاصرة عن التوصل إليه، فأنا افوّض هذا الأمر لك وأتوكّل عليك وأثق بلطفك وقدرتك ورحمتك، ومعلوم أنّ الله تعالى عندما أنقذ مؤمن آل فرعون من شرّ الفراعنة وحفظه منهم ودفع عنه كيدهم، فإنّ رحمة الله لا تختصّ بهذا الشخص بالذات، بل رحمة الله تسع جميع المؤمنين من أمثاله، الذين يفوّضون أمرهم إلى الله تعالى، ويحفظهم من مكر الأعداء ويعينهم في حياتهم مقابل ما يواجهونه من تحديات وصعوبات.

 

مقام التسليم

وأعلى من مقام التفويض، مقام التسليم وهو آخر مرتبة من مراتب الإيمان، فالشخص الذي يصل إلى هذه المرتبة في معراج الإيمان لا يقول: «إلهي! أنا راضٍ بقضاءك وقدرك»، وكذلك لا يقول: «إلهي! اُفوّض أمري إليك» بل يقول: «لا شيء عندي سوى ما تقدّره لي، فكلّ شيء لديّ في حياتي فهو منك» وهذا هو مقام التسليم، وقد نرى هذا المقام في كلمات الإمام الحسين(ع) حيث وصل إلى هذه المرتبة السامية من مراتب الكمال المعنوي، وعلى الرغم ممّا كان يواجهه من مصائب ومصاعب في واقعة كربلاء، وما كان يشاهده من استشهاد أصحابه وأهل بيته الأوفياء، فكان الإمام الحسين(ع) حتّى في آخر لحظات عمره المبارك في مصرعه يقول: «صَبْرآ عَلى قَضائِك يا رَبِّ لاَ إِلهِ سِواك، يا غِياثَ الْمُسْتَغيثينَ، ما لِيَ رَبٌّ سِواك، وَلا مَعْبُودٌ غَيْرُك، صَبْرآ عَلى حُكْمِك يا غِياثَ مَنْ لا غِياثَ لَهُ، يا دائِمآ لا نَفادَ لَهُ، يا مُحْيِيَ الْمَوْتى، يا قائِمآ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ، أُحْكُمْ بَيْني وَبَيْنَهُمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الْحاكِمينَ»[3] ، وقد رسم أحد الشعراء مقام التسليم في بيتين بليغين من الشعر  :

 

أحدهم يختار الألم والآخر يختار الدواء؛

أحدهم يختار الوصل والآخر يختار الهجران؛

أمّا أنا فمن بين الألم والدواء والوصل والهجران؛

أختار ما يختار لي المحبوب[4] .

 

ويقول الآخر :

اصدَع بِربِّك أو بِأمر مِنهُ تكُن         ممّنْ يُكلّمه الرّحمنُ تَكلِيما

سَلّم إليهِ الّذِي جاءتْ أَوامِرهُ         بِهِ مِنَ الحُكمِ فِي الإيمانِ تَسلِيما

يُعطيك نُورآيُريك العَينَ فِي عَدمِ         وَفِي وجُود وأحكَامآ  وتَحكِيما

وَيُنزلُك عِندَ الحَقِّ منزِلَةً         مَا نَالَها أَحدٌ قدرآ وتَعظِيمآ

وَيَمنَحُك عِلمآ لَستَ تَعرفهُ         بِهِ وَتُرزقُ آدابآ وَتَعلِيمآ

هنيئا للأشخاص الذين وصلوا إلى هذه المرتبة من مراتب القرب المعنوي في حياتهم.

 

[1] . اصول الكافي، ج 2، ص 52، باب حقيقة الإيمان واليقين، ح 1.

[2] . سورة غافر، الآية 44.

[3] . مقتل الحسين للمقرم، ص 282 ـ 283؛ عاشوراء، ص 302.

[4] . رباعيات بابا طاهر، ص 10.

captcha